لاحظ الكاتبان محسن خان وكريم مزران، في مقال نشر بتاريخ 7 يوليو 2014 على موقع المجلس الأطلسي، أنه بينما يخرج الوضع في ليبيا عن السيطرة، لا يتم الحديث عن الوضع السياسي والأمني في أوساط السلطات وصناع القرار في طرابلس والعواصم الغربية.

وبيّنا أن البلاد وعلى الرغم من أنها أجرت انتخابات برلمانية جديدة، إلا أن التماسك الاجتماعي في ليبيا يسير نحو التدهور بشدة بما أن الصراع على السلطة قد بدأ يأخذ، أكثر فأكثر، بعدا عنيفا، ما يجعل من ليبيا غير آمنة وينعدم فيها القانون.

ويعتقد أصحاب المصالح، من قادة الكتائب إلى شيوخ القبائل، ومن المسؤولين الحكوميين إلى السياسيين المرموقين، أن الوقت في صالحهم وأنه يمكنهم الاستمرار في منافسة بعضهم البعض لأجل غير مسمى حتى يخرج أحدهم منتصرا، ويستولي على البلاد ومواردها.

واعتبر الكاتبان أن هذا التفكير خاطئ من أساسه، فالانهيار الاقتصادي يلوح في الأفق ويجب التفكير في حل ممكن ودائم للأزمة في ليبيا، من خلاله تتفاوض جميع الأطراف بشأن حكومة وحدة وطنية مع برنامج سياسي مشترك كأساس يمكن من خلاله المضي قدما، وبالتالي منع الوصول إلى حالة الانهيار.

صعوبات

وبين الكاتبان أنه، فيما تدفع الفصائل المتحاربة نحو أجنداتها السياسية الخاصة، يستمر انهيار الاقتصاد الليبي، منذ مستهل سنة 2013، ويتواصل إلى هذه السنة.

فقد تراجع إنتاج النفط من ذروته البالغة 1.6 مليون برميل يوميا إلى حدود 300.000 برميل يوميا فقط، وهو أقل من معدل إنتاج ليبيا خلال الحرب الأهلية سنة 2011.

وأبرز الكاتبان أن النفط هو الدعامة الأساسية للاقتصاد الليبي، حيث يمثل 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و96 بالمائة من الصادرات الليبية، و98 بالمائة من عائدات الدولة. وباختصار، إذا تدهور إنتاج النفط يتدهور الاقتصاد الليبي.

وقد توصلت السلطات الليبية في الآونة الأخيرة إلى اتفاق مع زعيم الفيدراليين إبراهيم الجضران، الذي حاصر مناصروه أهم حقول النفط في الشرق منذ الصيف الماضي، ومن حيث المبدأ، من شأن هذا الاتفاق أن يعيد ضخ 500.000 برميل يوميا، وبالتالي يزيد من معدل الصادرات، لكن هنالك أسباب فنية أبطأت هذا التعافي، وبالنظر إلى أن مثل هذه الصفقات قد تعثرت أكثر من مرة بسبب الخلافات السياسية، ما تزال إمكانية إعادة تشغيل الحقول ضعيفة.

وأشار الكاتبان إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 قد ينخفض بنسبة تصل من 15 إلى 20 بالمائة، بسبب التراجع الحاد في إنتاج النفط، ومحدودية الصادرات النفطية، حتى في سياق الإنفاق الحكومي المرتفع للحفاظ على النشاط غير النفطي والحفاظ على رضا السكان من خلال استمرار الدعم الحكومي، وإذا استمر هذا الأمر، سيسقط الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 مليار دولار، أي بنسبة حوالي 20 بالمائة عن مستوى 2012، وتقريبا نفس معدل سنة 2009.

تمويلات

وفي ظل عدم وجود إيرادات للحديث عنها، يحتاج الإنفاق الحكومي إلى تمويل كبير عن طريق استخدام احتياطيات النقد الأجنبي من البنك المركزي الليبي، والأصول الأجنبية للهيئة الليبية للاستثمار، وهناك حديث عن بحث ليبيا عن قروض خارجية (ربما تبيع سندات إسلامية) لتمويل ميزانية الحكومة، ويعد هذا تغيرا ملحوظا في ثروات بلد اعتاد أن يكون له تدفق غير محدود من عائدات النفط.

من جهة أخرى، إذا كانت الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في الحفاظ على احتياطاتها من النقد الأجنبي، فإنه يمكن أن تنظر إلى انهيار 2011، عندما تراجع الاقتصاد بنسبة أكثر من النصف في غضون عام واحد، وهو ما يعني أن ليبيا وجدت نفسها واقعة في مطب: إما الحفاظ على الناتج المحلي الإجمالي من السقوط أو التصرف في احتياطاتها الدولية.

وحتى الآن، اختارت النهج الأول، ففي العام الماضي وحده، أنفقت ليبيا 30 مليار دولار خارج الحيازات الأصلية التي تقدر بـ130 مليار دولار، فيما تعد ميزانية 2014 أقل من السنة السابقة، ولا تتوافق أبدا مع حالة الاقتصاد، وفي ظل عدم وجود عائدات نفط قادمة، تخطط الحكومة لإنفاق نحو 47 مليار دولار باستخدام احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل ذلك.

ميزانية وقلق

وبصرف النظر عن التمويل، تعتبر ميزانية 2014 مثيرة للقلق، لأنها تضحي بالتنمية الاقتصادية المستقبلية لتلبية أولويات اليوم، وقد خفضت الحكومة، بالفعل، الإنفاق على التنمية بنسبة 27 بالمائة، مع زيادة دعم الميزانية لهذه السنة إلى 13.1 مليار دينار ليبي (22 بالمائة من الميزانية)، بارتفاع بـ10.61 مليار دينار ليبي على سنة 2013 (15 بالمائة من الميزانية).

وتفترض الميزانية الليبية أنه بالإمكان استيعاب انهيار عائدات النفط من خلال استخدام احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي التي من المفترض أنها وفيرة، وهناك إدراك واسع النطاق لدى الحكومة أنه في ظل الاحتياطيات التي تعد أكثر من 100 مليار دولار، والإنفاق الحكومي الذي يصل إلى حوالي نصف هذا المستوى، لدى ليبيا عامان على الأقل قبل أن تواجه الأزمة، إذا مازال هنالك متسع من الوقت.

لكن للأسف، يقول الكاتبان، هذا غير صحيح لسببين على الأقل: السبب الأول، يفترض أن القطاع الخاص لا يوجد لديه طلب على النقد الأجنبي، على سبيل المثال لاستيراد السلع والخدمات، وقد أدى هذا القلق ببنك ليبيا المركزي لفرض قيود على المبلغ المالي الذي يمكن للأفراد أخذه إلى الخارج إلى 10.000 دولار فقط، والسبب الثاني، وربما هو الأهم،  هو التقليص من إمكانية إتاحة أية نوع من النشاط مقابل الدينار الليبي.

ولاحظ الكاتبان أنه طالما تمسك مجموعات مختلفة بإنتاج النفط لتحقيق مكاسب سياسية، تبقى احتمالات الانهيار الاقتصادي في ليبيا مرتفعة.