بعد المساهمة في إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي سنة 2011 بمعية قوى غربية وبأيادي حلف شمال الأطلسي، خلع عبد الحكيم بلحاج، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، بزته العسكرية ليستبدلها بملابس مدنية أنيقة مع تحفيف في اللحية الكثيفة، بعد أن تخلى عن الكلاشنيكوف وتوجه إلى صناديق الاقتراع.
بلحاج واحد من شبان الجهاد الأفغاني الذين غادروا ليبيا في نهاية ثمانينات القرن الماضي إبّان تصاعد العداء ضد السوفييت في حربهم مع الأفغان. تحول من رجل مطارد في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية إلى بطل حمّله ثوار ليبيا لواء تحرير طرابلس.
رحلة الهروب من ليبيا قادت بلحاج إلى حوالي 20 دولة أبرزها باكستان وأفغانستان وتركيا والسودان، رافق خلالها بعض أمراء الجهاد وعلى رأسهم عبدالله عزام.
بعد أحداث سبتمبر2001 صعّدت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من لهجتهم في المنطقة ضد الإسلاميين عموما والعائدين من بؤر التوتر في أفغانستان على وجه الخصوص. وخلال تلك الفترة كان بلحاج يخطّط للسفر من ماليزيا إلى السودان، لكنه وقع في أيدي المخابرات الأميركية الـسي آي إيه سنة 2004 ليتم تسليمه إلى نظام العقيد معمر القذافي خصمه اللدود لينتهي به المطاف في السجن.
منذ ذلك الحين قضى بلحاج فترته السجنية في ليبيا إلى غاية سنة 2010 حيث تم الإفراج عنه في إطار تسوية. إلا أنه، بعد سقوط نظام القذافي وفي ظل الاضطرابات الأمنية التي عاشت على وقعها ليبيا والاتهامات التي لاحقت عبدالحكيم بلحاج لدعم الميليشيات المسلّحة خاصة وأنه كان قائدا عسكريا سيطر على كميات هائلة من السلاح المنتشر في البلاد، ازداد نفوذ الرجل وأصبحت له كلمة في الدوائر السياسية الضيقة منها والمفتوحة.
وانضم بلحاج لاحقاً بالمجلس الأعلى للأمن التابع للمتمردين فيما إنضم الأعضاء الآخرون في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة إلى الحركات الإسلامية وأداروا معسكرات الشباب الدينية والدعوة إلى قوانين الشريعة الإسلامية الصارمة مشيراً إلى قيام سامي الساعدي العضو المؤسس للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة بتأسيس حزب سياسي فيما تم إختيار نائب أمير الجماعة لمنصب نائباً لوزير الدفاع في حكومتين أتت بعد سقوط نظام القذافي.
في هذا الإطار،مدت قطر يد المساعدة إلى بلحاج عبر تقديم التمويل والتسليح له وغيره من المتمردين ضد القذافي. وهذا الدعم القطري المادي والإعلامي، حول بلحاج في غضون سنين من شخصية إرهابية مطلوبة دوليا إلى صاحب ثروة تقدر بالمليارات رغم نفيه لذلك.
وفي تقرير أعده الباحث المصري، ماهر فرغلي، الخبير في شؤون الحركات الإرهابية، أكد أن دعم الدوحة للجماعات والميليشيات المسلحة في ليبيا عبر المجلس العسكري بطرابلس، لم يقف عند الأسلحة والأموال فحسب بل تعداها إلى إرسال جنود كانوا يرافقون زعيم الجماعة الليبية المقاتلة ورئيس المجلس العسكري بطرابلس عبدالحكيم بلحاج أثناء أحداث الإطاحة بنظام القذافي حتى دخل باب العزيزية، مشيرا إلى أن الدعم القطري لم يتوقف عند الدعم السياسي والعسكري بل تجاوزه إلى الدعم الإعلامي سواء من خلال تجنيد قنواتها ومنابرها الإعلامية لتبييض وجوه الجماعات الإرهابية، ووصف عناصرها بالثوار، وكل من يقف ضد مشروعهم بالقوى المضادة للثورة، أو من خلال تمويل مشاريع إعلامية ضخمة على غرار قناة «النبأ» التي يملكها عبدالحكيم بلحاج.
كما وصفت العديد من التقارير الإعلامية العربية والعالمية عبدالحكيم بلحاج بأنه رجل المعادلة القطرية في ليبيا، ويعتبر المقاول الأبرز الذي قام بتجنيد 1000 مواطن ليبي على الأقل ضمن القوات المعارضة لنظام بشار الأسد، وذلك تنفيذا لتوجهات قطرية.
وعندما أعلن الرباعي العربي عن قطع علاقاته مع قطر، أظهر عبدالحكيم بلحاج تعاطفا كبيرا مع النظام القطري، حيث كتب في تغريدة نشرها على موقع تويتر قائلا: أستهجن ما حدث من هجمة تجاه المخلصين لأمتهم وقضاياها. إنه لمن المحزن أن نرى هذه المواقف من عواصم عربية.
وفي خطوة يمكن قراءتها من زوايا مختلفة، أصدر النائب العام الليبي، اليوم الخميس، أمرا بالقبض على رئيس حزب "الوطن" عبد الحكيم بلحاج، وكذلك إبراهيم الجضران، وأشخاص آخرين. وذكر البيان، أن أوامر القبض تأتي استنادا لتحقيقات جارية، ولبلاغات مرفوعة بشأن الهجوم على الموانئ النفطية، والهجوم على قاعدة تمنهنت، وجرائم قتل وحرابة في الجنوب. وأضاف أن أوامر القبض استندت أيضا لبلاغات محالة لمكتب النائب العام بشأن استعانة ليبيين ببعض عناصر المعارضة التشادية والسودانية والاشتراك مع بعض عناصرها في القتال بين الفرقاء الليبيين. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تجاه بلحاج بالذات وهو الشخصية التي طرحت عديد الإشكاليات داخليا و خارجيا لا يمكن قراءاتها خارج هاذين السياقين.
فداخليا، هذه الخطوة ربما تمهد لتشكيل مشهد سياسي جديد يستبعد أن يكون للإسلاميين دور كبير فيه خاصة و أنه من المتوقع أن تكون سنة 2019 سنة الحل السياسي الليبي. أما خارجيا، فإن الحماس الدولي في إتجاه الرهان على الإسلاميين أصبح يتضاءل شيئا فشيئا خاصة و أنهم أثبتوا فشلا ذريعا في تسيير الأمور منذ أن سلمت لهم السلطة في أقطار عديدة بعد 2011.
من ناحية أخرى فإن، حسم الملف السوري و الاتجاه نحو تسوية داخلية وخارجية وإبعاد الذراع الإسلامي يدخل في نفس السياق في ظل مساهمة أغلب الإسلاميين المتسلمين للسلطة في تحويل دولهم لدول فاشلة تهدد أصلا الدول الغربية.