في واقع ميزه الانفلات وانتشرت فيه كثير من معالم الفوضى منذ العام 2011، يبرز الجيش الوطني الليبي على سطح الأحداث في ليبيا كأحد أبرز الحلول المطروحة لتخليص البلاد من حالة الفوضى وغياب الأمن، وذلك في ظل إنتصاراته المتتالية ودحره للجماعات المسلحة في عدة مناطق من هذا البلد الممزق بالصراعات.
وأحرز الجيش الليبي، منذ العام 2014، إنتصارات عسكرية هامة، أفضت إلى توسيع مناطق سيطرته ونفوذه، حيث إستطاع تحرير مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية في يوليو 2017، والتي بقيت على مدار ثلاثة أعوام، قاعدة لمختلف التشكيلات المسلحة، ومسرحاً للاقتتال بين مختلف التنظيمات الارهابية كأنصار الشريعة، و"داعش" وغيرها من الميليشيات المتعددة الولاءات والتوجهات.
كما تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من السيطرة على موانئ النفط الرئيسة بمنطقة الهلال النفطي وطرد مليشيات ابراهيم الجظران التي كانت تستنزف ثروات ليبيا النفطية وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد. وساهمت سيطرة الجيش الليبي على منطقة الهلال في انتعاشة شهدها القطاع النفطي عكرتها بعض الهجمات المتفرقة التي تشنها المليشيات المسلحة ويصدها الجيش الليبي مرارا وتكرارا.
وفي مايو/أيار 2018، أطلق الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية، في مدينة درنة تتالت فيها انتصاراته على التنظيمات الارهابية المنتشرة هناك، وانتهت بإعلان التحرير في 28 يونيو/حزيران. ورغم ذلك فقد تواصلت العمليات العسكرية في المدينة للقضاء على الجيوب المتبقية للمجموعات الإرهابية المتحصنة داخل الأزقة والمنازل وملاحقة القيادات الارهابية البارزة التي شكلت شوكة في خاصرة البلاد طيلة سنوات مضت.
ومنذ مطلع العام الجاري، نجح الجيش الليبي، في اعتقال العشرات من قيادات عناصر "القاعدة"، و"أنصار الشريعة"، والجماعة الليبية المقاتلة، البارزة في درنة، وقضى على الكثير من المتشددين. ليعلن عقب ذلك الناطق الرسمي باسم القيادة العامة، العميد أحمد المسماري، انتهاء العملية العسكرية في مدينة درنة. وطالب المسماري في كلمة متلفزة، "سكان درنة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية للقضاء على الخلايا النائمة.
وسقطت مدينة درنة منذ سنوات في فخ التنظيمات الارهابية التى إستغلت حالتي الفراغ السياسي والأمني لتجعل من المدينة ، التي كانت تعتبر وجهة سياحية هامة في ليبيا، مركزا رئيسيا لتجميع وتدريب العشرات من الإرهابيين الذين شكلوا تهديدا أمنيا في ليبيا والمنطقة بصفة عامة. ومثلت عملية تحرير هذه المدينة ضربة موجعة للتنظيمات الارهابية وخطوة كبيرة للقوات الليبية في طريق تأمين كامل الشرق الليبي.
حيث يرى مراقبون أن تحرير درنة يعني عودة كامل الشريط الساحلي لشرق ليبيا إلى سيادة الدولة، وغلق المنافذ أمام أية محاولات لاختراق المنطقة الشرقية عن طريق البحر، كما أنه قضى على آخر موقع لتجمع الإرهابيين في إقليم برقة، بعد أن كانت المدينة منذ 2012 منطلقاً لتصدير الإرهابيين الى سوريا والعراق ودول الجوار وكذلك لاستقبال إرهابيين عرب وأجانب
ولم ينقشع غبار الحرب التي يخوضها الجيش الوطني الليبي ضد الجماعات الإرهابية في مدينة درنة بعد، حتي فتح جبهة قتال أخرى، في الجنوب الليبي حيث أطلق منذ منتصف يناير الماضي، عملية عسكرية قال إنها تهدف إلى تحرير جنوب لييا من العصابات الأجنبية المسلحة من التنظيمات الإرهابية التي استباحت المنطقة وباتت تشكل خطرا على كامل البلاد.
وخلال الأيام الأولي، نجحت القوات الليبية في السيطرة على مدينة سبها عاصمة الجنوب وقامت بتأمين مطار سبها ومواقع استراتيجية أخرى في المنطقة، كما تمكنت من القضاء على عدد من القيادات الارهابية في المنطقة. وعقب ذلك تمكن الجيش من السيطرة على حقل الشرارة النفطي أحد أهم حقول النفط في الجنوب الغربي، بالإضافة الى سيطرته على أكبر محطات الكهرباء الغازية في ليبيا وهي محطة أوباري.
