جبل الشعانبي هو أعلى قمّة جبليّة في البلاد التّونسيّة و يقع على الحدود الغربية مع الجزائر ،و تنسب الأساطير تسمية الجبل إلى إسم رجل جاء يبحث عن الكنوز في تلك المنطقة ،و كان في كلّ مرّة يحفر حفرة فلا يجد الكنز فيغرس فيها شجرة صنوبر ،حتّى كسى الجبل بهذه الشّجرة التي تعتبر من الخصائص الطبيعية للمنطقة .
قد يكون لهذه الأسطورة جذور ما أو دلالة رمزيّة معينة و لكنها في الحقيقة لا يُمكن أن تُعتمد كتفسير علمي و لا كمرجع تاريخي موثوق ،غير أنّ الثّابت في كلّ هذا أن جبل الشّعانبي هو أعلى قمّة في تونس و يبلغ إرتفاعه 1500 متر و هو عبارة عن منطقة غابية و محميّة بيئية رائعة صنّفتها اليونسكو منذ العام 1977 كمنطقة طبيعيّة .
كما أنّ جيل الشعانبي بخصائصه الغابية الكثيفة و كبر مساحته و صعوبة مسالكه و إرتفاع قمّته ،و أيضًا كذلك و خاصة ملاصقته للحدود الجزائريّة قد تحوّل منذ إبريل/نيسان من العام الماضي حصنا و قاعدة عمليات لمجموعات "جهاديّة" مسلّحة بدأت بزرع الألغام و تفجيرها و صولا الى نصب الكمائن لعناصر الجيش الوطني التونسي و ذبحهم و التنكيل بجثثهم .
في ال11 من إبريل/نيسان الماضي أعلن الجيش التونسي منطقة الشعانبي و جبال السلّوم و سمامة القريبة منطقة عسكريّة مغلقة يمنع دخولها إلى حين إنتهاء العمليات العسكريّة التي لم يعلن عن موعدها الى حدّ الآن ،رغم أنّ كلّ الأخبار و التصريحات الرسمية تتحدّث عن تقدّم كبير للجيش التونسي خاصة على مستوى تفكيك الألغام و تفتيش المخابئ و قصف المناطق المشبوهة .
توصف هذه العمليّة البريّة الواسعة التي دخلها الجيش التّونسي بالأكبر في تاريخه من حيث حجم الحشد العسكري على مستوى الأفراد و العتاد ،فلم يسبق للجيش التونسي منذ تأسيسه الدّخول في عمليّة عسكريّة بهذا الحجم ،و قد طُرح السّؤال أكثر من مرّة من قبل الخبراء و الإعلاميين و المتابعين عن قدرة الجيش التونسي على انهاء وجود هذه العناصر الإرهابية و قدرته اللوجستيّة على تفكيك الألغام و رصد الأشخاص و عن كفاءة مخابراته و أجهزته الرّقابية و الوقائية و حتّى عن إمكانياته العسكريّة و الحربية ذاتها خاصة مع تكرّر العمليات الإرهابية التي إستهدفت عناصره و عناصر الأمن و الشّرطة و حتّى المدنيين .
و تأتي هذه العمليّة للجيش التّونسي في إطار الجواب ربّما على هذه الأسئلة جميعها من خلال إصرار مُعلن على إجتثاث هذه العناصر و إعادة الحياة الى الجبل بشكل طبيعي حيث أنّ وجود هذه العناصر و الخوف من الألغام المزروعة ثمّ إعلان المنطقة منطقةَ عسكريّة مغلقة ثانيًا قد أثّر على الكثير من القطاعات الإقتصاديّة الحيويّة في المدينة كالفلاحة و مساحات الرّعي لأصحاب المواشي و على منتجي النّحل و جامعي الحلفاء و غيرها من الأنشطة التي تأثّرت بطريقة أو بأخرى كما بيّنا ذلك في تقارير سابقة .
و قد تنقّلت "بوابة إفريقيا الإخباريّة" إلى جبل الشعانبي ،و حاولنا الإقتراب أكثر ما يمكن من الجبل المترامي الأطراف لنقل الصّورة و الوقوف على طبيعة العمليات ،و قد إقترابنا الى آخر نقاط المنطقة العسكريّة المغلقة تحديدا من جهة طريق تالة ،و ما يمكن ملاحظته بالعين المجرّدة هو الإنتشار العسكري الكثيف على سفوح الجبل ،و وجود نقاط عسكريّة كثيرة ظاهرة و انتشار كثير للآليات العسكريّة من سيارات مصفّحة و شاحنات .
