الغش من الكبائر في أخلاقيات الناس ورغم ذلك تثبت الأحداث وما تضبطه مصالح المراقبة الإقتصادية في أحيان كثيرة أن عدد الغشّاشين في تونس في زيادة بدءا بالغش في الإمتحان وصولا إلى الغش في التجارة وحتّى الغش في الكلام. الغشّاشون لا يعرفون التحييد هم بارعون في مختلف المجالات. أيّ طعم لنجاح يأتي على ظهر عمليّة غش هو في الأصل غشّ للذات قبل ان يكون مهارة في التخفّي عن المراقبين ؟ وأي معنى لربح يأتي على ظهر عملية غشّ هو في الاصل تحيّل تجاري يعاقب عليه القانون ؟ وأي معنى للعلاقات بين الناس طالما أصلها بُنِيَ على الغش ؟
ولأنّ الغشّاشين في زيادة وذلك ما أثبتته كواليس إمتحانات باكالوريا 2014 لنا أن نسأل إنّ كانت مثل هذه الحوادث نشازا أم هي عنوان لثقافة جديدة بدأت تتأصّل بين التونسيين ؟

محاولة للربح السهل والسريع
عن هذا السؤال ردّ عبد الستار السحباني أستاذ علم الإجتماع بجامعة تونس ورئيس الجمعية التونسية لعلم الإجتماع «الغش يدخل في منظومة ذهنيّة كاملة تقوم على الربح السريع اي تحقيق مكاسب دون مجهود». ولاحظ السحباني ان مفهوم النجاح تغيّر لدى الناس ووسائل النجاح التقليدية مثل الدراسة لم تعد تجد لها صدى لدى الناس وعليه يستغل البعض وسائل أخرى التي هي تمثل تغييرا كبيرا في مرجعياتنا.
ولاحظ السحباني ان الردع كوسيلة تقليدية للمعالجة أصبح غير كافي وبالتالي مطلوب وضع برامج توعويّة ووسائل بديلة للتصدّي للغش مثال ذلك تطويع التكنولوجيا فيما يتعلق بالغش في الامتحانات وتنظيم حملات تحسيسية توعويّة وتطبيق القانون بصرامة فيما يتعلق بالغش في التجارة وغيرها.
واعتبر عبد الستار السحباني رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع ان المشكل الأساسي يكمن في شبكة المعايير الإجتماعيّة التي تبدو غير مستبطنة من قبل الغشاشين.

مرض اجتماعي يحرّمه الدين
من جهته قال الشيخ لطفي الشندرلي إنّ الحديث النبوي قال «من غشّنا فليس منّا» والغش هنا يشمل كل الميادين سواء في الخدمات الإدارية او في السوق او في التعامل مع الناس وهو غشّ حذّر منه النبي (صل الله عليه وسلّم) لانه عمل مقيت وفي الغش صفة مذمومة هي التحيّل فالتحيّل يدمّر المجتمع لانه ينشر ثقافة تزلزل كيان الامن بأسرها.
وأضاف الشيخ الشندرلي «ما حدث من غش في امتحانات باكالوريا 2014 ومن ابشع انواع الأعمال خاصة وانه يتعلّق بالعلم الذي تُرْفع به الأمم واذا وصل الغش الى هذه الدرجة فعلى الدنيا السلام لان هذا نوع من الجهل الغاية منه نشر الظلام.
وأكد محدثنا ان من يغش الناس هو مريض فالغش مرض اذا انتشر في مجتمع يصبح نارا موقدة ويكون سببا لتخلف المجتمع فالغشّاش والمتحيّل مآله النار. قال ايضا «الإسلام دين الحقيقة ودين العمل وبالتالي الغش محرم دينيا وقانونيا هناك نصوص كثيرة تجرّم الغش وتضع أحكاما خاصة به.

خطة للتصدّي للغش
من جهته اعتبر سليم سعد الله النائب الأول لرئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أنّ الغش آفة من الآفات خاصة في شهر رمضان. ومحاولة من المنظمة للحد من الغش قال سعد الله لـ«الشروق» «قرّرنا بالتعاون مع وزارات التجارة والصحة والداخلية إطلاق حملة لمقاومة الغش في ترويج المياه المعدنيّة والمشروبات الغازيّة وذلك على مستوى النقل والتخزين في كامل تراب الجمهورية. وسيتم حجز المياه المعدنية والمشروبات التي لا يتم نقلها وتخزينها بطريقة سليمة وسيتعرّض صاحب العربة التي تنقلها إلى خطيّة ماليّة.
كما تعتزم المنظمة وفقا لسليم سعد الله النائب الأول لرئيس المنظمة اطلاق حملات مراقبة مشتركة مع مصالح المراقبة الإقتصاديّة لمقاومة البيع المشروط والغش في المقاهي وللتصدي للتجاوزات وكذلك حملة مراقبة في الأسواق الأسبوعية.

 

أرقام
نشرت وزارة التجارة أرقاما تتعلق بحصيلة المخالفات التي تم رفعها من قبل مصالح المراقبة الإقتصاديّة منذ عام 2010. والمتأمل في جدول المخالفات يكتشف نقصا كبيرا في عدد المخالفات المرفوعة خلال عام 2011 بلغ -87.7 ٪.
في العام التالي ارتفع عدد المخالفات بشكل كبير ليصل الى حوالي 400 ٪ ويمكن إيجاد تفسير لهذا التضخم في عدد المخالفات وهو عودة مصالح المراقبة الإقتصاديّة الى النشاط ما بعد تعطلها خلال السنة الاولى من الثورة.
خلال العام التالي وخلال الخمسة اشهر الاولى لعام 2014 استقرّت نسبة المخالفات المرفوعة في حدود 18٪ وهي نسبة لا تبدو قليلة خاصة وأنها حصيلة غش تعلق بشفافية الأسعار ونزاهة المعاملات في مختلف مسالك التوزيع على مستوى الجملة والتفصيل. فهل اصبح الغش حقيقة تجارية في تونس ؟

 

*نقلا عن الشروق التونسية