كما بسط الجيش مؤخرا سيطرته الكاملة على مدينة مرزق جنوب غربي البلاد، بعد اشتباكات عنيفة مع التنظيمات الإرهابية. والخميس الماضي، أعلنت غرفة عمليات "الكرامة" للجيش الوطني الليبي، بسط السيطرة على حقل الفيل وتأمينه؛ تمهيدًا لتسليمه إلى حرس المنشآت النفطية. وعقب ذلك أعلن ناطق باسم شركة "إيني" الإيطالية للطاقة إن حقل الفيل النفطي الليبي بات الآن آمنًا بعدما أمَّنه الجيش الوطني الليبي.
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، الأربعاء، أنه لم يتبق سوى منطقة القطرون (جنوب)، وبعد ذلك يصل الجيش الليبي إلى الحدود التشادية، التي تم إغلاقها بالتنسيق مع الجيش التشادي. وأضاف أن القوات العسكرية تؤمن حاليا مدينة سبها (جنوب) وحوض مرزق بالكامل، ولا تزال تقوم بعمليات مطاردة للعصابات باتجاه الحدود التشادية والنيجيرية
وقوبلت انتصار الجيش الليبي في الجنوب بترحيب محلي واسع، حيث تتالت بيانات الدعم والتاييد من عدة أطراف ليبية في الجنوب على غرار مـجلـس الـشوري والـحكـماء والـمجلس البـلـدي الـجفـرة، الذي أعلن في بـيـان له تـأيـيـد ودعـم الـقوات الـمسلحة الـعربـية الليبية لـتطـهيـر الـجـنوب مـن الـمرتـزقـة الأرهـابـيـيـن ودعا كافة منتسبي القوات المسلحة بالجفرة لضرورة الالتحاق بوحداتهم في أقرب وقت لتلبية نداء الواجب.
وبدورهما أعلن كلا من المجلس الاجتماعي الأعلى لطوارق ليبيا، المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان قبائل التبو الليبية، عن تأييدهما للعملية العسكرية للجيش الوطني، في مناطق الجنوب لتطهيرها من الإرهابيين والمرتزقة والخارجين عن القانون وتأمين الحدود الليبية وإقرار الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية
يشار إلى أن الجنوب الليبي يعاني منذ سنوات من انفلات أمني وانعدام الخدمات، الأمر الذي أدى إلى استغلال جماعات المعارضة من دول الجوار مثل تشاد والسودان لهذه الأوضاع لشن عمليات عسكرية ضد دولهم. يضاف إلى ذلك، فرار الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وأخرى تابعة للإخوان بعد هزيمتهم سواء في بنغازي أو درنة أو سرت أو غيرها. ولم يسلم الجنوب الليبي أيضاً من جماعات الاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح وسماسرة الهجرة غير الشرعية الذين استغلوا الفوضى للتكسب من تلك الأعمال غير المشروعة.
وتجاوزت بيانات التاييد للجيش الليبي مناطق الجنوب لتصل الى غرب البلاد حيث أكد مشائخ وأعيان ونشطاء ينتمون لثلاثة وعشرين بلدية من المنطقة الغربية، خلال زيارة قاموا بها مطلع الشهر الجاري لغرفة عمليات تطهير الجنوب أنهم في انتظار لاستقبال القوات المسلحة في غرب البلاد لالتحامهم بها.
وجاء ذلك عقب إعلان المجلس الاجتماعي لقبائل أولاد صقر بالزاوية وهي من أقوى القبائل المسلحة بالمدينة، عن دعمها لعملية الجيش في الجنوب. وبارك المجلس في بيانه انتصارات الجيش الوطني في المنطقة الجنوبية ضد الإرهاب والعصابات الإجرامية التي دمرت مؤسسات الدولة ونفط الشعب الليبي.
وتلقي الانتصارات المتتالية للجيش الليبي وتزايد نفوذه على الأراضي الليبية الضوء على دوره في مستقبل البلاد، حيث يأمل الليبيون فى استعادة وطنهم من المتطرفين والميليشيات المسلحة والبدء فى نهضة حقيقية فى البلاد.
ويؤكد المتابعون للشأن الليبي على ضرورة العمل على توحيد القوات العسكرية والأمنية القادرة على الوفاء بالمتطلبات الأمنية ومكافحة الإرهاب فى كل ربوع ليبيا، حيث ستوفر هذه الخطوة فرصة حقيقية لتسوية شاملة في ليبيا ونقطة البداية لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.