يقول أهالي القصرين بأنّ الأرتال العسكريّة التي مرّت بالمدينة قبل بداية العملية لم يشاهدوها من قبل ،و كلّهم أو جلّهم يعلنون صراحة مباركتهم لهذه العمليّة التي يجب أن تنهي في أسرع وقت مكن حسب رأيهم ،لأنّ مدينة القصرين تأثّرت على كل المستويات من هذه الأعمال الإرهابيّة التي شوّهت صورة المدينة لدى المستثمرين و السيّاح ما انعكس على الوضع الإقتصادي المتأزّم بطبيعته في المنطقة ،و رغم إصرار الجميع على موقف واحد و هو الإستعداد لمواجهة الإرهاب و عدم الخوف منه ،لكن نسق الحياة في المدينة –يقول الكثيرون- قد تأثّر بفعل هذه الأحداث فالمدينة صارت تنام باكرًا و التجّار و أصحاب الأغنام و المواشي و الفلاّحون في المناطق الريفية خاصة صاروا لا يخرجون الى أعمالهم إلا بعد شروق الشّمس خوفا من عمليات غادرة قد تستهدفهم تحت جنح الفجر .
الشعانبي زاد الوضع الإجتماعي و الإقتصادي تعقيدا في المدينة ،و التأثير واضح كما ذكرنا على كلّ القطاعات تقريبا ،و قد حدّثنا السيّد عدنان عامري عضو المكتب الجهوي للإتحاد العام التونسي اللشغل بالقصرين عن مدرسة إبتدائية توجد داخل المنطقة العسكريّة المغلقة بحيث أن التلاميذ الصغار و المعلّمين يصلون الى المدرسة و يعودون منها تحت حماية الجيش الوطني ،و مثل هذه التفاصيل و الأشياء لا يمكن أن تكون ظروف دراسة طبيعية و لا شكّ أنّ لها تأثيراتها على نتائج هؤولاء التلاميذ و على نفسياتهم و ربّما حتّى على مستقبلهم أيضًا.
هذا و قد صرّح العميد توفيق الرحموني الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني اليوم الجمعة 9 ماي 2014 بأن العمليات العسكرية تتواصل بجبل الشعانبي طبقا للخطة العملياتية المقررة مع توسيع نطاق السيطرة والمراقبة بجبال السلوم والسمامة وذلك باستعمال الوسائل البرية والجوية .
وأكّد الرحموني في تصريح أدلى به اليوم الجمعة لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن الأهداف الحالية للعمليات العسكرية بجبل الشعانبي تتمحور حول التصدي لكل محاولات الخروج أو الدخول للعناصر الإرهابية داخل المنطقة العسكرية المغلقة مبينا أن الوحدات المنتشرة تقوم بتنفيذ رمايات على المواقع المشبوهة والأهداف التي يتم كشفها.
وأفاد في السياق ذاته بان الوحدات العسكرية مازالت ترصد من حين إلى آخر بعض التحركات المشبوهة بالمنطقة الغابية ويتم الرمي عليها بواسطة الأسلحة المشتركة. على حدّ قوله .
هذا و يذكر أن وزارة الدّفاع التونسية كانت قد أعلنت منذ 11إبريل/نيسان الماضي منطقة الشعانبي في محافظة القصرين وسط غربي البلاد و الجبال المجاورة لها منطقة عسكريّة مغلقة على خلفية الأعمال العسكريّة الجارية في المنطقة الجبلية التي يتحصّن بها عناصر جهادية مسلحة.
و يذكر أيضًا أن الأحداث في جبل الشعانبي قد بدأت منذ إبريل من العام الماضي حيث بدأت عمليات زرع الألغام و تفجيرها في المنطقة الجبلية الحدودية مع الجزائر ،و كانت أكثر العمليات دمويّة في ما يعرف بــ"سلسلة جبال الشعانبي" هي تلك التي حدثت في في 29 يوليو 2013 حيث قتل 8 جنود في كمين مسلح ،وأعلنت بعدها تونس الحداد لثلاثة أيام ، كما أعلن بعدها وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أن وزارته تعرّفت على جميع عناصر المجموعة المنفذة لأحداث الشعانبي وهم تونسيون وجزائريون ينتمون لخلية عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
التسلسل الزمني لأحداث الشعانبي
8مايو 2013: قال رئيس الحكومة علي العريض أمام جلسة للمجلس الوطني التأسيسي أن عناصر من المجموعة المسلحة التي قُبض عليها هم من ضمن الأشخاص الذين تبحث عنهم الحكومة.
