في 2014، كان تراجع شعبية حركة النهضة متوقعا حسب الخبراء والمحللين الذين اعتبروا أن صعود نداء تونس كبديل لها لم يكن من قبيل الصدفة. في ليلة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 وعقب عملية التصويت، أثارت ردود أفعال بعض قيادي النهضة أثناء الإعلان عن نتائج استطلاعات الرأي جدلا واسعا حيث اعتبر قياديو الحركة أن هذه النتائج غير صحيحة وطالبوا بانتظار نتائج الهيئة المستقلة للانتخابات مؤكدين فوز النهضة بهذه الانتخابات. لتكون الصدمة التي تلقتها النهضة ظاهريا بصدر رحب وقدمت تهانيها لنداء تونس الذي فاز حينها بأغلبية المقاعد.

كان تاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، بداية التراجع الفعلي لنفوذ النهضة رغم تقلد رئيس حركتها رئاسة البرلمان عقب الانتخابات التشريعية في 2019. لم يكن سقوط حركة النهضة حينها مصادفة أو بسبب بروز كتلة نفوذ جديدة بل كان نتيجة حتمية لفشل الترويكا الحاكمة في إدارة الأزمة السياسية المتسببة في تأزم الوضع بالبلاد على جميع الأصعدة فسرعان ما تتالت وتراكمت الأزمات خلال 3 سنوات فقط عقب سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

شكّل تحالف النهضة "الفاشل" مع الأحزاب الحاكمة صدمة للشارع التونسي وخصوصا لمواليها وقاعدتها الشعبية التي بدأت بالتصدّع حينها. أصبح وشاح الإسلام السياسي شفافا مع تتالي الفشل الذريع وتعاقب الحكومات في فترة قياسية على البلاد التونسية إضافة إلى الإغتيالات المصاحبة لتلك الفترة والنشاطات الإرهابية المكثفة أمام تردي الوضع الاقتصادي والإجتماعي بالبلاد ما وضع حركة النهضة تحت مجهر المسببات الرئيسة للازمة الخانقة التي تشهدها البلاد.

لا يبدو إعلان الرئيس التونسي حلّ البرلمان المجمد صادما بقدر ماكان متوقعا، فمنذ بداية أشغال البرلمان بعد انتخابات 2019، سادت الفوضى والنزاعات والعنف تحت قبة أعلى سلطة تشريعية في البلاد وتميزت معظم جلساته بكثرة الغيابات والمشاحنات التي وصلت حد العنف اللفظي "الشديد" والمادي ورفعت شعارات "dégage" داخل البرلمان في مناسبات عدة في وجه رئيسه راشد الغنوشي وأُمضيت عرائض سحب الثقة منه الواحدة تلو الأخرى.

لقد أصبح ميزان الشرعيات في تونس مختلا ما جعل سقوط حركة النهضة حتميا، سقوط بدأ من داخل الحركة بحل مكتبها التنفيذي واستقالة العديد من قيادييها البارزين واقالة بعضهم من طرف رئيسها راشد الغنوشي وانسحاب آخرين في صمت. تصدّع أحدث ضجة وجدلا واسعا في البلاد وأثار موجات لا تزال عاتية من الإنتقادات خاصّة بعد ما تم تبادل التهم والتصريحات النارية بين قيادييها وما كشفه بعضهم عن حقائق تتعلق بشخص رئيسها. منعرج حاد انضاف إليه ملف اللوبيينغ والتمويلات المشهوبة لحملات الحركة الانتخابية ما جعلها حسب الخبراء والمحللين تفقد جزء كبيرا من نفوذها وشعبيتها وهو ما ترجمه فشله في تحشيد الشارع وتغيير مسار 25 جويلية/يوليو 2021.

حل البرلمان كان متوقعا بل وتعالت الأصوات بحله من المنظمات الوطنية وبعض الأحزاب وشخصيات سياسية بارزة، خاصة بعد الجلسة الافتراضية التي ألغت إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد، في محاولة "يائسة" لإحياء شرعية ثانية وخلق صدامات جديدة تزيد من تأزيم الوضع واحتقانه. قرار حل البرلمان مثل سقوطا فعليا لآخر حصن من حصون حركة النهضة وأحد أهم مراكز نفوذها.

يؤكد المحللون السياسيون أن مسألة حل البرلمان كانت مطروحة بشدة في برنامج الرئيس التونسي قيس سعيد لكنه كان يبحث عن إطار قانوني وسياسي، قدّمه له راشد الغنوشي على طبق من ذهب. خاصة وأن الإتحاد العام التونسي للشغل وبعض الأحزاب البارزة المساندة لمسار 25 جويلية/يوليو، نادت بضرورة تحرك سريع لوقف المدّ والجزر حول البرلمان المجمّد منذ شهور.

ورغم صدور قرار حل البرلمان التونسي المجمّد إلا أن حركة النهضة رفضت في بيان لها هذا القرار وهدّدت بالتصعيد. وأكد رئيس الحركة راشد الغنوشي، أن الجلسات الافتراضية للبرلمان ستستمر، وأن مكتب رئاسة البرلمان سيجتمع قريبا لبرمجة جلسة افتراضية جديدة. مشددا على أن حركة النهضة  ترفض قرار التجميد وحل البرلمان. وأعلن الغنوشي في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية، أن الحركة قررت الخروج للاحتجاج "ضد الانقلاب وحل البرلمان"، وفق تعبيره.

فلا يبدو الغنوشي مستعدا للتخلي عن أهم مراكز نفوذه رغم صدور مرسوم رئاسي رسمي يقرّ بحل البرلمان التونسي المجمّد، ذلك إلى جانب خارطة الطريق نحو الإستفتاء والإنتخابات التي وضعها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد.