أحمد النظيف – تونس بوابة افريقيا للاخبار ( خاص )
في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها البعثات الدبلوماسية في كل من تونس و ليبيا ،و التي نفذها التيار السلفي الجهادي في 11 سبتمبر/أيلول 2012،اثر بث الفلم المسيء للرسول، والمعروف باسم "براءة المسلمين"عملت الادارة الامريكية الى تعديل استراتيجيتها في منطقة المغرب العربي،وأدى الهجوم في تونس إلى مقتل عدد من السلفيين وحرق مبنى المدرسة الأميركية في منطقة البحيرة، واعتقال قرابة 400 سلفي،غير ان نتائج الهجوم الليبي كانت وخيمة ،حيث سقط لسفير الأميركي في ليبيا، "جي كريستوفر ستيفنز" قتيلا وثلاثة آخرين من موظفي السفارة.نتائج انعكست على السياسة الامنية و العسكرية الامريكية بمنطقة شمال افريقيا في اتجاه أكثر تشدادا مع الجماعات الجهادية،أو العودة الى سياسة بوش الحازمة،بعد هدنة انطلقت منذ اشتعال شرارة ما سمي بــ"الربيع العربي" حيث تقاطعت سياسة التيارات الجهادية و السياسة الامريكية في كثير من المناسبات.
المواجهة المباشرة مع الجهاديين
و مما ميز السياسة الامنية الامريكية الجديدة في شمال افريقيا بعد 11 سبتمبر/أيلول 2012،عودة خيارات المواجهة المباشرة مع التيار الجهادي من خلال الضربات الخاطفة و العمليات المحدودة كتلك التي يقوم بها سلاح الجو الامريكي في اليمن منذ مدة الى جانب طرح "مبادرات" جديدة في علاقة مع "الانظمة الحاكمة" و في هذا السياق شهدت المنطقة العديد من المؤشرات الدالة منها :
في أبريل نيسان 2013،وافقت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" على نشر وحدات قتالية مدعومة جويا و قادرة على الوصول للهدف في غضون 12 ساعة للتدخل السريع والإستجابة للأزمات في قاعدة مورون دي لفرونتيرا في إقليم إشبيلية جنوب اسبانيا، وذلك تحسبا لتطورات واضطرابات في دول شمال افريقيا. وذلك بعد فشل القوات الأمريكية في الإستجابة السريعة لأحداث القنصلية الأمريكية في بنغازي ،و تتكون الوحدة القتالية التي سوف يتم تشكيلها من 500 مقاتل تابع لقوات التدخل السريع تكون قادرة على خوض عمليات عسكرية قتالية وتأمين المنشآت الأمريكية وتقديم المساعدة الإنسانية عند الحاجة، وذلك لتفادي الخلل الذي حال دون القيام بما يجب القيام به في بنغازي عند الهجوم على القنصلية الأمريكية.
في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 ،قامت وحدة أمريكية خاصة من اعتقال القيادي الجهادي الليبي نزيه عبد الحميد الرقيعي المعروف باسم"أبو أنس الليبي"في العاصمة، طرابلس، في مهمة تمت عقب إخطار السلطات الليبية، بحسب ما كشفت مصادر أمريكية و نقل لمحاكمته في واشنطن بتهمة المشاركة في تفجير سفارتي الولايات المتحدة الامريكية في كينيا وتنزانيا العام 1998.
عودة الجدل في دول الشمال الافريقي عن النوايا الامريكية في نقل مقر القيادة الأفريقية الأمريكية (USAFRICOM) من مقرها المؤقت في قاعدة شتوتغارت الالمانية الى احدى دول المغرب العربي و خاصة تونس و ليبيا و الجزائر جدل غذته الزيارات المتكررة لقيادة الافريكوم الى المنطقة في الاونة الاخيرة
ففي أبريل/نيسان 2013 قام القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال كارتر هام بزيارة الى تونس وليبيا والجزائر و التقى خلالها القيادات السياسية و العسكرية في البلدان الثلاثة مؤكدا على مواصلة واشنطن السير في عقيدة "الحرب على الإرهاب" و هي السبب الرئيسي وراء إنشاء قيادة الأفريكوم،بحسب كثير من المراقبين،كما أعادت زيارة الجنرال ديفيد رودريغيز، قائد القوات الأميركية بإفريقيا "أفريكوم"، لتونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى واجهة الأحداث الجدل حول النوايا الأميركية بإقامة قاعدة عسكرية على التراب التونسي، خاصة مع تطور نسق الدعم الأميركي لتونس في الملف الأمني والعسكري في المدة الأخيرة، خاصة في ما يسمى "المجهود العالمي لمكافحة الإرهاب".
و بالرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد ترغب كثيراً في الحضور العسكري المباشر في بؤر التوتر في العالم الإسلامي خاصة بعد الحرب على أفغانستان والعراق، غير أن الحالة "الجهادية في شمال افريقيا" ستدفع واشنطن الى إيجاد مركز أمني استخباراتي متقدم في عمق الصحراء التونسية، وتحديداً عند المثلث الحدودي (برج الخضراء- مسودة)بين تونس وليبيا والجزائر، لرصد ومتابعة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب والجماعات الجهادية التابعة لها.
وضع خطط جديد وضع خطط لحالات الطوارئ فيما يتعلق بالدبلوماسيين الأمريكيين والأصول الأمريكية في منطقة المغرب العربي حال تدهور الوضع. وبشكل أوسع نطاقاً، و قد كشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني،المقرب من الادارة الامريكية، في وقت سابق الى أن "الولايات المتحدة قد تحتاج الى إعادة التفكير بشأن الطريقة التي ستحدث بها توازناً لهيكلها الأمني في المغرب العربي في الوقت الذي يتجه المسار بشكل إجمالي في المنطقة نحو الانحدار" و هذا الامر قد ظهر بشكل كبير في الاوانة الاخيرة حيث تعددت التحذيرات و الانذرات التي تصدرها البعثات اليبلوماسية الامريكية في دول المغرب العربي لمواطنيها و تعمق العمل الاستخباري الامريكي في هذه الدول ،فقد كشفت الداخلية التونسية عن تلقيها لتحذيرات من المخابرات المركزية الامريكية تفيد بامكانية استهداف النائب الراحل محمد البراهمي قبل اغتياله بعشرة أيام.
شركاء مكافحة الارهاب
بعد مقتل السفير الامريكي في بنغازي و حرق المدرسة الامريكية في تونس وجهت واشنطن انتقادات للحكومتين التونسية والليبية حول سياستها في التعامل مع القوى الجهادية و خاصة تنظيم"أنصار الشريعة" المتهم بالمسؤولية عن الهجوميين في البلدين ،الى جانب ذلك حاولت الولايات المتحدة تقديم المساعدات اللوجستية و المادية في برنامج "مكافحة الارهاب".
تونس : كشفت وزارة الخارجية الأمريكية ، في تقرير منسقها الخاص لعمليات التحول في الشرق الأوسط الصادر سنة 2012،عن تطور درجات التنسيق و التعاون العسكري والأمني و العدلي بين تونس و الولايات المتحدة الأمريكية، وعن "استئناف التدريب في إطار برنامج المساعدة في مكافحة الإرهاب بعد انقطاعه لمدة سبع سنوات".وشكلت زيارة وزير الدفاع التونسي رشيد صباغ للبنتاغون في مايو /أيار الماضي ولقائه بنظيره الأميركي، نقطة انطلاق عودة التعاون العسكري والأمني الموجه أساسا لمكافحة الإرهاب بين البلدين. وكان الجنرال كارتر هام قائد القوات الأميركية بإفريقيا "أفريكوم"، قد أكد خلال زيارته إلى تونس في مارس 2013 الماضي، "إرسال إطارات من وزارة الدفاع للتدرّب في الولايات المتّحدة . كذلك هناك فريق تقني أميركي مختص قادم إلى تونس لتكوين فريق مماثل له في إطار برنامج مكافحة الإرهاب".و أشار التقرير ، سالف الذكر ،إلى أن "الأهداف الإستراتيجية لهذا البرنامج في تونس، تتمثل في تعزيز قدرات الأجهزة المعنية بإنفاذ القانون في مجال مكافحة الإرهاب على التحقيق في النشاط الإرهابي قبل وقوع حادث إرهابي وبعد وقوعه، كما يهدف البرنامج أيضا الى تعزيز القدرة على إدارة الأحداث الخطيرة،فهذه المبادرة الإستراتيجية الإقليمية تقوم، عن طريق برنامج مكافحة الإرهاب، بتوفير المعدات وتسهيل شراء مركز قيادة متنقل، ومعمل جنائي متنقل لصالح الحرس الوطني التونسي".وختم التقرير بالإشارة إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية سوف تقوم بتقديم المساعدات الفنية والمعدات والتدريب ذي الصلة للتونسيين العاملين في مجال تطبيق القانون في الخطوط الأمامية في المطارات الجوية والموانئ البحرية وعلى الحدود الأرضية، كما ستقدم الولايات المتحدة أيضا دعما في مجال تطوير وتعزيز أنظمة شاملة لرقابة التجارة الإستراتيجية تفي بالمعاير الدولية".و كان الجنرال ديفيد رودريغز القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) في أخر زيارة له الى تونس قد وعد بدعم أمريكي لتونس في تأمين حدودها ومكافحة تهريب السلاح من ليبيا المجاورة. و كان الجيش التونسي و منذ تأسيسه يعتمدا أساسا في التدريب و التسليح على الولايات المتحدة الأمريكية،و قد تواصل هذا الاعتماد بعد سقوط نظام بن علي و تدعم أكثر بعد وصول حركة النهضة إلى الحكم اثر انتخابات 23 أكتوبر 2011.فتونس و منذ فترة طويلة تتلقى دعما من الولايات المتحدة في النواحي الأمنية والعسكرية، حتى بلغ مجموع المساعدات العسكرية الأمريكية لتونس منذ 14 يناير/كانون الثاني 2011، تاريخ هروب بن علي ، ما يقرب عن 32 مليون دولار وهو تقريبا ضعف المساعدة المقدمة مباشرة قبل ذلك التاريخ، حيث تمثل المعدات العسكرية من أصل أميركي حوالي 70% من مخزون الجيش التونسي.كما سجلت تونس ومنذ سنة 1994 حضورها في صفوف المستفيدين العشرين الأوائل من تمويل برنامج الولايات المتحدة للتعليم والتدريب العسكري الدولي ،حيث بلغت المرتبة العاشرة في إطار التمويل الإجمالي والمرتبة الأولى على الصعيد الإفريقي و قام أكثر من 4600 من العسكريين التونسيين بتلقي فرص تدريب في مؤسسات أميركية منذ الاستقلال سنة 1956، حيث قدمت منذ ذلك التاريخ أكثر من 890 مليون دولار من منح التمويل العسكري والمعدات العسكرية الزائدة إلى تونس،استنادا إلى بيانات نشرتها السفارة الأمريكية بتونس.و تعد تونس من البلدان القلائل التي لديها طلاب في جميع الأكاديميات العسكرية للولايات المتحدة بالإضافة إلى أكاديمية حرس السواحل، كما بلغت الاتفاقات المبرمة بين برنامج الولايات المتحدة للمبيعات العسكرية الخارجية و تونس أكثر من 780 مليون دولار خلال الفترة الممتدة بين 1956 و 2010 في حين بلغ التمويل العسكري الخارجي أكثر من 647 مليون دولار.
ليبيا :اتجهت الادارة الامريكية بعد حادثة مقتل السفير الليبي في بنغازي الى "تقوية مؤسسة الجيش الليبي" بعد أن أدركت ان فوضى السلاح و تعدد المجاميع المسلحة في البلاد ،ذات الولاء المتذبذب سيؤدي الى تقوية شوكة الجهاديين و سيحول من ليبيا قاعدة خلفية (هانوي جديد)للجماعات الجهادية في منطقة الساحل و الصحراء ،خاصة بعد الكشف عن وجود عشرات مراكز التدريب التي تقوم بتدريب عناصر جهادية قادمة من دول المغرب العربي و خاصة من تونس ،و في هذا السياق، كشف مسؤول أمريكي ،في منتصف نوفمبر 2013 الماضي عن خططا لتدريب ما بين 5000 إلى 7000 فرد من قوات الأمن الليبية وكذلك قوات العمليات الخاصة التي تستطيع تنفيذ مهام لمكافحة الارهاب،مشيرا الى أن الخطط الأمريكية ستشمل تدريب جماعات صغيرة بالتناوب على مدى سنوات في بلغاريا.كذلك ، وقعت الحكومة الليبية مطلع ديسمبر 2013 مع الولايات المتحدة الأمريكية إعلان نوايا يتم بموجبه "دعم القدرات العدلية والبحث الجنائي والتدريب ومقاومة الجريمة ،و الاستفادة من الخبرات الأمريكية في مجال مكافحة الجريمة المنظمة وغير المنظمة وكشف الجرائم ، والتعاون المستمر في مجال استخدام تقنيات الجريمة، إضافة إلى أساليب ووسائل البحث الجنائي" ،كما تتجه الحكومة الليبية الى "التعاقد مع عدد من الشركات الأمنية الأجنبية لحماية الحدود الليبية والمساعدة في تجهيز وتطوير الجيش الليبي" و هو الامر الذي كشف عنه عبد الرزاق الشهابي، الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الليبية،في سبتمبر2013.
الجزائر :بعد أن كانت الحكومة الامريكية تتحفظ على الطلبات الجزائرية باقتناء الاسلحة و التقنيات المتخصصة في مكافحة الارهاب،أبدت واشنطن في الفترة الاخيرة و خاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها في ليبيا و تونس و بعد تمدد الصراع في مالي و منطقة الصحراء،مرونة أكثر في التعاون مع الجانب الجزائري و كان هذا واضحا في التصريحات التي أطلقها الجنرال رودريغز قائد القوات الامريكية بافريقيا ، في لقاء مع الصحفيين ، بمقر القيادة العامة لـ”أفريكوم” بشتوتغارت في ألمانيا،منتصف شهر دسيمبر 2013 و قال رودريغز في تصريحات نقلتها جريدة الخبر الجزائرية : " إن أفريكوم تقيم حوارا جيدا مع الحكومة الجزائرية، ولكن على خلاف ما سمعناه لا توجد لدينا إرادة لبناء قاعدة عسكرية في الجزائر. فحكومة هذا البلد تبدي تمسكا قويا بسيادته، وحريصة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”. وتابع نفس المسؤول: “لا توجد حاجة لتواجد عسكري أمريكي بالجزائر، لأن الجيش الجزائري قادر على التصدي للإرهاب بمفرده”. وكشف بأن قيمة الدعم والتدريبات التي تعتزم الولايات المتحدة تقديمها للجزائر، تم تحديدها بمليون دولار في ميزانية الدفاع 2013. وقال إن هذا البرنامج أعدّ بطلب من الجزائر “وقد وافقنا عليه، كما طلبت الجزائر معدات وأجهزة عسكرية في 2012 ووافقنا عليها. ولكن ما قد يجهله الكثيرون، أن السياسة غالبا ما تحول دون سرعة الإجراءات المتعلقة ببيع معدات عسكرية، وذلك مفروض علينا من وزارة الخارجية والكونغرس ونحن في النهاية مطالبون بتنفيذ أوامر صانعي القرار السياسي في واشنطن”. وأكد بأن دولتين في إفريقيا مقصيتان من بيع التجهيزات العسكرية الأمريكية، هما غينيا الاستوائية وأريتيريا بحجة أن حكومتيهما “لا تعاملان المواطنين بشكل جيد”.وذكر مسؤول آخر: “لا تفضل الولايات المتحدة المشاركة مباشرة في محاربة الإرهاب، وإذا كان التدخل العسكري لا بد منه نفضل أن يكون في إطار التعاون مع شركائنا. وحبذا لو تطلب منا الجزائر استضافة تمارين “فلنتلوك” فوق أرضها”. يشار إلى أن “فلنتلوك” برنامج عسكري يطلق على مناورات عسكرية ذات التركيز العالي، انطلق لأول مرة في 2005 وشاركت فيه القوات الجزائرية عدة مرات، وقد أقيمت التمارين العام الماضي في موريتانيا".
_________________
(1)- القيادة الإفريقية الأميركية هي قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة وزارة الدفاع الأميركية، وهي مسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة إفريقية في إفريقيا عدا مصر.وقد تأسست في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2007، كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأميركية لأوروبا، والتي كانت لمدة أكثر من عقدين،مسؤولة عن العلاقات العسكرية الأميركية مع أكثر من 40 دولة إفريقية.وبدأت نشاطها رسمياً في الأول من أكتوبر 2008، وهي تعمل بشكل مؤقت من قاعدة شتوتغارت الألمانية في انتظار نقلها إلى إحدى الدول الإفريقية.
(2)- http://www.elkhabar.com/ar/politique/373620.html جريدة الخبر الجزائرية ،15ديسمبر 2013.