بعد مرور ما يزيد عن سبع سنوات على سقوط نظام القذافي وغرق ليبيا في فوضى كبيرة، مازال التدخل العسكري الذي خاضته دول غربية في هذا البلد يثير جدلا كبيرا، خاصة في بريطانيا، حيث وجه برلمانيون بريطانيون انتقادات شديدة لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بسبب قرار التدخل عسكريا في ليبيا عام 2011، واعتبروا أن هذا التدخل استند الى "افتراضات خاطئة وإلى أخطاء عديدة اعترت قرار عملية انضمام بريطانيا الى فرنسا والتدخل عسكريا لحماية المدنيين الليبيين من نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. 

بريطانيا شاركت في اغتيال القذافي

أقر أمير الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة والمصنف ارهابياً من قبل الدول العربية الاربعة عبد الحكيم بلحاج، بتبنيه العنف المسلح، ضد النظام الليبي من أجل إسقاطه، مضيفاً أنه قد وجه سؤال إلى الحكومة البريطانية، عن السبب في عدم اتهام أنفسهم بالإرهاب، رغم مشاركتهم في اغتيال “القذافي".

وزعم أمير الجماعة المقربة من آمير تنظيم القاعدة الارهابي “ايمن الظواهري”، إن اغلب الشعب الليبي يعلم بانه ليس ارهابيا، مضيفاً أن كل ما في الامر انه كان يتبنى، ما وصفه “بالفكر النضالي لطغيان القذافي”، متسائلاً “اذا كانت محاربة وقتل القذاقي جريمة او ارهاب فلماذا لا تلصق بهم التهمة”، في اشارة منه إلى الدول التي قادت الحرب على النظام الليبي سنة 2011م.

هذا و وجّه تقرير أعدته لجنة الشؤون الخارجية البريطانية اللوم إلى رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، بسبب التدخل العسكري البريطاني في ليبيا، معتبرة أنه سارع إلى العمل العسكري بظل وجود "معلومات استخبارية غير دقيقة" إلى جانب تضخيم القلق حول المدنيين والتصرف بناء على "افتراضات" سمحت لاحقا بتدهور الأوضاع وظهور تنظيم داعش.

التقرير الذي يتناول التدخل العسكري الذي قادته فرنسا وبريطانيا لمواجهة نظام العقيد معمر القذافي يوجه اللوم إلى كاميرون، محملا إياه مسؤولية الفشل في تطوير "استراتيجية صحيحة" حول ليبيا، إلى جانب التأكيد بأن "المبالغة في تقدير الخطر المحدق بالمدنيين والفشل في تحديد وجود عناصر إسلامية وازنة ضمن الثوار." ولفت التقرير إلى أن عواقب تصرفات كاميرون ظهرت على شكل "فشل سياسي واقتصادي" في ليبيا واندلاع حروب بين القبائل والجماعات المسلحة وانتشار التعديات على حقوق الإنسان وتزايد دور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في شمال أفريقيا.

كما أكد التقرير أن سياسات بريطانيا حيال ليبيا، والتي بدأت بعمليات لحماية المدنيين، انحرفت لاحقا نحو إجراء تغيير في النظام السياسي الليبي دون وجود استراتيجية لدعم وتطوير ليبيا في فترة ما بعد القذافي. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية البريطانية، النائب كريسبن بلنت: "السياسات البريطانية في ليبيا كانت جزءا من تدخل غير صائب مازلنا نعاني من آثاره حتى اليوم."

وبحسب اللجنة، فقد شملت الاستجوابات جميع أصحاب القرار الذين كانوا على صلة بالعمليات باستثناء كاميرون نفسه الذي رفض المشاركة بحجة "ازدحام جدول أعماله". وحملت اللجنة كاميرون مسؤولية التسبب بالوضع الراهن، مشددة على أن رئيس الوزراء السابق أكد أمام البرلمان عند طلب تفويض التدخل في ليبيا عدم سعيه لإجراء تغيير في النظام الحاكم قبل أن يعود بعد ذلك ويوقع على بيان مشترك مع الرئيسين الفرنسي والأمريكي يتضمن الإشارة إلى إزاحة القذافي

بريطانيا والإخوان المسلمون

"في عام 1928 وعندما انطلقت فكرة الإخوان المسلمين في مصر، لاقت الاحتضان الكبير والدعم اللامحدود من الاستعمار البريطاني في تلك الفترة والذي كانت سياسته "الاستعمار البريطاني" تقوم على سياسة "فرّق تسدّ"، على اعتبار أن إنشاء مثل هذه الجماعة ستمكنهم لاحقًا من التصدي للخطر الأساسي المتوقع في المنطقة وهو التيار القومي العربي، "فلا بد أن تواجه هذا التيار بتيار الإخوان المسلمين الذي كان منذ بدايته الأولى مناهضًا للقومية العربية".

