عقد الكاتب الصحفي محمد بعيو مقارنة بين ما كانت عليه ليبيا في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي وما أضحت عليه بعد إسقاط الدولة عام 2011.
وكتب بعيو تدوينة بموقع "فيسبوك" بعنوان "الـتـاريـخ حـيـن يـسـخـر" يـوم طلب معمر القذافي الترشح للإنتخابات الإيطالية..واليوم ننتظر قانون الإنتخابات من روما"
وقال بعيو "في ربيع 1996، وكنت مديراً للإدارة العامة للإعلام الخارجي، التابعة للجنة الشعبية العامة للإعلام والثقافة، التي كانت أمينتها آنذاك الأستاذة فوزية شلابي، تلقيت مكالمة من مكتب المعلومات بالقيادة، تطلب دعوة رؤساء تحرير أو مندوبين عن الصحف الإيطالية الكبرى، لاريبوبليكا، ولاستامبا، وكوريري دي لاسيرا، ووكالة الأنباء الرسمية الإيطالية آكي، وذلك لإجراء حوار صحفي مفتوح مع قائد الثورة معمر القذافي رحمه الله" مضيفا "قمنا بتوجيه الدعوات عن طريق السفارة الليبية بروما، عبر اللجنة الشعبية العامة للإتصال الخارجي، التي كان أمينها يومذاك الأستاذ عمر المنتصر رحمه الله، وكانت لـــيـبـيـــا آنذاك تحت الحصار الجوي، فتم ترتيب وصول الصحفيين الإيطاليين عبر تونس جربة، ثم براً إلى طرابلس بسيارات المراسم، لنفاجأ بأن الموعد قد تحدد في اليوم التالي بمدينة ســرت، ولهذا انتقلت صحبة الصحفيين الطليان والمترجم الأستاذ جمعة بالخير، الذي استلم بعدي إدارة الإعلام الخارجي، إلى سرت التي وصلناها ليلاً، فأقمنا بفندق قصر المؤتمرات، وعلمنا أن الموعد سيكون في اليوم التالي، وعلينا أن نستعد صباحاً ليتم نقلنا إلى حيث مكان اللقاء الذي تم بعد العصر بمقر كتيبة الساعدي".
وأضاف بعيو "كان الصحفيون الإيطاليون متلهفين إلى إجراء الحوار مع الرجل المثير للجدل، والذي كان يتعامل مع إيطاليا بنوع من الشك الشخصي المختلط بالتعالي والخطاب الشعبوي المؤثر، وتتعامل معه إيطاليا ببراغماتية شديدة لأهمية لـــيـبـيـــا الإستثنائية في السياسة الإيطالية بحكم مقتضيات الجغرافيا والتاريخ، والنفط والغاز، حيث تتمتع شركة إيني بمعاملة تفضيلية استثنائية، وحيث الغاز الليبي الذي تتطلع إيطاليا إلى إنجاز أنبوبه البحري، الذي تم بعد ذلك التاريخ بثلاثة عشر عاماً، حيث افتتحه معمر القذافي وبرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا في 7 أكتوبر 2007".
وتابع بعيو "تبرز هنا دلالات اختيار التاريخ وارتباطه بتاريخ الغزو الإيطالي الفاشي لبلادنا قبل 96 سنة، وقبل سنة من توقيع الإتفاقية التاريخية بين لـــيـبـيـــا وإيطاليا بمدينة بنغازي في 2008.8.31، تلك الإتفاقية التاريخية التي اعترفت فيها إيطاليا بمسؤوليتها الأخلاقية عن غزو لـــيـبـيـــا وقدمت الإعتذار رسمياً، وقبلت مبدأ التعويض في سابقة لم تُقدم عليها دول الإستعمار الأوربي القديم والإمبريالية الإستعمارية الحديثة، وهي اتفاقية ماتت بموت صاحبها، وتحول معظم من تعاقبوا بعده على السلطة في بلادنا، إلى تابعين أذلاء للخارج دون إحساس بالقيم السامية للوطنية الليبية، ولا حرص على السيادة الوطنية" وتابع "إذ أكتب هذا فليس هدفي الإشادة أو التمجيد، بل إنعاش الذاكرة الوطنية في حقبة سوداء من تاريخ لـــيـبـيـــا، يريد فيها العملاء وشذاذ الآفاق تحويلنا إلى قطيع بلا ذاكرة، وتمجيد الإستعمار العثماني الفاشي المتخلف بشعارات دينية إسلاموية كاذبة جوفاء".
