أثارت التحركات التركية للتنقيب عن النفط في ليبيا اعتراضات مجلس النواب الليبي، في وقت رأى مراقبون أن أنقرة تعمل على تعزيز حضورها في ملف الغاز والثروات الهيدروكربونية المكتشفة حديثاً في شرق البحر المتوسط، إذ يأتي تحركها في ليبيا بعد أيام من استئنافها عمليات التنقيب في منطقة من السواحل القبرصية تعتبرها نيقوسيا ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، وسط تحذيرات من خطورة تصعيد التوتر العسكري في المنطقة بعد خطوتها التي جاءت بالتزامن مع سيطرة حكومة "الوفاق" الليبية التي تدعمها على قاعدة الوطية في تحول لافت لسير المعركة بين "الوفاق" وحليفها التركي من جانب، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر من جانب آخر.

وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي يوسف العقوري، رفض مجلس النواب التحرك التركي للتنقيب عن الغاز أو البترول في المياه الليبية بالمتوسط، مشيرا إلى أن موقف مجلس النواب الرافض للاتفاق البحري والعسكري بين رئيس حكومة "الوفاق" الليبية فائز السراج والرئيس التركي أردوغان الخريف الماضي.

وأعلن وزير الطاقة فاتح دونماز، أن شركة البترول التركية (تباو) قدمت طلباً إلى ليبيا للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، مشيراً إلى أن أعمال الاستكشاف ستبدأ فور الانتهاء من العملية، وذلك في أول تفعيل لاتفاق بحري مثير للجدل أبرمته حكومة "الوفاق" الليبية مع أنقرة في نوفمبر  2019، وأثار اعتراضات قوى إقليمية على رأسها قبرص واليونان ودول الاتحاد الأوروبي ومصر والإمارات.

وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي خالد المحجوب بالجيش الليبي، لـ"اندبندنت عربية" إن الجيش لا يعترف بالاتفاقيات التي وقعتها حكومة السراج ولم يعد يعترف "بهذه الحكومة غير الشرعية التي فتحت الباب أمام التدخل والعدوان التركي"، واصفاً الاتفاق حول التعاون النفطي بين أنقرة وحكومة "الوفاق" المعترف بها من الأمم المتحدة، بأنه "اتفاق باطل لأنه لم يصدق عليه مجلس النواب، وهو استكمال للاتفاق البحري والعسكري الباطل الذي وقعه رئيس حكومة "الوفاق"... اتفاق يمنح به السراج ما لا يملك لمن لا يستحق"، على حد وصفه، معتبراً أن هذا الدعم العسكري التركي هو ثمن "سيطرة أنقرة على الموارد الليبية".

وقال العقوري في تصريح لـ "اندبندنت عربية، إن ما تقوم به تركيا حالياً في ليبيا يمثل "عدواناً"، معتبراً أن ما يترتب عليه من استغلال الموارد الليبية يمثل "جريمة حرب"، على حد وصفه، مضيفاً: "ما تقوم به الحكومة التركية هو خرق سافر للمواثيق والأعراف الدولية التي تحتّم احترام سيادة الدول، وهو عودة النزعة الاستعمارية القديمة التي أصبح العالم اليوم يرفضها، وبهذا التدخل أيضاً تهدد الحكومة التركية مصالح بلادها في ليبيا، وستسبب في عدم استقرار للمنطقة بأكملها، بالإضافة لذلك تستعين أنقرة بمرتزقة بعضهم له صلات بتنظيمات متطرفة، وقد أدى هذا التدخل إلى تصاعد في العنف". 

وأوضح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الليبي أن المجلس سيعمل على مواجهة الخطوة التركية، بالقول: "بالطبع نحن لا نعول فقط على الحل العسكري على الرغم من ثقتنا في قواتنا المسلحة على مواجهة العدوان التركي وحماية سيادة وثروات بلادنا، وسيعمل البرلمان على المسار السياسي والدبلوماسي عبر المحافل الدولية والدول الصديقة من أجل حشد موقف دولي ضد هذا التدخل... لقد كشفت الاتفاقية بين حكومة "الوفاق" وأنقرة أن الأخيرة لا يهمها إلا تنفيذ أجنداتها ولا تحترم دول الجوار ولا يهمها استقرارها، بقدر ما يهمها الاستحواذ على ثروات المنطقة والهيمنة عليها".

ورأى عضو مجلس النواب محمد العباني، أن قدرة البرلمان الليبي محدودة على مواجهة الاتفاق الخاص بالتنقيب، مشيراً إلى أن "البرلمان للأسف نتيجة لضعف إدارته قد يستنكر ويدين هذه الاتفاقية لكن ليست له أدوات وتحركات ملموسة حالياً، ويجب أن يقوم من خلال الحكومة الليبية برئاسة عبدالله الثني، والجيش الوطني بتنفيذ إرادته وتحقيق قراراته وإسقاط الحكومة والاتفاقيات الاستعمارية التي وقعتها مع تركيا، والبرلمان يرفض هذا الاتفاق كما سبق ورفض اتفاق الدعم العسكري وتعيين الحدود البحرية"، داعياً إلى ضرورة دعم دول الجوار الليبي لما يقوم به الجيش من "مقاومة للعدوان التركي العسكري والاقتصادي والسياسي" على ليبيا.

