يزداد الوضع في مخيّم الشّوشة للاجئين ببن قردان التونسيّة الحوديّة مع ليبيا سوءًا يومًا بعد آخر خاصة مع إغلاق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للملف و تهديدات السلطات التونسية بغلق المخيّم بصفة نهائية ،فالمخيم الذي أنشئ خلال الحرب الأهلية الليبية 2011 يسكنه لاجئون ينحدرون من جنسيات مختلفة نزحوا من ليبيا بسبب الحرب الأهلية الليبية طيلة العام 2011 حيث إستقبل المخيم الذي يقع على بعد أكثر من 20 كيلومترا عن قلب مدينة بن قردان لاجئين من قرابة العشرين بلدًا كالسودان و اريتريا و التشاد و الصومال و أثيوبيا و باكستان و فلسطين تم ترحيل عدد كبير منهم الى بلدان اوروبية و ترحيل آخرين الى بلدانهم الأصلية فيما يرفض من تبقّى منهم مسألة الإدماج في تونس التي إقترحتها السّلطات التّونسيّة ،و يشتكي سُكّان المخيّم من غياب تام لكلّ المرافق الضّروريّة للحياة من ماء ة كهرباء و رعاية صحيّة ،و تحدّث الكثيرون منهم عن حالات ولادة و وفاة بدون أي تدخّل طبّي في عراء الصّحراء معزولين عن المدينة و عن العالم و سط الغبار و المطر و الريح على حدّ تعبيرهم .
تحدّث الكثيرون منهم لــ"بوابة إفريقيا الإخبارية" و تكلّموا عن الوضع المأساوي الذي يعيشه المخيّم خاصة في الجهة التي يقطنها من لم يتحصّلوا على حق اللجوء ،فالمخيّم مقسّم حسب ما صرّح لنا اللاجؤون الى قسمين :قسم يقطنه الذين تحصّلوا على حق اللاجوء من المفوضيّة و يتمتّعون بالقدر الأدنى من التغطية الصحيّة و المأكل و الملبس الذي يوفّره لهم الهلال الأحمر و قسم ثاني يقطنه "المرفوضون" أو من لم يتحصّل على حق اللاجوء و هؤولاء يعيشون وضعًا مأساويًا و كارثةً إنسانيّة حقيقيّة حيث لا تتوفّر عندهم أي مقوّمات الحياة في شروطها الدّنيا فلا ماء صالح للشّرب و لا كهرباء و حتّى الخيام التي تحصّلوا عليها منذ قدومهم الى الشوشة في مارس/آذار 2011 بفعل المناخ و الشمس و المطر و الرّيح و لم يقع إستبدالها ما إضطر الكثير منهم الى خياطة الأقمشة لتقيهم الحر و البرد و الغبار .
قبل الوصول الى المخيّم المقطوع عن العالم في منطقة بعيدة شبه معزولة على طّريق معبر راس جدير ،التقينا وسط مدينة بن قردان مجموعة من الشباب الذين ينزلون يوميا الى هذه المدينة من أجل البحث عن عمل في حضائر البناء أو أي عمل يومي آخر يوفّر لهم ما يعيلهم و ما يضمن لهم لقمة العيش أو ما يعيل أطفالهم و نسائهم الملتحفين بالجوع و العراء في المخيّم/المأساة
موسى حامد لاجئ تشادي الجنسيّة يقيم في مخيّم الشّوشة منذ مارس/آذار 2011 تحدّث لــ"بوابة إفريقيا الإخبارية" عن الوضعيّة التي يعيشها و العشرات من أمثاله حيث أكّد بأنّ :" مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أغلقت ملفّاتهم بدون سبب" على حدّ قوله.
و أضاف موسى بالقول "نحن قادمون من بلاد فيها مشاكل و ليبيا نفسها فيها مشاكل ،و قد لجئنا الى تونس من أجل الحصول على حماية ،و هو ما لم نحصل عنه من المفوّضيّة ،حيث عنا الماء و العلاج و الحالة سيئة جدًّا ،و الصّورة في المخيّم لا توصف" وفق تعبيره ،و أكّد موسى بأنّهم وجدوا أنفسهم مكرهين أمام غلق ملفّاتهم من جانب المفوّضيّة على الإختيار بين العودة الى ليبيا التي تواجه مشاكل في نظره و لا يمكن العودة اليها أو البقاء هنا في العراء في مخيّم يفتقد لأدنى شروط الحياة رغم أن أهالي بن قردان و "الإخوة التوانسة ما قصّروا معانا" مضيفًا بأنّهم لا يستطيعون العودة الى بلادهم التشاد بسبب مشاكل سياسيّة متعلّقة بهم في علاقة بالنّظام الحاكم على حدّ قوله .
