تعتبر الفوضى الأمنية مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ العام 2011، ومثل إنتشار السلاح في البلاد سببا في اندلاع الحروب المتواصلة خلال السنوات الماضية، خاصة مع وجود الميليشيات المختلفة التي دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.ورغم تغير الاوضاع خلال الأشهر الماضية فان مربع العنف مازال يهدد فرص التسوية السياسية في البلاد.
تتواصل الدعوات والجهود الدولية للتأكيد على ضرورة اجراء الانتخابات الليبية التي تم تاجيلها في وقت سابق في ظل العراقيل التي واجهتها.وقال سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل، الثلاثاء 18 يناير 2022، إن تعزيز الحوار بين جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا ضروري لبناء خارطة طريق تفضي لإجراء انتخابات في وقت قريب.
وأشار ساباديل، عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، إلى أنه أجرى لقاء الاثنين، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، وصفه بأنه كان لقاء "جيداً جداً".وأضاف ساباديل، أن خارطة الطريق السياسية في ليبيا يجب أن تحافظ على الاستقرار والوحدة وتؤدي إلى الانتخابات قريبا.
وفي ذات السياق، جددت الأمم المتحدة دعوتها لاجراء الانتخابات في بيئة آمنة وسلمية،وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تقرير لمجلس الأمن، نشرته وكالة "أسوشيتد برس" إن الليبيين "يجب أن يعملوا الآن معا لمعالجة القضايا الأساسية التي نتج عنها التأجيل، وخلق الظروف السياسية والأمنية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية دون مزيد من التأخير".
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة الأطراف الليبية للعمل معا "وفق القوانين السارية والقواعد والإجراءات المعمول بها في مؤسساتهم من أجل إجراء الانتخابات في بيئة آمنة وسلمية، مع مشاركة كاملة ومتساوية وهادفة للنساء والشباب".كما طالب غوتيريش، في تقريره، باستمرار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، مع انسحاب كامل للمرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية.
وأشار غوتيريس إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل توثيق حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي وغيرها من انتهاكات القانون الدولي، موضحا أنها رصدت بعض تلك الحالات في سجن معيتيقة، وعديد مراكز الاحتجاز التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في الزاوية، وداخل العاصمة طرابلس وحولها، حسب تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي، لكنه لم ينشر حتى الآن، وحصلت عليه وكالة "أسوشيتد برس".
من جانبها، قالت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز إنها تضغط من أجل إجراء الانتخابات بحلول يونيو القادم بعد أن فوتت البلاد الموعد المحدد في 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.وأضافت وليامز في تصريحات لـوكالة "أسوشيتيد برس" أن الانتخابات ضرورية لمنح مصداقية لمؤسسات البلاد، وقالت إن كل هذه المؤسسات تعاني من أزمة شرعية ولا ترى أي مخرج آخر لليبيا غير عملية سياسية سلمية.
وتجري مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز،جولة جديدة لدعم التسوية في ليبيا مرورا بتونس والجزائر وتركيا، حيث كانت آخر محطاتها القاهرة، قبل المغادرة إلى موسكو.وجددت المبعوثة الأممية، خلال تلك الاجتماعات، أن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون عبر حكومة انتقالية أخرى، بل بإجراء الانتخابات.
وطالبت البرلمان الليبي بالتعامل مع القوة القاهرة التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات، مشيرة إلى أن خارطة الطريق لا تزال صالحة، وبالإمكان إجراء انتخابات قبل يونيو/حزيران المقبل.وأكدت أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية منذ عام 2011، وهي بحاجة إلى مؤسسات دائمة منتخبة ديمقراطيا.وكررتُ التزام الأمم المتحدة بالعمل على إشراك جميع الأطراف الليبية في عملية شاملة وإجراء الانتخابات في أقصر إطار زمني ممكن.
وياتي ذلك في وقت مازالت فيه الاوضاع على الارض معقدة في ظل استمرار مسلسل الاشتباكات المسلحة التي كان آخرها تلك التي اندلعت الاحد الماضي،بين قوة الردع الخاصة "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التابع للمجلس الرئاسي" وكتيبة النواصي "القوة الثامنة" التابعة لوزارة الداخلية، واستخدمت بها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وقالت وسائل إعلامية محلية، إن الاشتباكات وقعت في طريق الشط قرب ميناء طرابلس والمصرف المركزي ومقر رئاسة الحكومة وفندق كورنثيا،ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن شهود عيان أن تبادلا لإطلاق النار بين المجموعتين المسلحتين وقع إثر مشادة بين مجموعة من جهاز الردع دخلت إلى ميناء طرابلس ومجموعة أخرى من كتيبة النواصي،بسبب خلاف على توزيع سيارات عسكرية وصلت مؤخرًا إلى الميناء.