وقال النائب الليبي علي السعيدي إن الحكومة التركية تعمل بكل شكل ممكن في ليبيا على استغلال حكومة "الوفاق" مالياً من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية، التي تعاني منها حالياً وزادت جائحة كورونا من تفاقمها بصورة غير مسبوقة أدت إلى ركود الاقتصاد التركي ومعاناته من أزمة مالية حادة، واعتبر السعيدي أن "أهم وأسرع موردَين لجني المال هما تجارة السلاح ودفع ثمن الدعم العسكري، والثاني منح الحليف التركي امتيازات في المورد الوحيد للشعب الليبي وهو النفط"، مشدداً على رفض مجلس النواب أي اتفاق تبرمه حكومة "الوفاق" مع أنقرة، و"حتمية مواصلة الجيش الوطني معركته ضد هذه الأطماع"، على حد قوله. 

يقول النائب الليبي محمد العباني لـ"اندبندنت عربية" إن "حكومة "الوفاق" بقيادة فايز السراج سوف توافق على أية شروط أو طلبات تريدها الحكومة التركية من أجل استمرار الدعم العسكري التركي لها في معركتها أمام قوات الجيش الوطني الليبي التي تسعى إلى تحرير العاصمة من الميليشيات والعدوان التركي"، مضيفاً: "العلاقات بين تركيا العثمانية والحكومة المغتصبة للسلطة في ليبيا بلغت شأناً عظيماً بعد إمداد تركيا الميليشيات بالمرتزقة السوريين باعتراف أردوغان والسراج وبما أثبته الجيش الوطني، والطائرات المُسيرة والخبراء والجنود والضباط والسلاح التركي للسيطرة على العاصمة ومنع الجيش من دخول معسكراته في غرب البلاد".

وتدافع حكومة "الوفاق"  عن تحالفها مع أنقرة، معتبرة أنه بمثابة رد فعل مناسب لتحالف القائد العام للجيش الوطني مع قوى إقليمية ودولية أخرى تمده بالسلاح.

وأكدت حكومة "الوفاق" اعتراضها على اقتصار عملية المراقبة الأوروبية للسلاح "إيريني" على البحر المتوسط، مؤكداً ضرورة أن تكون العملية متكاملة براً وجواً وبحراً. وقال السراج لممثل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية جوزيب بوريل يوم الاثنين إن "الإمدادات العسكرية لم تتوقف إلى الطرف المعتدي وهي السبب وراء استمرار انتهاكاته وعملياته العدوانية"، في إشارة إلى الجيش الليبي.

ورأى محمد الجرح الباحث الليبي في المجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية أميركية) أن طلب شركة البترول التركية الحصول على رخصة للتنقيب عن الغاز وفقاً لاتفاقية إقامة منطقة اقتصادية خالصة بين تركيا وليبيا، يمثل "تطوراً وامتداداً طبيعياً لسياسة تركيا التوسعية في المنطقة بشكل عام والبحر المتوسط على وجه التحديد، فكان الهدف الأساسي للنظام التركي هو التوسع باستغلال ضعف حكومة "الوفاق".

 ووجه المفتي المعزول الصادق الغرياني التحية لما وصفها بـ "الدول الصديقة" لحكومة الوفاق، مشيرا إلى قطر وتركيا.

وقال الصادق الغرياني، في لقاء تلفزيوني عبر قناة "التناصح" الأربعاء، تابعته "بوابة إفريقيا الإخبارية": "أحيي قطر الشقيقة أميراً وحكومة وشعبا، فقد كانت منذ قيام الثورة المباركة داعمة للشعب الليبي، موقفها واضح تريد الاستقرار وجمع الفرقاء والإصلاح، وتسعى لذلك بصدق"

وتابع: "جزاها الله خيراً فقد وفّت وكفّت، نسأل الله أن يكافئها عما قدمت لنا ويجزيها خير الجزاء"

وأكمل المفتي المعزول: "أحيي وأشكر دولة تركيا الشقيقة رئيسا وحكومة وشعبا، وخاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون الأمني مع حكومة الوفاق، والتي كانت خطوة موفقة لكنها جاءت متأخرة"

واستطرد الغرياني: "الرئيس التركي جزاه الله خيراً، قام بما تتطلبه هذه الاتفاقية خير قيام، وتحمل في ذلك العناء والعداء ومواجهة من الداخل والخارج، من المعارضة التي سلطت سهامها عليه"

وواصل: "لكن أردوغان رجل دولة يعرف ما يريد، لم يبال ولم يأبه، وعلم أن مصلحة تركيا في نُصرة قضايا الحق أينما كانت، ولذلك انبرى للقضية الليبية بكل ما يملك، وكان يتنقل بين العواصم دعماً للقضية الليبية"

وأضاف المفتي المعزول: "أعطى الرئيس التركي للاتفاقية الشرعية القانونية وسجلها في الأمم المتحدة، وصار لا يبال بأي دولة، وأرسل الجنود والطائرات والأسلحة علنا، لأنه يدعم حكومة شرعية معترف بها"

وزاد: "يجب علينا أن نقف مع تركيا كما وقفت معنا، ونتعامل بإيجابية مع البنود الأخرى للاتفاقية، وينبغي أن تكون لها الأسبقية في علاقاتنا الاقتصادية وفيما يتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز، فهي أولى من أي دولة أخرى"، بحسب قوله.