و إجابة عن سؤالنا حول الوضع الإنساني داخل المخيّم قال موسى حامد :"الوضع صعب جدًّا حيث لا يوجد علاج و الهلال الأحمر لم يعد يتعامل معنا لأنّنا "مرفوضون" أي لم نتحصّل على حقّ اللجوء ،و المفوّضيّة رفعت أيديها عنّا و أوكلت أمرنا للسّلطات التّونسيّة لتتخّذ في شأننا ما تراه مناسبًا"
و أضاف موسى بأنّ عددًا قليلا من التشاديين لا تجاوز الإثنين أو الثلاثة تحصّلوا على صفة اللجوء في حين رفض البقيّة الذين إختار بعضهم العودة الى ليبيا و عدد كبير منهم تم إيقافه و لم يعلمو عنهم شيئا حتّى الآن ،في حين سافر البعض الآخر الى أوروبا عبر البحر في هجرات سريّة منهم من وصل الى إيطاليا و منهم من توفيّ غرقا في البحر.
أمّا حسين محمّد و هو لاجئ سوداني فصرّح لــ"بوابة إفريقيا الإخبارية" بأنّهم "منذ العام 2011 و هم يسكنون مخيّم الشوشة في ظروف قاسية جدًّا ،و قد تكلّموا في عشرات بل مئات القنوات و الإذاعات و وسائل الإعلام التّونسيّة و الأجنبيّة و إتّصلوا بكل الجهات المعنية و أنّهم لم يتحصّلوا على أي ردّ أو تفاعل إيجابي أو سلبي" وفق تعبيره ،و أضاف حسين "لم نترك جهة مسؤولة ذات علاقة بوضعنا كلاجئين لم نتصّل بها ،حتّى أنّنا في آخر مرّة قد أرسلنا وفدًا الى المفوّضيّة فحبستهم السّلطات التّونسيّة" على حدّ قوله .
عند وصولنا الى مُخيّم الشوشة على بعد أكثر من 20 كيلومترا على قلب مدينة بن قردان وجدنا العشرات من اللاجئين الذين تحدّثوا بمرارة عن وضعيتهم المأساويّة داخل هذا المخيّم ،حيث تحدّثوا عن غياب الرّعاية الطبيّة و الماء الصالح للشراب و عدم توفّر ما يلزم من التغذية و الدّواء خاصة للأطفال و النّساء و كبار السن من شيوخ و عجائز .
و حدّثنا اللاجؤون عن حالة مارتن ادريانو اللاجئ الجنوب سوداني الذي توفي بعد بتر ساقه نتيجة الإهمال و عدم الرعاية الطبيّة و تأخّر التدخّل الطبّي و أنّه توفيّ منذ أكثر من الأسبوعين و لا يعلمون شيئا عن عملية دفنه خاصة و أنّه كان قد طلب من زملائه اللاجيئن ان لا يدفن في تونس و أن يبحثوا عن سبيل لنقله الى جنوب السودان ودفنه هناك و أكّد لنا البعض بأن مارتن كان قد تقدم بطلب العودة الطوعية لدى المفوضية السامية لشئون اللاجئين في عام 2012 الي بلده جنوب السودان و بقي متمسكا بطلب الرحيل حتى بعد بتر رجله.
إبراهيم إسحاق بريمة سوداني من دارفور تحدّث عن ما أسماه "التمييز العنصري" من قبل مفوّضيّة الأمم المتحدة في التعامل مع ملفات اللاجئين حيث قال لــ"بوابة إفريقيا الإخبارية" :"المفوضيّة مارست 'التمييز العنصري' و أنّ كل من يتكلّم اللغة العربيّة لم يتحصّل على صفة اللجوء ،حيث أنّ اللغة و الإنتماء العرقي هو السبب الرئيسي –حسب رأيه- في عدم حصولهم على اللجوء،و بأنّ لديهم نساء و أطفال رُفض مطلبه بسبب أنّهم فقط لا يتكلّمون إلاّ اللغة العربيّة ،و أنّهم ينتمون لقبائل عربيّة من دارفور" وفق تعبيره .