واقتحمت مجموعة من قوة الردع ،مطلع الشهر الجاري،مقرا تابعا للقوة الثامنة- النواصي في العاصمة الليبية طرابلس، في ضاحية عين زارة 13 كم عن قلب العاصمة طرابلس.وقال جهاز "قوة الردع الخاصة"، في بيان حينها، إن اقتحام المقر "جاء بناء على شكوى قدمت إليه من مدير إدارة الامتثال بمصرف الجمهورية".
وينتظر الليبيون صندوق الاقتراع لتوحيد بلادهم وإحداث تغيير سياسي فيها، لكن هذا الانتظار ممزوج بقلق من استحالة الوصول إلى هذه النتائج، طالما لن تتوفر إلى حد الآن الظروف المواتية.وقال رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، عماد السايح،خلال جلسة أمام البرلمان الليبي الإثنين، إنّ المفوضية تحتاج من 6 إلى 8 أشهر لإجراء العملية الانتخابية، داعيا إلى تعديل قانون الانتخابات، مؤكدا أنّ خللا جسيما في ملفات الترشح حال دون إتمام إجراء الانتخابات في موعدها.
وتركز اهتمام المجتمع الدولي والداخل الليبي على خيار الانتخابات فقط، لكن الكثيرين يعتقدون بصعوبة إجرائها في ظل التردي الامني والخلافات السياسية والتي ياتي على راسها دعوات اسقاط حكومة الدبيبة حيث دعا رئيس البرلمان عقيلة صالح،الاثنين خلال جلسة البرلمان، إلى تشكيل حكومة جديدة، معتبراً أن الحكومة الحالية بقيادة عبد الحميد الدبيبة "تعتبر منتهية الصلاحية منذ يوم 24 ديسمبر". كما اقترح تشكيل لجنة من 30 مثقفاً ومفكراً وأكاديمياً متخصصاً بالقانون الدستوري، يمثلون الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وغزان)، تساندهم خبرات دولية عربية وأجنبية قادرة على صياغة دستور توافقي حديث.
وتركز اهتمام المجتمع الدولي والداخل الليبي على خيار الانتخابات فقط، لكن الكثيرين يعتقدون بصعوبة إجرائها في ظل التردي الامني والخلافات السياسية.وقال عضو مجلس النواب أبو بكر الغزالي خلال جلسة لمجلس النواب الثلاثاء 18 يناير 2022 في مدينة طبرق أن المليشيات المسلحة تشكل عائقا أمام نجاح أي انتخابات تجري في ليبيا.ودعا الغزالي إلى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وفتح باب الترشح لمنصب رئيس الحكومة.
وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح،دعا الاثنين خلال جلسة البرلمان، إلى تشكيل حكومة جديدة، معتبراً أن الحكومة الحالية بقيادة عبد الحميد الدبيبة "تعتبر منتهية الصلاحية منذ يوم 24 ديسمبر". كما اقترح تشكيل لجنة من 30 مثقفاً ومفكراً وأكاديمياً متخصصاً بالقانون الدستوري، يمثلون الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وغزان)، تساندهم خبرات دولية عربية وأجنبية قادرة على صياغة دستور توافقي حديث.
ومع التطورات التي تشهدها الساحة الليبية، تطرح مسألة إجراء الانتخابات موجة من التساؤلات عن إمكانية تنظيم هذه الاستحقاقات السياسية ومدى نجاحها في إعادة اللحمة للمشهد السياسي في ليبيا.ويذكر أن آخر انتخابات، شهدتها ليبيا، جرت في يونيو عام 2014 وتوجت بانتخاب أعضاء مجلس النواب المنعقد حاليا في مدينة طبرق بدل مدينة بنغازي بسبب الحرب بالمدينة.
ويبدو تنظيم انتخابات جديدة في البلاد لتجاوز الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية المستمرة منذ سنوات الخيار الأمثل للخروج من الوضع المتأزم. بيد أن حرب الميليشيات وتباعد الرؤى السياسية بين الأطراف الفاعلة في بلادهم وغياب الترتيبات الأمنية والقانونية، تجعل من الانتخابات خيارا صعبا.