يحدث أحيانا أن أجد صعوبة في كتابة هذا المقال الأسبوعي، ليس بسبب ندرة المواضيع ولكن بسبب وفرتها، فتتزاحم في ذهني وتتنافس بشكل صبياني أحيانا. 

كنت فكّرت أن أكتب هذا الأسبوع عن الفاتح نوفمبر الجزائري وشقيقه السادس نوفمبر المغربي، وفجأة تذكّرت أن العالم منشغل في غلاسكو بمشاكل المناخ، وبمستقبل هذا الكوكب الأحمق والمثقل بالكوارث، وتذكّرت أننا سنحتفل غدا بيوم في غاية الأهمية، فتراجعت، على أمل أن أكتب عن نوفمبر في الشهر القادم أو في العام القادم. 

اليوم، قادة العالم منشغلون في قمة المناخ بغلاسكو حول كيفية تحرير مصير البشرية من الكربون وانبعاثاته التي أحدثت أضرارا بالغة في محيطنا البيئي وكادت تخنق بعض المدن، ومن بين حوالي 200 بلدا في هذه القمة، نجد هناك من يعمل بصدق ودراية بحثا عن الحلول، وفئة أخرى رغم توفرها على الدراية والمعرفة نجدها تماطل وتعيق كل مسعى نبيل لا لشيء سوى لتلبية أطماع الشركات المتوحشة، وفئة ثالثة "ما تهش ما تنش"، وهي أكثر الفئات خطرا على هذا الكوكب سيء الحظ. ومع ذلك فهناك دائما فسحة من الأمل.

قمة غلاسكو لم تأت من فراغ، فهي سليلة سيرورة من المبادرات منذ بروتوكول كيوتو، وهو خطوة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي (UNFCCC or FCCC)، ومعاهدة بيئية أممية خرجت للضوء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (UNCED)، ويعرف باسم قمة الأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو في البرازيل، في الفترة من 5-14 يونيه 1992. 

فبروتوكول "كيوتو" نص بشكل واضح على أن المسؤولية الرئيسية لخفض انبعاث الغازات ملقاة على عاتق أغنى 38 بلدا في العالم وقد يكون محقا في ذلك وقف المختصين: ففي نهاية المطاف، كانت ومازالت هذه البلدان الصناعية هي المسؤول الأكبر عن تغيير المناخ في العالم. ومن منطلق كيوتو ولدت مشاريع واعدة كما هو الحال في رواندا: فالدول الغنية تقدم الأموال وتمول مشاريع ذات مغزى في الجنوب الفقير"، وفي المقابل يحصلون على سمعة طيبة في المساعدة ويكفرون بذلك عن خطاياهم في تلويث البيئة.

وفي اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015  التزم بها حوالي 190 بلدا، وهذا يعد التزاما منها لتحقيق الأهداف المناخية الوطنية الخاصة لكل بلد، حيث عملت الاتفاقية على حث البلدان المشاركة على تقليل انبعاثات الغاز لديها بقدر أكبر مما أقرته بمعاهدة المناخ القديمة، بروتوكول "كيوتو"، والتي ظلت سارية حتى عام 2020.

قمة غلاسكو أو (كوب 26)، غاب عنها بَلَدان من الوزن الثقيل حتى في تلويث البيئة بالانبعاثات الكربونية، روسيا والصين العضوان بمجلس الأمن. بعض المثقفين العرب ومن ضمنهم مغاربيون، رأوا أنه الصين وروسيا  على حق في تجاهلهما لهذه القمة، من منطلق أن الصين  هي المتهمة رقم واحد وكذا روسيا في تسبب  ظاهرة الاحتباس الحراري كونهما أكثر استخداما للطاقة الأحفورية، وأن اقتصادهما يقوم على هذه الطاقة. هذه الأطروحة للأسف،  ابتهج صاحبها بغياب روسيا والصين لا لشيء سوى نكاية في الغرب، وترى هذه الأطروحة الدعوة إلى التخلي عن الصناعات الملوثة مؤامرة  تستهدف تعطيل سياسة التصنيع في الدول النامية. وقد نعود إلى فكرة المؤامرة في ثقافة نخبنا في ملف من ملفات الأعداد القادمة. 

في السياق، دأب العالم المتحضر على الاحتفال بين السادس والعاشر نوفمبر من كل عام بـ “اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية”، ويأتي تخصيص هذه الفترة لتسليط الضوء على الدور الهام الذي يؤديه العلم في المجتمع والحاجة إلى إشراك جمهور أوسع في المناقشات المتعلقة بالقضايا العلمية الجديدة كما إن هذا اليوم يؤكد على أهمية العلم في حياتنا اليومية.

يأتي اليوم العالمي للعلم من أجل السلام والتنمية في العاشر من نوفمبر من كل سنة، وذلك ضمن احتفالية بالأسبوع الأممي للعلم والسلام تبدأ في السادس من نوفمبر، والتي انطلقت للمرة الأولى في عام 1986 بوصفه جزءا من الاحتفال بالسنة الدولية للسلام. ونظمت فعاليات ذلك الأسبوع بوصفها مبادرة غير حكومية، وأُعلمت أمانة السنة الأممية للسلام بأنشطة تحضيرية وملخص نهائي للفعاليات التي أقيمت في أثناء الأسبوع. وسعى المنظمون إلى تشجيع أكبر مشاركة أممية ممكنة في تلك المناسبة.

ولعل أكثر المثقفين المغاربيين لا يسمعون بهذا اليوم، أما المؤسسات التربوية والإعلامية فحدّث ولا حرج. ويبدو أن نسقنا الثقافي بشقيه الاجتماعي والسياسي لم يتسع بعد لمثل هذه التقاليد، ويحتاج إلى سلسلة من التمرينات حتى يتمرس ويتعود على مدارسة مثل هذه القضايا ومن ضمنها البيئة والسلام والتنمية، وهي قضايا لصيقة بحياة كل البشر، جماعات وأفرادا.