التسوّل على الطّريق مصدر الرّزق الوحيد ،و غلق معبر راس جدير يأزّم الوضع :
على مقربة من المخيّم و على الطّريق الرّابط بين بن قردان و معبر راس جدير وجدنا خديجة النور من التشاد مع إبنتها بتول الصليل و حفيدتها الصّغيرة خديجة أحمد ،يوقفون السيارات من أجل التسوّل و طلب الماء و الغذاء و بعض الدّنانير القليلة التي قد يجود بها عليهم أهل الخير في هذه المنطقة الصّحراويّة المعزولة ،و تحدّثت خديجة عن حالات مرض لم يسعفها الهلال الأحمر بالعلاج بسبب وضعيتهم كــ"مرفوضين" من قبل المفوّصيّة و أن نساء كثيرات لم يامكنّ من الذّهاب الى المستشفى من أجل الولادة بسبب هذا الأمر و في ظلّ غياب تام لأي مقومات طبيّة أو وقائية فضلا عن الدّواء داخل المخيّم .
خديجة إمرأة كبيرة و مسنّة و تشكو من عديد الأمراض على حدّ قولها و لا معيل لها و لبناتها غير التسوّل و الشحادة على الطّريق ،إبتنها البتول التي لم تتجاوز العشر سنوات لم يقدر الجوع و لا الخصاصة على محو إبتسامة البراءة من على وجهها في حين هربت خديجة الصّغيرة من التّصوير و رفضت بخوف الحديث معنا ،تجلس مع إبنتها و حفيدتها على هذا الكرسي في انتظار سيارة مارة عساها تتوقّف و تستجيب لطلباتها البسيطة في شيء من الغذاء أو اللباس أو المال.
"ككل يوم هذا مكاننا الذي نتسوّل منه و نطلب العطايا من المسافرين و العابرين الذين يجودون كل حسب مقدوره علينا بما لا يسدّ رمقنا و لا حاجتنا –تقول خديجة النور- اليوم مثلا هذا ما تحصلنا ديناران و بعض العطايا ،حفاظات أطفال و قارورتي ماء و بعض الحلوى للأطفال ، الحمد لله على كلّ حال غيرنا لا يحصل حتّى على مثل هذا ،و ننتظر من السلطات التونسيّة و من منظّمات حقوق الإنسان أن تلتفت الينا و أن تفتح ملفنا و تحل مشكلتنا في أسرع وقت ممكن لأنّنا و منذ ثلاث سنوات و نحن نعيش هذه الحالة من البؤس و الفقر و المرض و الخصاصة" .
و تضيف خديجة "غلق معبر رأس جدير و ضعف حركة المرور التي إنجرّت عن ذلك أثّرت كثيرا علينا ،فقد نقصت مواردنا كثيرا و لم نعد نحصل إلا على القليل و لو تواصل الأمر على هذا الحال فإنّ مصيرنا سيصبح أكثر مأساويّة ،فالوضع يزداد كل يوم تعقيدا و الحالة تسوء من يوم الى آخر و لا حل يبدو لنا في الأفق أو في المنظور القريب غير رحمة الله" وفق تعبيرها.
هذا و يذكر أنّ ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاّجئين اوسينى كومباوري ،كان قد أفاد في سبتمبر من العام الماضي بأنّه في إطار برامج مشتركة مع بعض البلدان المضيفة ، تعمل المفوضية حاليا على إعادة توطين العدد الباقي من اللاجئين في « مخيم الشوشة » والمقدر عددهم بـ 512 لاجىء ، في بلدان غير بلدانهم مع الإشادة بالدور الذي تقوم به كل من وزارة الشؤون الإجتماعية والتربية التونسية من خلال ادماج بعض اللاجئين في الحياة الإجتماعية وفق ما نقلت بعض المصادر الإعلاميّة.