جاء الهجوم على صبراتة وصرمان في إطار عملية "عاصفة السلام" التي أطلقتها حكومة الوفاق في وقت كان الجميع يتحدّث عن الهدنة الدولية التي اقترحتها عدة دول لمواجهة فيروس كورونا منتصف مارس الماضي، والتي كانت هذه الحكومة أول من أعلن موافقته عليها ليتبين، بعد ذلك، جليا أن الهدنة كانت مجرد ستار وكسب للوقت لمزيد من التحضير للهجوم.
ففي تطور مفاجئ، أعلنت حكومة الوفاق الليبية بسط سيطرتها على مدينتي صبراته وصرمان والعجيلات والجميل،بدعم تركي كبير كشف حجم تورط أنقرة في الصراع الدائر في البلاد.لكن الأخطر من ذلك كان حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها القوات الموالية لحكومة السراج في المدينتين والتي تذكر بجرائم سابقة شهدتها مدينة غريان في وقت سابق.
رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ظهر بزهوة المنتصر ليعلن سيطرة قوات الوفاق على مدينتي صبراتة وصرمان فضلا عن أبوقرين، مؤكدا أنهم سيبسطون سيطرتهم على كامل ليبيا برا وبحرا وسماء.ولم يعرج السراج على فضيحة التدخل التركي العسكري العلني والسافر الذي ساعد المليشيات على الدخول الى المدينتين في مشهد يؤكد نوايا أنقرة المبيتة لإشعال صراع لا تُعرف نهاياته.وتحت غطاء الطائرات والاسلحة التركية كان خليط من العصابات والعناصر الارهابية والمرتزقة يتقدم للسيطرة على مدن كصرمان وصبراتة.
وكشفت مشاهد الفيديو لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير.
وكان من أبرز الوجوه خلال غزو صبراتة وصرمان الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش وهو أيضًا عضو في مايسمى سرايا بنغازي التي بارك السراج سحقها في الهلال النفطي بل وبارك للقوات المسلحة تطهير بنغازي منها.وقد ظهر شكو في تسجيل من داخل مركز ومديرية الأمن في صبراتة قبل أن تأتي صور لاحقة ويتبين ان المكان قد أضرمت فيه النيران كعادة الجماعات الإرهابية.
كما ظهر أيضًا مهرب الوقود الشهير و المعاقب دوليًا عبدالرحمن ميلاد المكنى "البيدجا" وهو يقود إحدى السرايا التي شاركت في الهجوم بينما كان وزير داخلية الوفاق فتحي باشاآغا ينفي حتى وقت قريب تبعية البيدجا لحكومتهم.ليس ذلك فحسب بل أن باشاآغا قد أكد في أكتوبر الماضي بأن البيدجا مطلوب القبض عليه بأمر من النائب العام اضافة لكونه معاقب دوليًا.
ومن أبرز المطلوبين الذين ظهروا بالمدينة في تحد صريح للمجتمع الدولي الإرهابي "العمو الدباشي" قائد ميليشيات التهريب بصبراتة الضالع في الاتجار بالبشر.كما ضم الهجوم عدداً كبيراً من الإرهابيين المتورطين في جرائم قتل أبرزهم "عبدالله الطرابلسي" آمر ميليشيات الأمن العام المتورطة بجرائم عديدة أحدثها قتل شابين من منطقة غوط الشعال بالعاصمة طرابلس.
وأيضًا ظهر المطلوب الآخر زعيم مليشيات التهريب قاطبة في المنطقة الغربية ، محمد العربي كشلاف المكنى "القصب" وهو الآخر تزعم حكومة الوفاق عدم تبعيته لها رغم أنه كان ولايزال مسيطرًا على مصفاة النفط في الزاوية.وعلاوة على ذلك أظهرت الفيديوهات المتداولة مرتزقة سوريون وىخرون من دول الصحراء الكبرى،ليكوّنوا ما أسماه السراج "القوات المسلحة" التي تعمل تحت غطاء الغزو التركي.
هذا الخليط المخيف من المقاتلين كان لا بد أن ينتج فضائع كبيرة وهو ما حدث سريعا،حيث نفذت المليشيات التابعة لحكومة الوفاق إعدامات جماعية وفردية في شوارع مدينتي صبراته وصرمان.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن شهود عيان، ان العديد من رجال الأمن والمواطنين ضُربوا وسحلوا في الشوارع، قبل أن تتم تصفيتهم بدم بارد في مدينتي صرمان وصبراته، بعد دخول المليشيات إليهما، بدعم تركي مباشر.
وقال الناشط السياسي من مدينة الزاوية القريبة محمود فحيل البوم، "إن المليشيات نفذت عمليات سرقة ونهب وإعدام في المدن التي سيطرت عليها، لأن هذا اسلوبهم، فعندما ينتصرون يتوحشون ويرتكبون أفعالا يندى لها جبين الإنسانية ".
موضحا أن "المليشيات أحرقت وسرقت مراكز الشرطة ومقر مديرية الأمن في صبراته وصرمان، وأعدمت أنصار الجيش الوطني الليبي في الميادين والشوارع، بعد أن أحرقوا بيوتهم وسرقوا معارض السيارات والمحلات التجارية"
من جهته،أكد عضو مجلس النواب علي السعيدي أن التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق قامت بالتنكيل بأهالي صبراته حيث أحرقت المساكن وقامت بالعبث بالمرافق العامة واغتالت مراقب التعليم في مدينة صرمان محمد عباس.وأضاف السعيدي في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن حكومة الوفاق الداعمة لهذه التشكيلات المسلحة تهدف لتمزيق وتشتيت ليبيا ودعم الإرهاب برعاية تركية.
وقوبلت هذه الانتهاكات والجرائم بغضب وتنديد كبيرين في الأوساط الليبية،حيث أكد المجلس الأعلى لمشائخ وأعيان ليبيا إن ماقامت به ماوصفها بـ "عصابات الشر" في صبراته وصرمان دليل على أن المعركة معركة ضد الارهاب وبقايا فلوله الهاربة من بنغازي وكل الجماعات المتحالفة معها من إرهابيين وغزاة أتراك.وأضاف المجلس في بيان إن ماقامت به تلك القوات من عمليات حرق المنازل والقتل، لدليل على توجهاتهم الارهابية والدموية ،مؤكدا أن الشعب الليبي سيكون لهم بالمرصاد.
وبدوره أدان المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين، بشدة ماوصفه القصف التركي الغادر الذي تتعرض له المدن والقرى في المنطقة الغربية، والانتهاكات التي ترتكبها عصابات حكومة الوفاق بحق المدنيين والآمنين.وقال المجلس إنه يستنكر ، بأشد عبارات الشجب والاستنكار؛ هذه الممارسات الإرهابية ، وحمل مسؤولية ما جرى من أحداث للبعثة الأممية، والمجتمع الدولي وجميع المنظمات ذات الصلة".وأكد المجلس الأعلى لقبائل الأشراف والمرابطين، على ضرورة القيام برفع قضايا قانونية أمام المحاكم الدولية، ضد الدول التي تسببت في تدمير الدولة الليبية، على رأسها دولتي قطر وتركيا.
وفي ذات السياق،حمل رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب، علي مصباح أبوسبيحة، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مسؤولية عمليات الذبح ولقتل التي ارتكبتها التشكيلات المسلحة التابعة للوفاق في مدن المنطقة الغربية.وحذر بوسبيحة السراج من المحاكمة أمام الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المدن التي سيطروا عليها مثل صرمان وصبراتة.
ويذكر ما حدث في صبراتة وصرمان بالجرائم والانتهاكات التي شهدتها مدينة غريان،أواخر يونيو الماضي،حين تمكنت حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على المدينة (80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس)،التي كانت قوات الجيش الوطني الليبي،تسيطر عليها، وتتّخذها مقراً لقيادة عملياتها العسكرية.
وتعرّض مقر صندوق الزكاة و مبنى الأوقاف ،بمدينة صبراتة ،الأربعاء 15 أبريل ،إلى السرقة و النهب،من قبل عناصر مسلّحة تابعة لحكومة الوفاق.
و قالت مصادر أمنية بالمدينة ،إن مجموعات مسلحة اقتحمت مبنى الأوقاف بصبراتة، وسرقت محتويات من داخله، لافتة إلى أن وضع في المدينة بات فوضويا، ويتخوف المواطنون على عائلاتهم والتعرض للأعمال الإجرامية.
ونعى وزير التعليم بالحكومة الليبية فوزي بومريز مراقب التربية والتعليم بصرمان محمد أبو القاسم والذي قتل على يد ميليشيات حكومة الوفاق التي دخلت إلى المدينة.
بومريز وفي بيان له قال إن الوزارة تابعت ما قام به عناصر داعش والمليشيات المدعومة من حكومة الوفاق غير الشرعية من محترفي القتل والإجرام الذين يسخرهم العدوان التركي لتحقيق أهدافه في احتلال الأرض الليبية وسرقة مقدرات الشعب الليبي، مضيفا أن هؤلاء القتلة عاثوا فسادا في مدن المنطقة الغربية من صرمان وصبراتة والعجيلات والجميل ورقدالين، فأحرقوا ونسفوا وقتلوا الأبرياء الآمنين.
