بغض النظر عن أسبابه أو تفاصيل كوالسيه أو نوايا أصحابه الخفية، إن صحّ وجودها، فإن إتفاق رئيسي مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري، يعتبر خرقا مهما لجدار الجمود السياسي الذي تعيشه ليبيا منذ أشهر، والأهم من ذلك أنه قد يمثل سبيلا قائما لانهاء الأزمة المستعصية في البلاد منذ سنوات.
اتفاق صالح والمشري، الذي تم برعاية القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، نص على ضرورة الإسراع بإنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات الليبية، والتوافق على وضع خريطة طريق واضحة ومحددة تعلن لاحقاً؛ لاستكمال الإجراءات اللازمة لإتمام الاستحقاق، سواء المتعلقة بالأسس والقوانين، أو بالإجراءات التنفيذية، وتوحيد المؤسسات.
ترحيب ومطالب
هذا الاتفاق أعاد الأمل نسبياً في إحداث انفراجة بالمسار السياسي، وهو ما دفع الكثير من الأطراف المحلية والدولية للترحيب به والمطالبة بخطوات أخرى أكثر جدية لانهاء الأزمة.حيث طالبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، القادة السياسيين في البلاد، بالإسراع في الاتفاق على "ترتيبات، كاملة ونهائية ومحددة زمنيا، للسير بالبلاد نحو الانتخابات خلال العام الحالي".
وأفادت البعثة، في بيان لها نشرته على صفحتها في "فيسبوك"، أنها "تحث المجلسين بقوة على الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، بما في ذلك حول القضايا الخلافية، بغية استكمال الخطوات الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شاملة ضمن إطار زمني محدد".وأبدت البعثة الأممية استعدادها التام "لدعم المبادرات المخلصة الهادفة إلى تحقيق توافق وطني يمهد الطريق لحل ليبي-ليبي للأزمة السياسية التي طال أمدها".
من جانبها، قالت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان مبعوثها الخاص لدى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، إن "اختتام النقاشات بين قادة كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في القاهرة لا يترك أي سبب لتأجيل وضع تاريخ مبكر لانتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا".ودعا نورلاند "القادة الليبيين لتبني الإجراءات اللازمة بأسرع وقت ممكن للسماح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشروع في تفعيل العملية الانتخابية".
وفي ذات السياق، رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، بالاتفاق معربا عن أمله في أن "يتبع هذا التطور خطوات عملية وجادة تفضي إلى إعلان خارطة طريق وطنية واضحة ومحددة لاستكمال الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية ".وناشد أبوالغيط جميع الأطراف الليبية دعم حالة التوافق الحالية بما يؤمن إجراء انتخابات وطنية شاملة في أقرب وقت ممكن.
نقاط خلاف
رغم التوافق الحاصل فانه ليس توافقا تاما، فبحسب رئيس مجلس الدولة خالد المشري، مازال هناك خلاف بين المجلسين بشأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية في القاعدة الدستورية المؤدية للانتخابات، خاصة فيما يتعلق بترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، وهو الامر الذي يطرح تساؤلات حول امكانية تنفيذ الاتفاق.
وسبق أن فشلت ليبيا في اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ترعاها الأمم المتحدة يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، بسبب الخلافات التي مازالت قائمة.وبحسب المشري أنه اتفق مع صالح على "إحالة النقاط الخلافية والقاعدة الدستورية والانتخابات للاستفتاء الشعبي المباشر لحسم الجدل بشأنها من قبل الليبيين"، مؤكدا أن "هناك تعهدات من المجلسين بقبول نتيجة تلك الاستفتاءات مهما كانت النتائج".
ما مصير الحكومتين
منذ مطلع العام الماضي، تعيش ليبيا على وقع صراع الشرعية بين حكومتين، الأولى في شرق البلاد برئاسة فتحي باشاغا، والتي كلفها مجلس النواب، والثانية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي انتهت ولايتها، ويصر كلا الطرفين على أحقيته بالحكم رافضا التنازل ليصل الأمر الى حد نشوب اشتباكات مسلحة في عدة مناسبات.
وتتجه خطوات اتفاق صالح والمشري نحو انهاء وجود الحكومتين معا وارساء حكومة جديدة لقيادة الانتخابات القادمة، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة، في تصريحات نشرتها قناة "القاهرة الإخبارية" على موقعها الإلكتروني، حين أشار الى أن الحكومة المقبلة لن يكون من حقها الترشح للانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية.
وأكد المشري، أنه لا يريد إجراء انتخابات داخل البلاد في ظل وجود حكومتين، وأن الواجب الآن هو توحيد الصف الليبي.وأضاف أن من وصفهم بـ"العقلاء في ليبيا" يرفضون إجراء انتخابات في ظل وجود حكومتين، لأن توحيد الحكومة يؤدي إلى شفافية المشهد السياسي، وفق قوله.
ويشير البعض الى أن هذه الخطوة قد تواجه بالرفض خاصة من قبل حكومة الدبيبة، الذي اتهم في وقت سابق، رئيسي مجلسي الدولة والنواب بعقد صفقات وصفها بالـ"مشبوهة" لتقاسم السلطة وتعطيل إجراء الانتخابات.كما اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية المشري وصالح بمواصلة التسبب في إحباط الشعب الليبي بتجاهل ضرورة إجراء انتخابات "حرة ونزيهة"، وقال إنهما منشغلان دائمًا بالبحث عن طرق جديدة للتمديد لنفسيهما أو تقاسم السلطة.
وتضمنت مهام حكومة الدبيبة، قيادة ليبيا إلى انتخابات يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 2021، لكن الانتخابات أُلغيت حينها نتيجة الخلافات.ويرى البعض، أن الترحيب الدولي باتفاق المشري وصالح قد يمثل رفع للغطاء الدولي ونزع الاعتراف عن حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، في المرحلة القادمة ودعم حكومة جديدة للاشراف على الانتخابات.