إثر إسقاط نظام الزعيم الراحل معمّر القذافي، استبشر كثيرون بإرساء نظام ديمقراطي على الشاكلة الغربية إلا أنه يمكن إعتبار حقبة ما بعد فبراير 2011 حقبة الخراب و الفوضى المتواصلة.
حيث أدت هذه الأحداث إلى تفكك الجهاز الأمني، تمزق ليبيا صراعات نفوذ تخوضها مختلف المجموعات المسلحة بلا رادع، وكذلك عشرات القبائل التي تشكل المكون الرئيسي للمجتمع الليبي.
وقد انتهز تنظيم "داعش" المتطرف فرصة الفوضى ليتسلل إلى البلاد، حيث احتل سرت لأشهر، قبل أن يطرد منها في ديسمبر 2016. لكن حتى بعد إضعافهم ما زال المتطرفون ينتشرون في الصحراء، ويشكلون تهديدا قائما.
وزاد انفلات الحالة الليبية وانفتاحها على فائض العنف والفوضى خلال السنوات الثماني الماضية، وتدفق سيل الهجرة غير الشرعية من الأراضي الليبية عبر البحر المتوسط على جنوب أوروبا، من انخراط الأطراف المعنية على الضفة الشمالية للمتوسط أيضاً في التفاعل المحموم مع الحالة الليبية، وهو ما تولد عنه صراع صامت آخر، ولكن محسوس بين روما وباريس، على انتزاع أوراق التأثير والتدبير ضمن معادلات هذه الأزمة، وهو صراع مخصوم في النهاية من فرص التعجيل بالتوصل إلى تسوية تضع حداً للأزمة نفسها من الأساس. هذا فضلاً عن تعامل معظم دول الجوار الليبي مع تداعيات الأزمة بنوع من استراتيجية كف الضرر، وإدارة الأزمة لا غير، بدلاً من العمل على حلها بشكل جذري.
في نفس الإطار،شكل النفط في ليبيا عام 2010 نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت ليبيا تنتج 1.65 مليون برميل يوميًا من معدل احتياطي قدره 41.5 مليار برميل، وكانت تعتزم في خطة 2011 زيادة إنتاجية بحوالي 3 ملايين برميل يوميًا، وكان معدل دخل الفرد في تلك الفترة هو 4400 دينار.
ولكن ما حدث في فبراير 2011 فاق التوقعات، حيث تعطل إنتاج النفط لشهور على إثر النزاعات التي أدت لمقتل القذافي، ليؤدي ذلك بالتبعية إلى تدهور الأوضاع المعيشية ونقص السيولة في المصارف، وتغير الوضع بعد إعلان تحرير ليبيا، حيث عاد تصدير النفط الليبي بمستويات قريبة من فترة ما قبل الحرب بحلول الربع الثالث من سنة 2012، وارتفعت ميزانية الحكومة إلى الضعف في السنوات الثلاث الأولى.
- ودخل الاقتصاد الليبي في حالة ركود عام، مما ضعف جانب العرض الذي انكمش بنسبة 10% في 2015، واستمر ضعف القطاعات غير النفطية بسبب اختلالات في سلاسل توريد المستلزمات المحلية والأجنبية ونقص التمويل، وتسارعت وتيرة التضخم ليصل معدله إلى 9.2% في 2015، وازدادت أسعار الغذاء بنسبة 13.7%، وواصل سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي مقابل الدولار تراجعه، إذ سجل هبوطًا آخر يزيد 9% في 2015، وفي السوق الموازية انخفضت قيمة الدينار نحو 160% بسبب القيود على معاملات النقد الأجنبي التي ينفذها البنك المركزي الليبي.
وفي تعليقه على الوضع في ليبيا ما بعد القذافي، يرى العالم السياسي كريستوفر شيفيز أن "القضية الأساسية أن المجتمع الدولي أهمل مسألة إعادة البناء، بعد حملة جوية استمرت سبعة أشهر، في مرحلة ما بعد سقوط القذافي". وأضاف أن الظروف كانت سانحة بعد سقوط القذافي، نظرا لامتلاك ليبيا للثروة اللازمة، لإحداث نقلة نوعية تؤدي إلى تحقيق سلام واستقرار على نحو سريع، لكن ما حدث كان وضعا مأساويا، حدث كنتيجة مباشرة لإهمال الغرب.