في رحلة عادية بكل المقاييس تحمل الرقم 370، أقلعت طائرة للخطوط الجوية الماليزية من كوالالمبور الساعة 12.40 صباحا يوم 8 مارس عام 2014 وعلى متنها 227 راكبا وطاقم من 12 فردا متجهة إلى بكين.
وفي تلك الليلة ذات السماء الصافية والهادئة، صعدت الطائرة بوينغ 777، وهي واحدة من أكثر الطائرات التجارية الآمنة على الإطلاق، إلى ارتفاع مريح بلغ 35 ألف قدم واتخذت الاتجاه الشمالي الشرقي نحو فيتنام، متبعة خطة الرحلة بدقة متناهية.
وفي الساعة 01.19 صباحا، وجهت وحدة مراقبة الملاحة الجوية الماليزية الطيار أحمد زهاري شاه /53 عاما/، وهو طيار متمرس يتمتع بسجل لا تشوبه شائبة على مدار 33 عاما، للاتصال بوحدة مراقبة الملاحة الجوية الفيتنامية عندما اقتربت الطائرة من أطراف المجال الجوي الماليزي، مع إنهاء الاتصال بتمني ليلة طيبة "جود نايت".
وبعدها بخمس ثوان، رد الطيار ليؤكد وصول الرسالة "جود نايت، (من) ماليزيا 370".
وبعد ذلك بدقائق، تم إغلاق جهاز إرسال الطائرة، مما يجعل من المستحيل تتبع موقع الطائرة بدقة على شاشات الرادار. ولم تجد الجهود المليئة بالمخاوف من قبل مراقبي الحركة الجوية الفيتناميين للاتصال بطاقم الطائرة الذي لم يتصل بهم حسب المقرر سوى الصمت.
وكان هذا هو آخر ما وصل من طاقم أو ركاب الرحلة "إم.تش 370 ".
وانطلقت عملية بحث عن الطائرة بقيمة 145 مليون دولار شملت مساحة 120 ألف كيلومتر مربع وشارك فيها العديد من الدول -من بينها الصين وأستراليا وماليزيا- بناء على الشكوك الأولية أن الطائرة ربما تكون قد تحطمت في مكان ما في بحر الصين الجنوبي.
وانتقل البحث فيما بعد إلى جنوب المحيط الهندي، بعد أن أظهرت أجهزة رادار عسكرية أن الطائرة ربما تكون انحرفت بشكل كبير عن مسارها المقرر عبر اتخاذ منحنى حاد أعلى بحر الصين الجنوبي للعودة عبر شبه جزيرة ماليزيا، ثم أتبعت ذلك بمنحنى شمالي غربي نحو بحر أندامان.
وأثار البحث أيضا اهتمام شركة الاستكشاف في قاع البحار "أوشن إنفينيتي"، التي نشرت مركبات مستقلة غير مأهولة لتمشيط أعماق قاع البحر، بناء على اتفاق الحصول على ملايين الدولارات إذا تم العثور على حطام الطائرة وإلا فلن تحصل على أي شيء.
ولم يؤت البحث في النهاية بأي ثمار، وأوقفته الحكومة الماليزية بعد ستة شهور في مايو 2018.
وتم تصنيف الاختفاء بأنه واحد من أكبر الألغاز في مجال الطيران، منافسا اختفاء الطيارة الأمريكية اميليا إيرهارت غير المبرر خلال رحلتها المقتصرة على شخصين فقط عبر المحيط الهادئ في عام 1937.
وبعد مرور خمس سنوات على اختفاء الطائرة الماليزية، لا يزال الكثير مما حدث لها محاطا بالغموض، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم العثور على حطام الطائرة وهو أمر موهن للعزيمة. وشاعت سلسلة من الافتراضات منذ ذلك الحين، بدءا من تنفيذ الطيار لمهمة انتحارية وحتى محاولة اختطاف إرهابية خاطئة.
وقال طيار مخضرم يتمتع بخبرة 14 عاما و11 ألف ساعة من قيادة الطائرات من طراز بوينج 777، والذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لكي نكون موضوعيين ونأخذ أياً من هذه النظريات على محمل الجد، يجب أن يكون هناك بعض الأدلة المادية للتعامل معها ... أما في غياب الأدلة المادية، فإن أي شيء في هذه المرحلة سيكون تكهنات".
ومع ذلك، تقول عائلات الضحايا إن طي صفحة الطائرة إم.اتش 370 الآن هو شيء سابق لأوانه، لا سيما عندما تتجاوز عواقب اختفاء الطائرة الأقرباء وتثير قلق جمهور عالمي يتجه اعتياده للسفر الجوي إلى الزيادة.
وقالت جريس ناثان، المتحدثة باسم مجموعة "فويس 370" ذاتية التنظيم التي تجمع عائلات الضحايا: "لم يعد الأمر وطنيا، إنه دولي ... هذا شيء يمكن أن يستفيد منه جمهور الطيران بالكامل - إنها خدمة يمكن أن تقدمها للعالم".
وفي مايو 2018، أثار وزير النقل الماليزي أنتوني لوك الانتقادات لقوله إن ماليزيا يجب أن تسعى إلى "إغلاق الملف" بعد بحث عقيم لمدة أربع سنوات.
واعتبر أقارب الضحايا هذا التعليق تراجعا عما قاله لوك قبل الانتخابات العامة عام 2018، عندما تعهد بأن يجعل البحث عن الطائرة إحدى أولوياته كوزير للنقل.
وفي الذكرى السنوية الخامسة لاختفاء الطائرة، والتي تحل في 8 مارس الجاري، تناشد مجموعة "فويس 370" الحكومة تخصيص صندوق للاستعانة بالشركات الخاصة التي تتمتع بالخبرة التقنية للبحث عن الطائرة على أساس "المقابل عند تحقيق نتيجة فقط".
وقد أكدت أوشن انفينيتي أنها سوف تكون "مهتمة إذا ما أتيحت الفرصة لاستئناف البحث".
ومن جانبها، أشارت الحكومة الماليزية إلى أنها ستكون "أكثر من مستعدة" لاستئناف البحث، ولكن بشرط أن تكون هناك "أدلة جديرة بالثقة أو مقترحات محددة"، والتي تقول إنها لم تجدها بعد.
وبالتأكيد فإن المهمة هي مهمة شاقة. وعلى مدار خمس سنوات، تم العثور على إجمالي 30 قطعة حطام على طول ساحل المحيط الهندي يشتبه بأنها تعود للطائرة المفقودة، ولكن ثلاث قطع فقط منها تم تحديد هويتها بشكل إيجابي أنها تعود للطائرة.
وتريد "فويس 370" أيضا الضغط على صناعة الطيران للحفاظ على صرامة إجراءات السلامة الخاصة بها.