وثّق رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق، ومرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة، علي بن فليس، تفاصيل التزوير الذي طال استحقاق 17 أبريل الماضي، في كتاب أبيض، ضمّنه مختلف مراحل التزوير بداية من إعداد قوائم الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان عن النتائج، مرورا بمحاضر الفرز وطواقم التأطير ومكاتب الاقتراع.

أدخل المعارض السياسي، علي بن فليس، أسلوبا نضاليا جديدا في الجزائر، بإصداره “الكتاب الأبيض” حول تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي وثق لأول مرة ممارسات السلطة في التلاعب بتنظيم وتحديد نتائج الانتخابات التي جرت في 17 أبريل الماضي، حيث ضمنه تفاصيل التزوير ابتداء من إعداد قوائم الهيئة الناخبة إلى غاية الإعلان عن النتائج خلال الاستحقاق الأخير.

واعتبر بن فليس كتابه، خلال عرضه لأول مرة على وسائل الإعلام، بـ”البادرة الفريدة من نوعها في التاريخ السياسي الجزائري وأسلوبا من أساليب الممارسة السياسية السليمة”.

وأضاف: “الكتاب الأبيض هو التزام بعهد قطعته على نفسي أمام المواطنين، غداة الإعلان عن نتائج الاقتراع الرئاسي، لكشف التزوير الذي شاب العملية الانتخابية لأهم اقتراع سياسي في البلاد”.

وتابع: "التزوير أصبح مؤسسة قائمة بحد ذاتها لتمكــين النظام الســياسي القائـــم مـــن الاســـتفحال والبقاء رغم أنــف الجمــيع".

وتحدث بن فليس عن عدة مشاكل واجهها مشروع “الكتاب الأبيض”، تمثلت في خمس نقاط مهمة أولها، حسب تعبيره، “الخوف من الانتقامات” أو ما أسماه “ثأر الجهاز السياسي- الإداري” بعد الكشف عن وقائع دقيقة وشهادات متطابقة وتقارير مفصلة تصّب كلها في إثبات بلوغ التزوير أثناء الاستحقاق الرئاسي الأخير قمما في الانتشار والتعقيد والابتكار في أساليب التحايل.

وثانيها ما وصفه بقانون “الصمت” الذي ينتجه ارتكاب المكروه في كل أنحاء المعمورة، وليس في الجزائر وحدها، ضمن منظومة تنشط فيها مؤسسات جمهورية، وكذلك إدارات وطنية ومحلية وآلاف المنتخبين والمستخدمين من إطارات الدولة، وهؤلاء مجبرون على أن يكونوا أدوات في خدمته لا لشيء سوى لأن الغلبة في هذا الأمر لقانون الصمت.

والنقطة الثالثة تمثلت في الضبابية التي تطبع المسارات الانتخابية في الجزائر منها رفض الجهر بالسجل الانتخابي، وهو أمر عادي في الديمقراطيات باستثناء الجزائر، التي تنظر إلى الأمر على أنه من مكونات السيادة.

أما المشكل الرابع فقد لخصه بن فليس في التزوير الذي ينطلق مع مرحلة إعداد السجل الانتخابي وينتهي بإعلان نتائج محددة مسبقا من طرف اــلجهاز السياســي- الإداري.

ويتعلق المشكل الخامس والأخير بمسألة نشر الكتاب الأبيض، وتحدث بن فلس في هذا السياق، عن ضغوط خارجية حالت دون إمكانيـــة نشره بالشكل المطلوب، لكــنه لــم يفصـــح عــن شـــكل وهـــوية تـــلك الضــغوط.

وأكد أن نتائج رئاسيات 17 أبريل “مغشوشة” وذلك من أجل الإبقاء على حالة شغور السلطة، ليتمكن رجال بوتفليقة من السيطرة والتحكم في دواليب الدولة وتمرير قوانينهم وأحكامهم.

وأضاف: “الشغور في منصب رئاسة الجمهورية اتضح للعيان واكتملت فيه كل الأركان المادية والقانونية والسياسية، التي قادت إلى استخلاف سلطة الدولة بسلطة جماعات ضغط ونفوذ ومصالح وتبعثر مركز القرار الوطني”، في إشارة إلى تمييع القرار بين جهات مجهولة لكنها نافذة داخل مؤسسة الرئاسة.

وقال مراقبون في الجزائر، إن “الكتاب الأبيض” لتزوير الانتخابات في الرئاسيات الأخيرة، هو خطوة إيجابية نفذتها المعارضة في طريق ممارسات السلطة للبقاء في مواقعها، لكن لا ينتظر منها تحقيق أي ضغط، إذا لم تلحق بخطوات أخرى تجبر المزوّرين على دفع ثمن التلاعب بإرادة الشعب، لاسيما وأن التزوير صار ثقافة مكرسة في مختلف الاستحقاقات وليس في الاستحقاق الرئاسي الأخير فقط.

ويقول رشيد حمليل، أستاذ العلوم السياسية والإعلامي، في تصريح نشرته صحيفة”العرب”: إن “بن فليس فسّر الماء بالماء، وكل الجزائريين يعرفون تزوير الانتخابات، وهو أحد العوامل الرئيسة لعزوفهم عن الإقبال على صناديق الاقتراع في مختلف الانتخابات”.

وأضاف: “التزوير لم يمس الانتخابات الرئاسية الأخيرة فقط، بل مس كل الانتخابات منذ الاستقلال إلى اليوم ما عدا الاستفتاء على الاستقلال الوطني وانتخابات مطلع التسعينيات، فإن كل الاستحقاقات كانت مزورة لدواعي رؤية النظام في تمرير مشاريعه”.

وأكد المتحدث، أن “التجربة من حيث التوثيق تعتبر مفيدة وهي تحول في مسار المعارضة، لكنها تبقى دون مفعول إذا لم ترفق بأفكار أخرى تلجم ممارسات السلطة وتجتث ثقافة تأصلت في المجتمع السياسي الجزائري، فليس السلطة وحدها التي تزور الانتخابات، فحتى أحزاب بعينها ومستقلون يمارســون التزوير متى أتيحــت لهم الفرصة”.