مع نهاية الحرب الباردة قسّم بعض العلماء الأمريكيين العالم إلى جزئين: "مناطق السلام" و"مناطق الفوضى"؛ فأما السلام سيكون من نصيب الغرب بمفهومه الحديث (أوروبا الغربية، أمريكا الشمالية، أستراليا، اليابان وكوريا الجنوبية) بينما الفوضى ستكون من حظ ما تبقى من العالم؛ هذا ما ورد في كتاب "صدام الحضارات" لصموييل هنتنغتون.
ومنذ ثلاثة عقود من الزمن أكدت الأحداث وجاهة هذه القراءة الاستشرافية؛ فبمجرد أن بدأ الاتحاد السوفياتي في التفكك بدأت الفوضى تنتشر بانتظام فائق في عدد من البلدان الضحلة.
ومظاهر الفوضى عديدة، يؤكد الكتاب: تلاشي السلطة الحكومية، تمزق الدولة، تفاقم النزاعات القبلية والعرقية والدينية، ظهور المافيا العالمية السفاحة، تضاعف اللاجئين إلى عشرات الملايين،، تكاثر الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، انتشار الإرهاب وارتكاب المجازر والتطهير العرقي..... هذه الصور، يقول المؤلف، لعالم في حالة فوضى كانت محل استشراف كتابين واسعي الانتشار صدرا سنة 1993، وهما كتاب "خارج النظام" لـ" زبغنيو بريجنسكي" و"عاصمة الجحيم" لـ"دانييل باترك".
أما المجال الحيوي للفوضى، حسب هؤلاء الخبراء، قد يفوق ثمانين بالمائة من جغرافيا المعمورة، وشيئا فشيئا أصبحت الفوضى تزحف على أجزاء من العالم العربي والإسلامي، كما لو أن الأقدار شاءت أن تكون الفوضى من نصيبه بعد أن نال كل شعب حظه من النعمة أو من اللعنة.
الفساد تجل من تجليات هذه الفوضى، بل أخطر تجلياتها وأكثرها فتكا، وكلما تمادت الدولة والمجتمع في الصمت عنه ازداد استفحالا كمرض ماكر، وازداد جسد الدولة وهنا وهزالا.
من المفترض أن تحتفل البشرية اليوم (21 سبتمبر/أيلول) بيومها الأممي للسلام في ذكراه الثلاثين، لكن يبدو أن أغلب الحكومات في العالم ومن يدور في فلكها من منظمات حكومية وغير حكومية في واد وواضعي البرامج الأممية في واد آخر.
يأتي هذا اليوم في ذكراه الثلاثين دون أن يصل صداه إلى الشعوب الرثة ومن ضمنها شعوبنا المغاربية التي مازالت تعيش دولها على هامش التاريخ. ومع أنها تعيش على مقربة من بلدان الحضارة، وترى شبابها يفضل الموت في البحر أملا في الوصول إلى الضفة الأخرى، إلا أنها مازالت ترفض أن تعترف أنها دول فاشلة، بل ترى أبواقها يرفعون عقيرتهم دفاعا عن سياساتها الضالة ويستعرضون خطاباتهم البائسة بكل ما يملكون من بلادة وصلافة.
اليوم العالمي للسلام أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 أيلول/سبتمبر، يومًا مكرّسا لتعزيز مُثل وقيم السلام في أوساط الأمم والشعوب وفيما بينها. في عام 1981، تم بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36/67 تعيين الاحتفال باليوم العالمي للسلام ليكون متزامنا مع موعد الجلسة الافتتاحية لدورة الجمعية العامة، التي تُعقد كل سنة في ثالث يوم ثلاثاء من شهر أيلول/سبتمبر. وقد احتُفل بأوّل يوم للسلام في أيلول/سبتمبر 1982. وفي عام 2001، صوتت الجمعية العامة بالإجماع على القرار 55/8282 الذي يعيِّن تاريخ 21 أيلول/سبتمبر يوما للامتناع عن العنف ووقف إطلاق النار. وبهذه المناسبة، تدعو الأمم المتحدة كافة الأمم والشعوب إلى الالتزام بوقف للأعمال العدائية خلال هذا اليوم، وإلى إحيائه بالتثقيف ونشر الوعي لدى الجمهور بالمسائل المتصلة بالسلام.
موضوع هذا العام 2021، كما جاء في موقع الأمم المتحدة هو "التعافي بشكل أفضل من أجل عالم منصف ومستدام". وهي دعوة لتحقيق السلام مع الطبيعة، والعمل من أجل اقتصاد عالمي أخضر ومستدام ينتج فرص عمل ويقلل الانبعاثات ويبني القدرة على الصمود أمام تأثيرات المناخ.
"ثقافة السلام" مفهوم حديث الاستعمال. «شاع» بعد التحولات الجيوسياسية الرئيسية التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي. وكان أول ظهور له حين تناولته اليونسكو يوم 26 جوان 1989: أثناء اجتماع في ياموسوكرو. وقد تطور بشكل خاص مع مطلع القرن الواحد والعشرين في أمريكا اللاتينية. وهذه العبارة، "ثقافة السلام"، استعادت مفهوم السلام في صميم أولوياته، ولا سيما الاحترام المطلق لحقوق الإنسان.
لكن لماذا نحن المغاربيين، وقد حققنا استقلالنا، لم ننجح في بناء دول تنعم بالأمن والسلام والازدهار الاقتصادي والسياسي؟ لماذا تحولت بلداننا إلى مسرح للانقلابات، ثم مرتعا للإرهاب والفساد؟ ولماذا لم تزدهر العلاقات بين بلدننا، وكانت حدودنا من أغبى الحدود في العالم؟
إلى متى سنبقى نتبجح بحب الوطن والوحدة الوطنية بينما نزداد فقرا وبؤسا وعنفا؟ أين الخلل؟ أكيد أن الخلل في علاقتنا بأنفسنا وبالعالم، الخلل في صميم ثقافتنا بمعناها الأنثروبولوجي، كتمثلات وأهواء ومشاعر وأفكار.