لا يفارق التموقع البريطاني في ليبيا هذه الاطروحة، إذ كشف وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أليستر بيرت، إنه من "المحتمل" أن بلاده كانت على اتصال مع ميليشيا الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية خلال أحداث عام 2011 ضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

وهذه المرة الأولى التي تعترف فيها الحكومة البريطانية بأنه من "المحتمل" وجود اتصالات مع "أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية"، وهي منظمة كانت في وقت من الأوقات منظمة إرهابية محظورة في بريطانيا بسبب صلاتها المزعومة مع تنظيم القاعدة الإرهابي.

وقال أليستر بيرت ردا على سؤال وجه إليه من البرلمان إنه "خلال الصراع الليبي في عام 2011 كانت الحكومة البريطانية على اتصال مع مجموعة واسعة من الليبيين المشاركين في الصراع ضد قوات النظام ومن المحتمل أن يكون هذا تضمن أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية وكتائب "شهداء 17 فبراير"، كجزء من مشاركتنا الواسعة خلال هذا الوقت". وقال النائب عن حزب العمال البريطاني لويد راسل مويل الذي وجه هذا السؤال إلى بيرت إن "وزارة الخارجية البريطانية اخبرته أنها منم المرجح كان لها اتصالات مع ميليشيا ليبية قاتل في صفوفها منفذ هجوم مانشستر".

وكانت الحكومة البريطانية قد أدرجت الجماعة الإسلامية المقاتلة كمنظمة إرهابية في عام 2005، واصفة إياها بأنها تسعى إلى إقامة "دولة إسلامية متشددة" و"جزء من الحركة الإسلامية المتطرفة المستوحاة من القاعدة". وكانت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة هي القوة المهيمنة المعارضة للقذافي في ليبيا في التسعينات، إلى أن أجبرتها حملة أمنية فرضتها الحكومة على العديد من الأعضاء على الفرار - وحصل العديد منهم على وضع اللاجئ في بريطانيا.

قوات بريطانية خاصة على الأراضي الليبية

كل متابع لما حدث في ليبيا يتبين له بأن القوات الخاصة البريطانية والفرنسية متواجدة على الأراضي الليبية منذ بداية الأحداث في 2011م وتقدم معلومات في غاية الخطورة للدول التابعين لها عن الأوضاع في ليبيا بما في ذلك الناحية الأمنية بعد ما أصبحت بلادنا مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب وكان لهم دور كبير في اشعال نار فتيل الحرب الأهلية والقيام ببعض العمليات.

إن المنظمات الاستخباراتية الدولية قامت بالمساهمة في إسقاط النظام السابق بشكل واضح،يذكر أن بريطانيا أرسلت مستشارين عسكريين إلى بنغازي لمساعدة الثوار وشارك الفريق الذي يقوده الكولونيل نيك كيتسون وهو من قدامى المحاربين في إقامة اتصال مع حلف شمال الأطلسي حيت أن هوية كيتسون كقائد للفريق البريطاني في ليبيا لم يسبق الكشف عنها من قبل لأسباب أمنية.

لا يخفى على أحد أن ليبيا بعد سقوط النظام السابق أصبحت مرتعا للاستخبارات الإقليمية والعالمية على حد سواء وخاصة بعد الفراغ الإستخباراتي في الفضاء الليبي حيث لا يوجد كيان أو جسم استخباراتي قوي بعد سقوط النظام السابق. فالمتتبع للشأن الليبي يلاحظ إن هناك تحركا قويا جدا من قوى استخبارتية إقليمية والجهاز الغائب الوحيد هو المخابرات الليبية الذي انشغل رؤساؤه المتعاقبون بتأمين أنفسهم ونهب الأموال العامة خاصة أنه لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة رغم إنفاقه عشرات الملايين من الدولارات تحت بند السرية.

هذه المنظومة المعقدة من الشبكة الإستخباراتية الموجودة في ليبيا لها مصالح مختلفة وكل دولة تخدم لمصلحتها منها المصالح الإقتصادية والسياسية والإجتماعية وغيرها من المصالح الخفية يصعب حصرها،إن نشاط هده الشبكات الجاثمة على ليبيا أصبحت ظاهر للعيان والمتمثلة في اتارة النعرة القبلية بين قبائل ليبيا سواء كانت على أساس الشرق أو الغرب أو حتى داخل المنطقة نفسها أو القبيلة الواحدة،ناهيك عن دعم طرف ضد طرف أخر بين التشكيلات الثورية وخاصة في العاصمة طرابلس الغرب، أيضا من خلال الدعاية والإعلام لقائد تشكيل عن أخر والعمل على تعمد إظهاره في الصورة السياسية في ليبيا،ولا ننسى الدعم اللوجستي التي يحضى به أطراف عن أطراف أخرى،سواء كان دلك على الصعيد السياسي (وزارات ) أو الصعيد العسكري (تشكيلات ) أو حتى على الصعيد الإجتماعي (قبائل)،أيضا هناك دعم مادي والمتمثل في الدعم النقدي (أموال،هدايا،هبات) والدعم العيني (أسلحة،معدات عسكرية أخرى).

