عن منشورات المعهد التونسي للعلاقات الدولية، يصدر هذا الأسبوع في تونس، كتاب "بنادق سائحة: تونسيون في شبكات الجهاد العالمي"، للزميل الصحفي، أحمد نظيف، مدير تحرير بوابة إفريقيا الإخبارية. يعالج الكتاب قضية هجرة الشباب التونسي إلى بؤر التور في العالميين العربي والإسلامي. إذ يختار نظيف، الزاوية التاريخية للولوج لهذه القضية، التي شغلت الرأي العام المحلي والدول، كثيراً خلال المدة الماضية ومازالت، لجهة أن التونسيون هم الأكثر حضوراً على جبهات القتال في سورية وليبيا والعراق.

ففي تسعة فصول ومجموعة من الملاحق يرافق أحمد نظيف الهجرات القتالية التونسية الجهادية منذ بداياتها خلال الحرب الأفغانية نهاية سبعينات القرن الماضي وصولاً إلى الأزمة السورية الراهنة، مروراً بحرب البوسنة والشيشان العراق وتفجر الخلايا التونسية في أوروبا في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. وفي الفصول اللاحقة يحاول الكاتب تسليط الضوء على شبكات التجنيد وارتباطاتها السياسية والإقليمية في ليبيا وسورية، مشيراً إلى وجود تقاطع لمصالح دولية وإقليمية وأن الأمر ليس مجرد تأثر ديني لبعض الشباب دفعهم إلى المحرقة مستنداً في ذلك إلى دروس التجربة التاريخية. مؤكداً بأن هذه الهجرات القتالية ليست وليدة اليوم، بل لها نظائرها في التاريخ المعاصر.

ويحذر الكاتب من خطورة هذه "البنادق السائحة" مستقبلاً مشيراً إلى ذلك في مقدمة الكتاب:" فهذه «البنادق السائحة»، وإن هاجرت طويلاً وابتعدت، فإن لها يوماً ما رجوعاً إلى منشئها ولن يكون ذلك العود أحمدُ قطعاً، كما حدث في تجارب عديدة لعل أقربها إلينا «جزائر التسعينات» الدامية، ويبقى المستقبل مفتوحاً على تجارب أخرى في الأفق القريب أو المتوسط. فالصراعات في سوريا وليبيا والعراق ستكون لها نهاية يوماً من الأيام وآلاف المقاتلين التائهين هناك، والذين تعودوا بأجواء الحرب والقتال سيبحثون عن ساحات أخرى لحربهم المقدسة وسيجدونها بمساعدة نفس القوى التي هيأت لهم الحرب الأولى. نحن ندور في هذه الحلقة الدامية منذ العام 1979 من أفغانستان إلى البوسنة فالشيشان ثم العراق مروراً بالصومال ورجوعاً إلى أفغانستان واليوم سوريا وليبيا واليمن."

ويختم الكاتب:" لكن «الجهادي» ليس كائناً غريباً نزل فجأةً على كوكبنا، هو حصيلة فشلنا الجمعي والفردي، هو التجلي الواضح للفشل الذي عشناه وما زلنا نعيشه، لجهة علاقتنا بالله وبالدين وبالحاكم وبالآخر المختلف ديناً وعرقاً، صديقاً كان أو خصماً. وسنواصل، للأسف، السير في درب الفشل مالم نُقرر التغير، ولن نُقرر ذلك ما لم نتحمل مسؤوليتنا عن الفشل والكف عن البحث عن شماعات نُعلق عليها خيباتنا المتراكمة في العائلة والمجتمع والدولة. ولن ننجح في التغير ما لم نُفارق نزعة الماضوية والنحيب ونفكر في الحلول بدلاً من البكاء على النتائج ونضع هذه الحلول في حيز التطبيق. صار هذا أمراً ضرورياً لوجودنا وليس بذخاً فكرياً، فقد أصبحنا وحالنا هذه، خطراً على وجودنا وتهديداً لوجود الآخرين. "