نشرت وكالة بلوبيرج للأنباء تقريرا حول التدخل التركي في ليبيا، واصفة الأمر بالمقامرة الضخمة والمحفوفة بالمخاطر.
وقالت بلومبرج، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأ بإرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق المحاصرة، وهدف تركيا هو حماية طرابلس ومساعدة حكومة الوفاق-المعترف بها من قبل الأمم المتحدة -على البقاء في السلطة.
ومن وجهة نظر أنقرة هذه في جوهرها خطوة دفاعية تهدف إلى تحقيق حالة من الجمود العسكري في ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. وترى تركيا أن تدخلها سيغير الموقف بحيث تضطر الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات ويمهد الطريق لتسوية سياسية قبل وقت طويل.
والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت هذه الخطط ستصمد في مسرح مزدحم تشارك فيه جهات فاعلة أخرى وتعمل بنشاط ضد أهداف تركيا.
والدافع وراء مغامرة أردوغان العسكرية في ليبيا هو الرغبة في حماية اتفاق ثنائي أبرم في ديسمبر الماضي مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط. ولسنوات كانت تركيا على خلاف مع اليونان وقبرص بشأن حقوق شرق المتوسط. بما أن تركيا ليست طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 فإنها لا تعترف بالجرف الإقليمي الممتد والمناطق الاقتصادية الخالصة الممنوحة للجزر بموجب الاتفاقية.
وتجري تركيا واليونان مفاوضات منذ أكثر من نصف قرن للتوصل إلى تسوية مقبولة للطرفين في نزاعهما حول تقاسم الموارد في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط. ويتفاقم النزاع بسبب الانقسام السياسي المستمر في قبرص بتصميم تركيا على ضمان حصة عادلة من الفوائد المالية المحتملة للقبارصة الأتراك.
وفي السنوات الأخيرة أدت سياسة أنقرة الإقليمية المشؤومة إلى جانب دعمها غير المشروط للإخوان المسلمين إلى قطيعة بين تركيا من جانب ومصر وإسرائيل من جانب أخر. ونتيجة لذلك تواجه تركيا مجموعة من الدول في المنطقة حريصة على الاستفادة من الموارد الطبيعية لشرق المتوسط بما يضر بمصالح تركيا.
وبالنسبة لأردوغان فإن الصفقة مع ليبيا هي صيغة لكسر عزلة تركيا وكسب التأييد لمحاولتها لما يعتبره توزيعًا أكثر عدالة للموارد البحرية في شرق البحر المتوسط.
لكن صفقة ديسمبر جاءت مع مقايضة: مقابل توقيعها طلبت حكومة الوفاق الوطني دعمًا عسكريًا من أنقرة ضد حفتر. وبالنظر إلى الأمور من منظور أكبر فأن الانخراط العسكري التركي في ليبيا هو ثمن فشل سياساتها الإقليمية التي عرّضت المصالح الجيوسياسية طويلة الأجل للخطر.
ومخاطر الحكومة التركية ذات شقين. أولاً هناك خطر محلي فعلى عكس العملية العسكرية في سوريا فإن الجهود الاستكشافية في ليبيا لا تحظى بدعم شعبي كبير. في استطلاع جديد أجرته شركة إسطنبول للأبحاث الاقتصادية -شركة متخصصة في استطلاعات الرأي-أيد 34٪ فقط من المشاركين القرار، بينما عارضه 58٪. ويمكن أن يكون للحملة المطولة في ليبيا عواقب سياسية وخيمة في الداخل خاصة إذا كانت هناك خسائر تركية.
والخطر الثاني هو الخطر التنفيذي بالنسبة للجيش التركي. إذ ستعمل الكتيبة التركية بعيدًا عن الوطن دون أي حل واضح لاحتياجاتها اللوجستية ضد عدو يتمتع طرق إمداد مفتوحة. وهناك عائق رئيسي آخر يتمثل في الافتقار إلى التفوق الجوي: لن تكون المركبات الجوية بدون طيار التي تديرها تركيا منافسة لسلاح الجو الخاصة بالجيش الليبي...
وإدراكًا من أوجه القصور هذه تحرص أنقرة على الحفاظ على دور غير قتالي حيث تشارك الوحدات التركية فقط كمستشارين عسكريين أو كمشغلين للأصول الاستراتيجية مثل الحرب الإلكترونية والمركبات الجوية غير المأهولة. يجب أن يتم القتال من قبل قوة تابعة لمقاتلي الجيش السوري الحر. ويبدو أن النجاح العسكري للحملة السورية الأخيرة قد أقنع صانعي السياسة الأتراك بأن هؤلاء المحاربين بالوكالة يمكن أن يكونوا فعالين في ليبيا حيث معظم الفصائل المتحاربة هي ميليشيات.
وسيتم اختبار خطط تركيا بشدة. وقد ترى الحكومات الأخرى الداعمة للجيش الوطني الليبي تورط تركيا فرصة لإيذاء أردوغان الذي يتهمونه بدعم الإسلاميين على النقيض من حكوماتهم.
لذلك سيتوقف الكثير على ما إذا كانت القاهرة وأبو ظبي ستقرران التصعيد عسكريا. ولاستباق مثل هذه النتيجة تواصلت تركيا مع روسيا على أمل الحصول على دعم موسكو لإعادة إحياء التسوية السياسية في وقت مبكر. ودعا أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين أمس إلى وقف إطلاق النار في ليبيا يوم 12 يناير ولكن ليس من الواضح ما إذا كان المتحاربون سوف يلتفتون لذلك أم لا. وفي الواقع يظل تأثير روسيا في ليبيا محدودًا مقارنةً بنفوذ مصر.
وفي نهاية المطاف سيعتمد نجاح استراتيجية تركيا على مصداقية التزامها تجاه حكومة الوفاق الوطني وفعالية ردعها العسكري. وسيتعين على أردوغان إقناع قادة الحكومات المعارضة وحفتر بأنه سيفعل كل ما هو ضروري لحماية حكومة الوفاق.