أزمة انقطاع الكهرباء ألقت بظلالها على الحياة بمختلف جوانبها في الكاميرون، وتشي بقرب تحوّل الاستياء الذي خلّفته لدى السكان إلى احتجاجات فيما تبرر السلطات رسميا هذه الظاهرة بتضرر الشبكة الكهربية من الأمطار، في ما بدا أنه سيناريو لا يختلف كثيرا عمّا يحدث في مدن ودول عربية.  

انقطع التيار الكهربائي بشكل شبه يومي بكبرى المدن الكاميرونية "ياوندي" و"دوالا"، وذلك على امتداد الشهرين الأخيرين. أمّا في المدن الصغيرة، فيعيش سكانها في العتمة لمدّة قد تصل في بعض الأحيان إلى سبعة أيام متتالية. الوضعية خلّفت الاستياء لدى السكان بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية.

"جويل إيانغ" بائع سمك بسوق "موكولو" بالعاصمة ياوندي، اكتسب بفعل الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي سمعة سيّئة، بما أنّ بضاعته سرعان ما تفقد صلاحيتها، إذ يتغيّر لون السمك ويتعفّن بفعل الحرارة، وهو ما يتسبّب في عزوف الزبائن عن ابتياعه. "إيانغ" قال للأناضول "لقد فقدت عددا من الزبائن الذين يتذمّرون من سمكي المتعفّن"، مضيفا في استياء "ينقطع التيار الكهربائي في بعض الأحيان لمدّة 48 ساعة، وتفقد المجمّدات بالتالي مصادر الطاقة اللازمة للمحافظة على السمك طازجا".  

وفي أحد أحياء ياوندي، كاد "بيتر مبو" (حلاّق للرجال) أن يتعرّض للإعتداء بالضرب من قبل أحد زبائنه. "مبو" قال مستعرضا تفاصيل الواقعة "كنت بصدد حلاقة شعر أحدهم بماكينة تعمل بالكهرباء، وفجأة انقطع التيار الكهربائي، ليجد

الرجل نفسه برأس نصف محلوقة.. لم يتحمّل انعكاس صورته في المرآة، وانتابه غضب مريع، قبل أن يوجّه إليّ لكمة كادت أن تفقدني وعيي".

وفي حيّ "مبالا 2" بالعاصمة ياوندي، لا حديث للسكان هذه الأيام سوى عن الطفلين الذين لقيا حتفهما الأسبوع الماضي في حريق. "بريجيت مبينغا تالا"، جارتهما، روت ملابسات الحادثة قائلة "لقد اضطرّ الطفلان إلى إشعال  شمعة بعد انقطاع التيار الكهربائي، ثمّ خلدا إلى النوم.. ولا أحد يعرف مالذي حدث بالضبط إثر ذلك، غير أنّ المنزل احترق بالكامل وتفحّمت جثث الطفلين داخله، وقد خلص رجال الإطفاء إلى أنّ الشمعة هي التي تسبّبت في اندلاع الحريق".

تفاصيل الحوادث من هذا القبيل متنوّعة وعديدة، بيد أنّ جذورها واحدة.. فجميعها تنطلق من معضلة انقطاع الكهرباء وتعود إليها، خصوصا بعد أن تحوّل الأمر إلى حدث شبه يومي ينغّص على السكان حياتهم وأنشطتهم ويتسبّب في خسائر فادحة للتجار والمستهلكين على حدّ السواء. في السابق، كان انقطاع التيار الكهربائي لا ينزل بهذا الثقل على كاهل السكان، بما أنّه لا يحدث إلا بمعدّل مرّة في الأسبوع. فالمسألة في الكاميرون تجاوزت الحدّ المعقول الذي يمكن تقبّله، لتتحوّل إلى ظاهرة ألقت بظلالها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا.

حالة التذمّر هذه طالت مختلف الطبقات الاجتماعية، وحوّلت الحماس في قلوب السكان إلى إحباط ويأس. "ميريال زيبي" تمتلك مكتبا يقدّم خدمات الكمبيوتر للعموم، قالت متذمّرة "نحن لا نفهم كيف يفشل بلد كالكاميرون في توليد الطاقة الكهرمائية، وهو الذي يمتلك احتياطيا من الماء يكاد ينساب من كلّ ركن في شوارع البلاد". "زيبي" عبّرت عن استيائها من انخفاض رقم معاملاتها إلى النصف منذ شهرين، بما أنّ عملها مرتبط بشدّة بتوفّر التيار الكهربائي.

في الخامس عشر من أبريل/ نيسان الحالي، أصدرت شركة الكهرباء الكاميرونية "أ.إي. أس. سونال" (وهي الشركة المسؤولة عن انتاج ونقل وتوزيع الطاقة في الكاميرون) بيانا صحفيا توضيحيا جاء فيه أنّ "الخدمات التي تقدّمها شركتنا فيما يتعلّق بتزويد الطاقة لعملائنا تشهد توتّرا خلال الأسابيع الأخيرة.. لدينا شبكة دولة في طور النموّ، ولا تتمتّع بمرونة الأنظمة المتطوّرة، وهذا ما يفرض علينا في بعض الأحيان قيودا كثيرة".

ووجّه البيان أصابع الاتّهام إلى الأمطار الغزيرة التي تسبّبت في سقوط الأعمدة الكهربائية. كما أنّ مجمل المعدّات قديمة، وهو ما يجعل من إمكانية عطبها واردة في كلّ حين.

وأضاف البيان الصحفي الذي يحمل توقيع المدير العام لشركة "أ. إي. أس. سونال" "جون دافيد بيلي" أنّ "مؤسّسته أطلقت مشاريع بغرض معالجة هذا الوضع"، من بينها "تجديد بعض القواطع الكهربائية التي تستخدمها الشركة منذ عشر سنوات خلت".