8 مايو 2013: وقال وزير الداخلية لطفي بن جدو أنه تم إيقاف عنصرين من كتيبة عقبة بن نافع. وقال أن اجمالي المعتقلين يبلغ 37 لحد ذلك اليوم وينتمون لكتيبة عقبة بن نافع ولهم ولاء للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
31 مايو 2013: عقد المتحدث الرسمي بإسم وزارة الداخلية مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن القائمة الإسمية للمتورطين في أحداث جبل الشعانبي مرفوقة بصورهم من بينهم زعيم أنصار الشريعة في تونس سيف الله بن حسين الملقّب بأبو عياض وكمال القضقاضي المتهم الرئيس باغتيال السياسي شكري بلعيد، إضافة إلى جزائريين وصرّح أيضا أن الوزارة أوقفت 45 شخصا لحد ذلك اليوم لهم علاقة بالأحداث وأنها تنسّق مع الجانب الجزائري.
1 يونيو 2013: وانفجر لغم في 1 يونيو على شاحنة عسكرية من نوع هامر.
3 يونيو 2013: أطلق عسكريون 7 رصاصات على الوكيل الأول مختار المباركي وأردوه قتيلا في جبل الشعانبي وقالت وزراة الداخلية أنه قُتل بنيران صديقة حيث كان يلبس ملابس عسكرية واُشتبه فيه أنّه إرهابي. ولدى المباركي بنتان وولد وولد آخر لم يولد بعد.
6 يونيو 2013: مع السابعة صباحا بتوقيت تونس أدى لغم مزروع في طريق يستعملها المدنيون والعسكريون في منطقة تبعد 7 كيلومتر عن مدخل مدينة القصرين إلى انفجار عربة عسكرية مما تسبب في مقتل عسكريين وإصابة عسكريَين آخرين..
24 يونيو 2013: القوات الخاصة للجيش التونسي اكتشفت نفقا في جبل الشعانبي طوله 10 كيلومترات. وبعد أن توغلت فيه عشرات الأمتار عثرت على أثار تدل على استعماله حديثا..
29 يوليو 2013: قامت مجموعات مسلحة بقتل 8 جنود في كمين و منهم إثنين ماتا مذبوحين.
2 أغسطس 2013: بدأ الجيش التونسي بعمليات واسعة النطاق في جبل الشعانبي بقصف بالمدفعية و الطائرات لمدة تجاوزت أكثر من ثلاثة أيام.
4 أغسطس 2013: توفي جندي تونسي و جرح 7 أخرين بعد تفجر لغم بينما هم على إحدى الدبابات. و ذكرت مصادر أمنية جزائرية أن قوات الجيش الجزائري قضت على 3 إرهابيين تونسيين على مستوى ولاية تبسة الحدودية مع تونس مشيرة إلى أنّ المسلحين المقضى عليهم فرّوا من القصف الذي تشنه القوات التونسية على معاقل الجماعات المسلحة بجبال الشعانبي .
5 أغسطس 2013: وفاة جندي ثاني متأثر بجراحه بعد إنفجار لغم يوم 4 أغسطس بينما هو على إحدى الدبابات.
7 أغسطس 2013: القبض في منطقة أولاد مسعود على إرهابي متسلل من جبل الشعانبي وبحوزته كلاشينكوف وذخيرة.
9 أغسطس 2013: القبض على 3 إرهابيين في حي الزهور بالقصرين وذلك عقب معلومات من الشخص المقبوض عليه في 7 أغسطس
11 أغسطس 2013: قصف الجيش التونسي جبل سمامة بالمدفعية الثقيلة للاشتباه في تسلل إرهابيين إليه. وجبل سمامة هو جزء من سلسلة جبل الشعانبي. وأدى القصف إلى مقتل ثلاثة مسلحين.
11 إبريل/نيسان 2014 : أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع توفيق الرحموني في تصريحات إعلامية أن لغما انفجر في مدخل محمية الشعانبي على الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم الجمعة 11 إبريل/نيسان 2014 اثر مرور جرار فلاحي فوقه وهو ما تسبب في إصابة الفلاح بجروحكما أوضح الرحموني أن الوحدات العسكرية تدخلت لبحث الأمر بعد انفجار اللغم وقامت بنقل الفلاح وفي طريق عودتها حادت الناقلة التابعة للجيش عن مسارها وهو ما أدى الى اصابة 3 عسكريين بجروح وقد تم نقل المصابين للمستشفى الجهوي بالقصرين لتلقي الاسعافات اللازمة.