وهي تسير بين الأموات الصامتين..
 كانت ترتدي ثوبها الأسود بزر فضي واحد ذاته الذي ارتدته يوم رحيله واستقبلت فيه كوكبة من النسوة في صورة معزيات بوجوههن ضبابية التفاصيل وعيونهن الغارقة في الفضول حيث السؤال الممنوع .....
هل يؤلمك فقدهُ.....!.؟
 نظرت إليهن وهي تقول بينها وبين نفسها أليس هذا هو السؤال الذي تموت أحداكن لتعرف إجابته .....!
رفعت عينيها للبعيد وتمتمت في حيرة أنا نفسي لا أدرك الإجابة.....!
  وقفت على قبرهِ المكسو بالرخام الفضي، وحولهُ بعض نباتات من الأزهار وهي صامتة.
لم تكن تضع خاتم الزواج، ولا الساعة التي أهداها لها من آخر سفرياته الكثيرة......
 كان أسمه وتاريخ ميلاده، ويوم رحيله مجرد أرقام نقشت على الرخام بينهما تفاصيل كثيرة هي زمان ومكان وأرواح تداخلت.............
 لكنك سرقت زماني، وأضعته بين زمانك، ومكانك وظرف عنوانك.
 قالتها بغصة، وبعض الدمع ينساب طرحت عليه ذات السؤال للمرة الألف، والذي لم يجب عليه يوما الفارق أنه الأن لا يسمعه ولن يجيب عليه......!
  السؤال الذي يقتلها في اليوم الآلاف المرات.....
  لماذا ارتبطت بي إن لم أكن نصفك الآخر ولا مرادف حياتك  ..
هل هو انتقاما مني لرفضي لك ...!؟
تراجعت خطوات للوراء وهي تسمع صوتا من خلفها يقول لها ... (الأموات لا يتحدثون ...) أنه هو ...صوته.....!
لم تنظر خلفها ..
تجمدت في مكانها تقدم بخطوات ثابتة نحوها، ووضع أكليل من الورود على صندوق الرخام الحاوي لجثمان صديقه اللدود الذي سرق منه حكاية عمره، ربت على كتفها الأيمن، ومد يده مصافحا ...
كانت تنظر إليه غير مصدقة  ..
وهو في منتهى الأناقة ببدلة رمادية كلون الرخام وقميصا أسود ...ويحيط معصمهُ بساعة رولكس، التي أهدتها لهُ في آخر لقاء كان بينهما.
  بالأمس كان جالسا في ضفة من شمال بحر مرمرة، يتأمل الجزر الرخامية، ويلامس حافة سطح الماء حيث هي على شاطئه الجنوبي تلامس موجة آتية في ذات اللحظة..... وبعد وصول ربان الموج الي شاطئه...استعد للقاء.....
  ألتقط يدها المرتعشة وهو يقول بصوت هادئ “هوني عليك عزيزتي"......فالرحلة لم تستغرق إلا برهة من الزمن الضائع، أما زماننا الحقيقي فيبدأ الأن ...
بقلم فاطمة مخلوف