تقوم قوات أميركية خاصة بتشكيل وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب في أربع دول في شمال وغرب إفريقيا يرى مسؤولون أميركيون أنها ستضطلع بدور محوري في اتساع نطاق الحرب ضد التنظيمات التابعة للقاعدة، رغم أنهم يعترفون بصعوبات العمل غير المتكافئ مع شركائهم.

بدأت برنامج التدريب بشكل سري في العام الماضي وهي ممولة جزئيا من ميزانية البنتاغون ويستفيد منها متدربون، بمن فيهم عناصر من القبعات الخضراء وقوات دلتا التابعة للجيش، وترمي إلى تكوين وتجهيز المئات من الكوماندوز الذين وقع عليهم الاختيار في كل من ليبيا والنيجر وموريتانيا ومالي.

أما الهدف على مدى السنوات القليلة القادمة فيكمن في تشكيل وتجهيز فرق مكافحة الإرهاب محلية قادرة على مواجهة مقاتلين مثل أولئك التابعين لبوكو حرام، المجموعة الإسلامية المتطرفة التي اختطفت ما يقرب من 300 طالبة نيجيرية الشهر الماضي. ويحاول المختصون العسكريون الأميركيون مساعدة القوات النيجيرية في جهودها الرامية إلى تحرير الفتيات المختطفات.

"تدريب قوات محلية لمكافحة التهديدات في بلدانهم هو ما نحتاج لفعله"، يقول مايكل شيهان، الذي كان يشرف على برنامج مكافحة الإرهاب في العام الماضي عندما كان مسؤولا في البنتاغون مكلفا ببرنامج العمليات الخاصة، ويشغل حاليا منصب رئيس مركز مكافحة الإرهاب في وست بوينت .

وتسعى الولايات المتحدة لتوسيع نطاق مكافحة الإرهاب في إفريقيا ، ومن المتوقع أن يحل الرئيس أوباما بوست بوينت يوم الأربعاء للتأكيد على السياسة الخارجية التي من شأنها أن تجنب أمريكا حروبا برية كثيرة، مثل ما حصل في أفغانستان والعراق، إذ بدل خوض هذه الحروب تقوم الولايات المتحدة بتدريب حلفائها وشركائها على محاربة الإرهاب على أراضيها .

منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية متعددة الجوانب لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، حيث نفذت هجمات بواسطة طائرات مسلحة بدون طيار في الصومال انطلاقا من قاعدتها الوحيدة في القارة، في جيبوتي. وتهدف هذه الاستراتيجية أيضا إلى دعم حلفائها الأفارقة والقوات الفرنسية الخاصة في محاربتهم المتطرفين الإسلاميين في الصومال ومالي ، وكذا تعزيز برامج تدريبها للقوات الإفريقية لمكافحة المتمردين.

وبموجب هذه الخطة الجديدة، تنفق وزارة الدفاع الأمريكية ما يقارب 70 مليون دولار على التدريبات والمعدات وجمع المعلومات الاستخبارية وغيرها من أشكال الدعم لبناء كتيبة لمكافحة الإرهاب في النيجر وبناء وحدة مماثلة في موريتانيا المجاورة التي لازالت في "المراحل التكوينية"، وفق أحد كبار المسؤولين في البنتاغون.

وفي مذكرة تحذيرية حول العمل في هذه المناطق الإفريقية، التي تعانى من نقص كبير في الموارد وعدم توفر شركاء إقليميين أكفاء، فإن الجهود في مالي مازالت بحاجة إلى المزيد من العمل بالنظر إلى حداثة عهد الحكومة المدنية الجديدة عقب الانقلاب العسكري العام الماضي. أما في ليبيا، فقد انتهى البرنامج التدريبي الأول بطريقة خجولة في أغسطس الماضي بعد أن قامت مجموعة من مقاتلي الميليشيات المسلحة بمداهمة قوات الحرس الليبي المتواضعة داخل قاعدة للتدريب خارج طرابلس وانتهت بالاستيلاء على مئات الأسلحة الأوتوماتيكية وتجهيزات ومعدات أمريكية متطورة.

ونتيجة لذلك، توقف برنامج التدريب وعاد المدربون الأمريكيون الى بلدهم، في انتظار بحث المسؤولين الليبيين والأمريكيين عن موقع آخر أكثر أمنا لمزاولة التدريبات. لكن واقعة الصيف الماضي والاضطرابات السياسية في ليبيا منذ ذلك الحين جعلت المسؤولين الأميركيين يفكرون في إعادة النظر في مسألة اختيار شركائهم المحليين .

"يجب التأكد ممن تشرف على تدريبهم" يقول اللواء باتريك دوناهيو، قائد جيش الولايات المتحدة العاملة في أفريقيا. " لا يجب أن يكون المعيار هو : هل كان هذا الرجل إرهابيا أو متابعا جنائيا؟" لكن أيضا، "ما هي ولاءاته؟ وهل هو بحق مخلص لبلده أم أنه لا يزال مرتبطا بالميليشيات التي كان مواليا لها؟ ".

يستخدم الجيش الأميركي القوات التقليدية وقوات العمليات الخاصة لتدريب الجيوش الأجنبية في جميع أنحاء العالم. وتتراوح المهام بين التدرب على الرماية وتكتيكات وتقنيات مكافحة الإرهاب الأكثر تقدما.

في العقد الماضي، أعطت إدارتا بوش وأوباما الأولوية لتدريب وتجهيز القوات الأجنبية لمحاربة الإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين وإقناع الكونغرس للموافقة على تمويل هذه البرامج.

البرنامج الجديد لتدريب قوات محدودة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا يشبه ما قامت به قوات العمليات الخاصة الأميركية في العراق وأفغانستان. وقد رفض مسؤولون في البنتاغون التعليق على البرنامج الجديد، في حين تكشف وثائق من الميزانية بعض تفاصيله.

وفي ليبيا، خصصت وزارة الدفاع أكثر من 16 مليون دولار من ميزانية التدريب والتجهيز لتطوير شركتين من قوات النخبة "لمواجهة التهديدات الإرهابية والمتطرفة في ليبيا". وبالنسبة لبرنامج التدريب الفاشل الذي أنجز خارج طرابلس، استعملت وزارة الدفاع أيضا ميزانية تسمى القسم 1208، خصصت لمساعدة القوات الأجنبية التي تدعم القوات الأمريكية في مهمة مكافحة الإرهاب .

فيما يخص موريتانيا، تم تعيين حوالي 29 مليون دولار لتطوير الخدمات اللوجستية ومعدات المراقبة.

أما في النيجر، حيث أطلقت الولايات المتحدة طائرات استطلاعية غير مسلحة بدون طيار فوق سماء مالي لدعم القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة، فقد أنفقت وزارة الدفاع ما يقرب من 15 مليون دولار على الوحدة الجديدة لمكافحة الإرهاب في البلاد. يدخل هذا التمويل ضمن ميزانية من 39.5 مليون دولار خصصت هذا العام لتدريب وتجهيز الجيش النظامي لمكافحة تدفق المسلحين المتمردين عبر حدود النيجر مع مالي ونيجيريا وليبيا.

قال مامان صديقو، سفير النيجر في الولايات المتحدة، أنه لا يستطيع التعليق على وحدة مكافحة الإرهاب، لكنه أضاف في رسالة إلكترونية، "لا يزال التدريب من احتياجاتنا الأساسية لتعزيز استعداد قواتنا من أجل مواجهة التحديات الكبيرة التي تحيط بمجالنا الإقليمي".

وصرح السيد شيهان، المسؤول السابق في البنتاغون، أن 12 عنصرا من فريق القوات الخاصة يستطيعون مبدئيا تدريب حوالي 50 جنديا، وهذا الرقم مرشح للارتفاع. "يمكن القيام بذلك"، يقول السيد شيهان، الذي أشرف على تدريب مماثل في أمريكا اللاتينية عام 1980 عندما كان قائدا للقوات الخاصة.

وقال بيتر فام، مدير مركز إفريقيا للمجلس الأطلسي، مقرها في واشنطن، أن على الولايات المتحدة أن تشدد الأحكام السياسية قبل الاستثمار في برامج التداريب الطموحة لمكافحة الإرهاب. واستشهد بالدروس المستفادة من تجربة مالي، حينما انشق قادة أمريكا المدربين من وحدات الجيش وانضموا إلى المتمردين الإسلاميين الذين سيطروا على شمال البلاد العام الماضي.

" على البلد المضيف أن يتوفر على الإرادة السياسية لمحاربة الإرهاب وليس فقط الرغبة في بناء قوة عسكرية يمكن استخدامها لحماية النظام"، يقول السيد فام. "وعلى الشعب أن يدعم الجيش أو على الأقل تكون له نظرة حيادية".

يحذر المسؤولون الأمريكيون عن مكافحة الإرهاب أنه من دون التزام لدعم الوحدات المتخصصة، لن تكون هناك جدوى من تنظيم تداريب. "إن التعامل مع  القوات الإفريقية مهمة صعبة جدا، إنها غاية التحدي"، يقول رودي عطا الله، المدير السابق لقسم مكافحة الارهاب في إفريقيا التابع للبنتاغون. "أنت تدربهم على مستوى معين، وبعد ذلك يمكن يفشلوا في السلاح أو الاتصالات بل حتى في التعامل مع عجلات عرباتهم".

ويقول مسؤولون أميركيون أنه يتوجب مراقبة المتدربين حتى لا تقع انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان أو تغييرات في الولاءات. " أي وحدة ندربها يمكن أن تُستخدم في ملاحقة المعارضين السياسيين بدلا من التركيز على تنظيم القاعدة "، يقول فريدريك ويهري، وهو محلل سياسي بارز من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي زار ليبيا في عدة مناسبات.

ليس هناك مثال أكثر واقعية عن المخاطر المحدقة ببرامج مكافحة الإرهاب الأميركية مما حصل لبرنامج أغسطس الماضي في قاعدة 27 بليبيا، وتسمى أيضا كامب يونس، وهي منشأة عسكرية ليبية 15 ميلا عن طرابلس العاصمة.

سلم المدربون الأمريكيون المتدربين الليبيين بنادق آلية من فئة م4 ونظارات للرؤية الليلية ومسدسات غلوك ومركبات مدرعة. وقال أن الليبيين تعهدوا بالمحافظة على الأسلحة والمعدات وكانوا مسؤولين عن حمايتها في مستودع داخل المعسكر.

قال مسؤولون أميركيون أن غارة وقعت قبل فجر 4 أغسطس، يعتقد أنها ضمت مسلحين من إحدى الميليشيات المحلية تمكنوا من السيطرة على الحراس الليبيين ومن ثم الاستيلاء على الأسلحة والمعدات الموجودة بالمستودعات.

أما المدربون الأمريكيون، فلم يكونوا متواجدين بالمعسكر عندما وقعت الغارة، لأنهم غالبا ما ينزلون في فيلا قريبة كانت بمثابة مكان آمن في الليل، حسب إفادة مسؤولين أميركيين.

وأخبر مسؤولون عسكريون أمريكيون أن السرقة كانت عملا داخليا نتيجة إعلام ضابط أو جندي ليبي عناصر من الميليشيا المحلية في طرابلس بشأن العتاد المخزن في القاعدة. وقد تم العثور في وقت لاحق على كمية هامة من المعدات المسروقة، لكن هناك تقارير صحفية تشير إلى أن بعض الأسلحة المسروقة مطروحة للبيع في السوق السوداء على الانترنت.

الحادثة انهت فجأة دورة تدريبية في أسبوعها الأول وكان المسؤولون الأميركيون والليبيون يأملون من وراءها استئناف جهود التدريب على نطاق أوسع بعد الهجوم على البعثة الأمريكية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012 .

وقال ضابط العمليات الخاصة الأمريكي السابق أن هذه التجربة تعتبر درسا يُستفاد منه في مهمات التدريب المستقبلية في ليبيا: "هناك نية باتخاذ الكثير من التدابير للمراقبة قصد التأكد من الضوابط والتوازنات اللازمة لمثل هذه البرامج حتى لا تتمكن ميليشيات خارجية من تولي الأمر".