من جانبها، أبدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "انزعاجها الشديد" من التصعيد الاخير الذي شهده غرب البلاد، واعربت بعثة الأمم المتحدة في بيان يوم الأربعاء 15 أبريل 2020 "عن انزعاجها الشديد إزاء استمرار التصعيد"، مؤكدة أنها "تدين الأعمال الانتقامية في المدن الساحلية الغربية والقصف العشوائي على طرابلس، ما أسفر عن وقوع ضحايا بين المدنيين، مهددا باحتمال حدوث موجات نزوح جديدة".
وأضافت "تابعنا ببالغ القلق تقارير تفيد بوقوع هجمات على المدنيين واقتحام سجن صرمان وإطلاق سراح 401 سجين بدون إجراءات قانونية، علاوة على تمثيل بالجثث وأعمال انتقامية بما في ذلك أعمال النهب والسطو وإحراق الممتلكات العامة والخاصة في المدن الساحلية التي سيطرت عليها قوات تابعة لحكومة الوفاق".
وتابعت "إذا تم التأكد من صحة الأعمال الانتقامية، فان من شأنها تشكيل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي".
بطبيعة الحال، وكما كان متوقعا، أطّل مفتي الإرهاب الصادق الغرياني، ليبارك سفك الدماء، واصفا إخراج المساجين في مدن صبراتة وصرمان بأنه "خطوة مباركة وداعمة من دعائم النصر"، وفق قوله.
وقال الغرياني، في لقاء تلفزيوني عبر قناة "التناصح"، من مقر إقامته في اسطنبول، تابعته "بوابة إفريقيا الإخبارية": "كما حُررت السجون من المظلومين في تلك المناطق، نطالب الحكومة وأهل الخبرة والقادة والنُخب أن يُطالبوا برفع الظلم عن المظلومين في كل سجون ليبيا"
وتابع: "أناس مظلومون أُعتُقلوا تحت تهمة انتهت الآن وأصبحت خرافة، ادّعاها حفتر وهي الإرهاب"، وأكمل: "أناشد المجلس الرئاسي ووزيري العدل والداخلية، وأقول لهم إنكم مسؤولون عن المظلومين سواء في سجون قوة الردع أو غيرها، فهؤلاء مسجونون بتهم باطلة لأنهم كانوا يقاتلون حفتر في المنطقة الشرقية، أو لأن عنده توجه يخالف من يحكمون قوة الردع".
بدورها، استنكرت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، الأربعاء 15 أبريل، اقتحام المليشيات لمركز الحرس البلدي زلطن الإثنين 13 أبريل، والاعتداء علي ضباط وأفراد الحرس البلدي، وتوجيه الإهانات لهم، وهم يرتدون الزي الرسمي.
وأكدت المنظمة في بيان لها أن هذه الأفعال وغيرها من عمليات السطو والنهب للممتلكات العامة والخاصة في بلديات الساحل الغربي من صرمان إلي رأس اجدير، لا تعبر إلا عن مدي وحشية هذه المليشيات، وعدم خضوعها لسلطة الدولة وسيادة القانون.
وطالبت المنظمة كل الجهات الرسمية والمحلية بالمناطق المذكورة تحمل مسؤولياتها لحماية المدنيين وممتلكاتهم، داعية البعثة الأممية، إلى التدخل لدي الجهات المسؤولة بطرابلس، لضمان عمل كل مرافق الدولة وخاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية لدعم سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.
إلى ذلك، أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن شديد إدانتها واستنكارها حيال تطورات الأوضاع المؤسفة التي شهدتها مدن صبراتة وصرمان.
وقالت اللجنة، في بيان أصدرته، إن "ما قام به عدد من عناصر قوات وزارة الداخلية بحكومة الوفاق والمنطقة العسكرية الغربية المشاركين في المواجهات المسلحة التي شهدتها مدن صبراتة وصرمان، أمر يستوجب على وزير الداخلية بحكومة الوفاق اتخاذ موقف واضح وصريح منه وملاحقة الجناة وضمان تقديمهم إلى العدالة وضبط الأمن وتحقيق الاستقرار ومكافحة الجريمة والجريمة المنظمة بالمدن الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق، وكذلك العمل على حصر الأضرار التي لحقت بممتلكات عدد كبير من المواطنين وجبر الضرر وتعويض المتضررين جراء هذه الجرائم والانتهاكات"، بحسب البيان.
كما طالبت اللجنة، مكتب النائب العام بفتح تحقيقات شاملة حيال هذه الجرائم والانتهاكات المروعة والتي طالت المواطنين وممتلكاتهم و أجهزة أمن الدولة ومرافق وممتلكات عامة وأفراد الشرطة والأمن التابعين للأجهزة الأمنية المدنية، مؤكدة على أن هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني ، لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن أو قصر.