وقد أكد محمود جبريل (رئيس الحكومة الليبية السابق) في تصريح له بوجود عملاء لمخابرات كل دول العالم تعمل داخل الأراضي الليبية،بينما تستمر الصعوبات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة في فرض الأمن في البلاد، وقال أيضا بأن الإستعانة بـ”القبعات الزرق” أمر وارد الحدوث لفرض الأمن وسط الإنفلات الكبير الحاصل على الأرض،وهو ما دفع رئيس المجلس الإنتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل للتحذير من مخاطر حرب أهلية،كما دفعه أيضًا للإعتراف بالعجز عن كبح جماح المليشيات المسلحة في البلاد وأضاف محذراً من تدخل أجنبي في ليبيا ما بعد القذافي إذا لم يسارع المجلس الإنتقالي لبناء جيش وطني وإصدار وثائق تنظم المرحلة الإنتقالية،خاصة أن جميع مخابرات دول العالم تعمل فوق الأراضي الليبية .

وخير دليل على صدق تصريحه هو كشف مندوب الدفاع الجوي في بنغازي العقيد فوزي البرعصي عن وقوع اختراق السيادة الجوية الليبية من قبل طيران حربي مجهول الهوية،دون أن تعلم الجهات العسكرية الليبية بالأمر، وكذلك حديث وزير الدفاع السابق أسامة اجويلي عن فتح تحقيق حول الدور الأمريكي في تدمير خمسة آلاف صاروخ ليبي ارض جو محمولة على الكتف،وكانت هذه العملية التي شاركت فيها واشنطن قد أثارت استياءً كبيرًا في أوساط بعض القادة العسكريين الليبيين،واعتبروها بمثابة تدمير لقدرات الدفاع الجوي للبلاد.

تقرير الحرب على ليبيا

تقرير الحرب على ليبيا هو التقرير الأول الذى يصدره «مجلس الأمن القومي» البريطانى وهو المجلس الذى أسسه كاميرون نفسه للإشراف على قضايا الأمن القومى البريطاني، والتنسيق الاستخباراتي، ووضع الاستراتيجيات على الأرضوالهدف الأساسى للمجلس هو توفير «آلية» حكومية لمتابعة السياسة الخارجية وتوثيق عملية اتخاذ القرار للتدخل العسكري، وذلك ردا على غياب أى آلية خلال غزو العراق. فأعضاء مجلس الأمن القومى البريطانى يحضرون كل المناقشات ويسجلون كل المداولات الخاصة بقرارات الحرب، وذلك على النقيض من سنوات حكم رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير، الذى وجدت «لجنة شالكوت» حول حرب العراق صعوبة كبيرة فى الحصول على أى أوراق تدون وتسجل المداولات اليومية بشأن قرار حرب العراق، فالكثير منها لم يكن رسميا.
 
 
وما يفعله التقرير حول ليبيا و«مجلس الأمن القومي» البريطاني هو جعل أى قرار مستقبلي بالحرب عملية صعبة ومعقدة، والأهم عملية خاضعة للمساءلة الوطنية والتحقيق فى البرلمان والاستجواب وتمحيص الأدلة. وفى غياب أي رادع دولي، مثل المحكمة الجنائية الدولية أو مجلس الأمن، ربما تكون آليات مثل لجان تحقيق وطنية تابعة للبرلمان أو مجلس أمن قومى هى الآليات الرادعة أمام مغامرات عسكرية غربية مستقبلية فى المنطقة.

تنذر الفوضى المستشرية في ليبيا وانعدام السيادة على التراب الليبي بإطالة أمد الأزمة الليبية واستمرار حالة الاقتتال والفوضى، فكافة مؤسسات الدولة الهامة تعاني الانقسام والصراع على من يمثلها ويديرها مثل الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط وبنك ليبيا المركزي وشركة الخطوط الجوية الليبية وشركة الإستثمارات الليبية الخارجية ما ينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين.

كما يبدو من الواضح أن استمرار الإنقسام على الساحة الليبية بين الأطراف الوطنية الليبية الرئيسية فى البلاد يمثل «بوابة ذهبية» لتدخلات وتحركات الدول الغربية والأجنبية التى فجرت الوضع فى ليبيا عام 2011 وتسعى إلى العودة مجددا لضمان «مصالحها الخاصة» فى البلاد والمنطقة خلال المرحلة القادمة بغض النظر عن مصالح الشعب الليبى صاحب الأرض.