وزاد بعيو "دخلتُ صحبة ضيوف لــــيـبـيـــا الصحفيين الإيطاليين الخمسة، وكان من بينهم صحفي مصري إيطالي، إلى الخيمة المنصوبة بساحة كتيبة الساعدي بمنطقة بوهادي على أطراف سرت الجنوبية، فاستقبلنا العقيد بترحاب دون أن ينسى السؤال من خلال المترجم عن أسماء الصحفيين ومن يمثلون من صحف، يبدو واضحاً أنه يعرفها جيداً، ثم جلس الجميع منصتين إلى ما يريد أن يقوله الرجل المحاصر ضمن حصار لــــيـبـيـــا وشعبها، بسبب عقوبات الأمم المتحدة، بعد اتهام النظام بالمسؤولية المباشرة والتورط في إسقاط طائرة الركاب الأمريكية، التابعة لشركة بان أميركان، فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية أواخر سنة 1988". وأضاف "كان الصحفيون متحمسون وقد تحملوا عناء السفر الطويل والشاق جوا وبراً، للحوار مع الزعيم المثير للجدل، بل وقبلوا بحوار جماعي لصحف متنافسة، تبحث كل منها عن سبق يخصها ويزيد توزيعها وعوائد إعلاناتها، وقد توقعوا أن يستمعوا منه إلى أخبار ومعلومات تمثل سبقاً أو بلغة الإعلام {سكوب}، في مسائل تتعلق بالنفط والغاز، وبالحصار، وبالهجرة غير الشرعية، وبالعلاقات الليبية الإيطالية، لكن القذافي فاجأهم بالكلام عن موضوع بعيد تماماً وغير متوقع، بل ومنسي من الذاكرة الإيطالية، وربما مجهول من إيطاليي الحاضر".
وأردف بعيو "قال الـقـذافـي إنه دعاهم ليعلن من خلالهم رغبته في الترشح للإنتخابات العامة في إيطاليا، بحكم كونه مواطناً إيطاليا، مثله مثل كل الليبيين بموجب قانون صادر زمن الحكم الفاشي، يقضي بضم لـــيـبـيـــا إلى إيطاليا، واعتبارها جزء من أراضي ومياه وأجواء إيطاليا، وفرض الجنسية الإيطالية على الليبيين، وتجنيدهم إجبارياً في الغزو الإيطالي للحبشة، وفي الحرب العالمية الثانية، قـائـلاً / إن هذا القانون لم يتم إلغاؤه، وأنه بموجبه وبموجب المراسيم المماثلة له يعتبر مواطناً إيطالياً، من حقه الترشح والتصويت والتمتع بكل حقوق المواطنة الإيطالية".
وتابع بعيو "أفاض معمر القذافي في الحديث في ذات الموضوع، ولم يُعط الصحفيين الإيطاليين أية فرصة للأسئلة والحوار في مواضيع أخرى، وأنهى اللقاء الذي استغرق نحو ساعة بتوجيه الشكر لهم والإعتذار منهم عن مشاق السفر، وانتهت الرحلة الصحفية الجماعية إلى لا شيء، بالنسبة للصحافة الإيطالية، التي لم تتوقع أن يكون سبب تلك الدعوة العودة إلى تاريخ مضى وانتهى، ذلك أنهم لا يعرفون ذلك الرجل جيداً، وهو المسكون حد الهوس باستدعاء الماضي إلى الحاضر، لا للعبرة والذكرى فقط، بل للتأثير والسيطرة، وتحويل التاريخ وأحداثه مِن سجل لما قد كان، إلى متحكم أساسي في ما هو كائن وما سيكون".
وأضاف بعيو "طبعاً لم يكن معمر القذافي جاداً في كلامه عن كونه مواطناً إيطالياً، لكنه ربما أراد وفي شدة خناق الحصار والخوف من المجهول، حـث إيطاليا على كسر الحصار، وعدم الإمتثال للعقوبات، والتعامل بانفتاح أكبر مع لـــيـبـيـــا، وهو مالم يتحقق، فإيطاليا أضعف من أن تتحدى أو حتى تُقنع أميركا وأوروبا بإعطائها فرصة في الانفتاح على جارتها المتوسطية الجنوبية المحاصرة".
وأردف بعيو "أسوق هذه القصة، التي مضى عليها ربع قرن، والتي كنت حاضراً فيها وشاهداً عليها، في اليوم الذي تستضيف فيه روما اجتماعات ليبية ليبية، غرضها الإتفاق على القاعدة الدستورية وقانون الإنتخابات، وكأنما لروما الإستعمارية القديمة قليلة الأهمية في أوروبا وفي السياسة الدولية الآن، ذلك الشوق أو الشبق المتبادل بينها وبين ضحاياها الليبيين، ورثة الأجداد الذين عانوا استعمارها ومشانقها ومعتقلاتها وقصف طائراتها، في نموذج متكرر يجد تفسيره في علم النفس، في ما يعرف بـ [متلازمة استوكهولم] التي تفسر وفق أصول علم النفس ظاهرة إعجاب الضحية بالجلاد، وإنجذابها إليه وتأثرها به".
وتابع بعيو "هل ستنجزون في روما أيها الذاهبون إليها ما لم تنجزوه وتقوموا به في طبرق والبيضاء وطرابلس وغدامس وتونس وجنيف، وهل سينتظر الليبيون الغلابى البشرى باعتماد القاعدة الدستورية والقانون الإنتخابي من عاصمة إيطاليا، ويرون خروج الدخان الأبيض من دهاليز الحكومة الإيطالية، مثلما يراه الكاثوليك عندما يتم انتخاب بابا الفاتيكان الجديد خلفاً للبابا الذي مات، وحاشا لله أن نكون نحن الليبيون المسلمون كذلك، ونحن الذين لا ننتظر الفرج إلاّ من الله الذي به وحده نؤمن، وعليه نتوكل، وإليه تهفو القلوب والأفئدة".
وختم بعيو بالقول "ما أتعس هذا الوطن وما أشد مآسيه، هذا الوطن الذي أسوأ ما فيه أعلى من فيه، وأعجز من فيه أكثر مَن فيه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله".