تصاعدت الانقسامات في ليبيا بين الأطراف الداخلية، بعد الخطوة الأخيرة للبرلمان بشأن اختيار رئيس حكومة جديد بدلاً من عبد الحميد الدبيبة.

أثارت خطوة البرلمان الليبي بشأن اختياره رئيس حكومة جديد، مخاوفَ من عودة ليبيا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل تثبيت حكومة الوحدة الوطنية، بحيث كانت هناك حكومتان متصارعتان، تتطلع كلّ منهما إلى السيطرة على الحكم.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تشهد العاصمة طرابلس، خلال الأسابيع الماضية، تعزيز الوجود المسلح من عناصر ومعدات، على نحو يزيد في المخاوف من أزمة سياسية قد تطلق شرارة الاقتتال.

وصوّت مجلس النواب الليبي،الخميس، بالإجماع، على اختيار فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة خلفاً لعبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض الاستقالة، وأعلن تجاهله نتيجة التصويت في البرلمان من أجل اختيار بديل عنه. وقال إنه لن يسمح بمراحـل انتقالية جديدة، وإن حكومته مستمرة في عملها "إلى حين التسليم إلى سلطة منتخَبة".

وقال المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، في تصريح صحافي، إن مجلس النواب "صوت بالإجماع على منح الثقة للسيد فتحي باشاغا، رئيساً للحكومة".

وقال الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر الخميس إنه ترحب بقرار البرلمان تسمية فتحي باشاغا رئيسا للوزراء.

وفي وقت سابق الخميس، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إنه " تلقى رسالة تزكية من المجلس الأعلى للدولة تؤيد ترشح فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة الجديدة". وأضاف صالح خلال جلسة الخميس، "بلغت بأن المرشح خالد البيباص سينسحب".

من جانبه،قال عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية المقال من قبل البرلمان، الجمعة، إنه ما زال يمارس عمله وفقاً للمدد الزمنية المنصوص عليها في خارطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار، فيما قال فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المُنتخب من قبل البرلمان، إن الحكومة التي سيرأسها ستلتزم بمبادئ الوحدة الوطنية، وأضاف: "نمد أيدينا للجميع من دون استثناء".

وأضاف الدبيبة خلال مقابلة بثتها قناة تلفزيونية محلية، أن المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقاً لخارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 2020.

وأشار إلى أن من واجبه أن يسلم السلطة لجهة منتخبة من الشعب الليبي، وأنه ملتزم بذلك، مؤكداً أنه يرفض المحاولات التي تجر الليبيين للحرب.

واعتبر الدبيبة أن اختيار مجلس النواب الليبي لحكومة جديدة "محاولة أخرى للدخول إلى العاصمة طرابلس بالقوة". وتابع: "كنت وما زلت رافضاً لمحاولات جر الليبيين إلى حرب جديدة.. أهل طرابلس سيدافعون عن أنفسهم".

وأوضح الدبيبة أنه يبحث خارطة طريق، مشيراً إلى أنه قد يعلن عن مبادرة من جانب الحكومة لحل الأزمة السياسية في البلاد.

ويعيش الدبيبة الذي رفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، عزلة سياسية بعد تخلي معظم الكتائب العسكرية في المنطقة الغربية عنه، وتأييدها قرار البرلمان تشكيل الحكومة الجديدة، لتنضم إلى القوى السياسية في الغرب الليبي التي نفضت يدها من الحكومة الموحدة، وفي مقدمها التيار الإسلامي.

في ذات الصدد،تعليقاً على قرار البرلمان الليبي، سُئل المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمره الصحافي اليومي، عما إذا كانت الأمم المتحدة لا تزال تعترف بالدبيبة رئيساً للوزراء، فأجاب "نعم".

وتقول المستشارة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا ، إن شرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة لا تزال قائمة، وتحثّ مجلس النواب على التركيز في إجراء الانتخابات.

ووصل رئيس الحكومة المكلف من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، منتصف ليلة الخميس، الجمعة، إلى مطار معيتيقة قادماً من طبرق، عقب تسلم قرار تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، من دون أن يتعرض لمضايقات من أي طرف، بعدما سيطر التوتر على المشهد الليبي بتواتر أنباء عن تحرك قوات عسكرية من الزاوية ومدن أخرى في الغرب الليبي باتجاه طرابلس، قبل ساعات من وصوله إليها.

وألقى باشاغا كلمة مقتضبة أمام وسائل الإعلام فور وصوله إلى العاصمة، أكد فيها أن "الحكومة الجديدة ستكون للجميع وبالجميع، وسنمد أيدينا لكل الأطراف من دون استثناء".

وحاول باشاغا إرسال رسائل إيجابية إلى الدبيبة، تسهل عملية نقل السلطة إلى حكومته، بقوله "أشكر حكومة الوحدة الوطنية، وعلى ثقة بالتزام حكومة الوحدة الوطنية بمبادئ الديمقراطية والتسليم السلمي للسلطة".

في المقابل، جدد رئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة، رفض التنحي عن منصبه، مؤكداً أنه "لا يزال يمارس عمله وفقاً للمدد الزمنية المنصوص عليها في خريطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار في تونس".

وأضاف، "المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير الحكومة وفقاً لخريطة الطريق في جنيف"، معتبراً "ما حدث في مجلس النواب تعدياً صريحاً على اختصاص المجلس الرئاسي".

كما أرسل باشاغا رسائل طمأنة أخرى للداخل والخارج، تعهد فيها بأن يكون عند حسن الظن، قائلاً إنه "لن يترك مجالاً للظلم والانتقام والكراهية، وسنفتح صفحة جديدة، وسنتعاون دائماً مع مجلسي النواب والدولة ونطوي صفحة الماضي".

إلى ذلك،يرى مراقبون أنه هناك احتمال بأن تؤدي الإطاحة بالدبيبة إلى إشعال حرب أخرى، وإنهاء وقف إطلاق النار المستمر منذ أكتوبر 2020، فهناك اللجنة العسكرية الليبية، المعروفة باسم لجنة 5 + 5، المكونة من عدد متساوٍ من الضباط العسكريين الذين يمثلون المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد، تجتمع بانتظام للحفاظ على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، واللجنة مكلفة أيضًا بترتيبات خروج جميع المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية وهذا هو النجاح الحقيقي الوحيد حتى الآن في الصراع الذي دام عقدًا من الزمان.