عماد ياسين-بوابة إفريقيا
مساء 15 إبريل 1999 أبلغ بوتفليقة بالنتائج الأولية للانتخابات الرئاسيةالتي نصبته رئيساً للجزائر، الحدث الذي انتظره قبل عشرين سنة وأجهض، بعد رفض شخصيات كبيرة في النظام منحه الحكم كخليفة لهواري بومدين ..عاد ليتحقق من جديد.
بعد عشرين سنة يعود بوتفليقة وينتصر هذه المرة على "قدره" وحتى على من وقف ضده عام 1979. عبد العزيز بوتفليقة المولود في مدينة وجدة المغربية في الثاني مارس 1937 ابن العائلة المنحدرة من مدينة ندرومة بتلمسان غرب الجزائر ينصب في السادس عشر إبريل سادس رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبيةخلفاً لليامين زروال الذي قدم استقالته ودعا لانتخابات رئاسية مسبقةعام 1998.
وجد بوتفليقة أوعبد القادر المالي – اسمه الثوري- في الرئيس هواري بومدين،الدعم السياسي والعسكري لتقلد مناصب هامة إبان ثورة التحرير، حيث عينه بومدين منسقاً خاصاً في قيادة الولاية الخامسة التاريخية التي كانت تغطي غرب الجزائر،قبل أن يقود المهمةالتاريخية الحاسمة التي جعلت اسمه ينتشر ويأخذ مكانة أكبر في كتب المؤرخين للثورة الجزائرية بين1954و1962،وهي المهمة المعروفة بقصر ألنويChâteau d’Aulnoy،حيث كان يعتقل قادة الثورة السياسيون محمد بوضياف،رابح بيطاط، حسين آيت أحمد، أحمد بن بلة،مصطفى لشرف، لإقناعهم بالوقوف ضد الحكومة الجزائرية المؤقتة GPRA لصالح صف هواري بومدين قائد أركان الجيش حينها، وانتهت المهمة برفض الجميع ما عدا الرئيس السابق أحمد بن بلة الذي أصبح بعدها أول رئيس للجزائر.
مهمة Château d’Aulnoyأو قصر ألنوي قربت بوتفليقة أكثر من أحمد بن بلة،ومع أول حكومة للرئيس الراحل عين وهو لايزال في الخامسة والعشرين من العمر وزيراً للشباب والرياضة بعدما انتخب نائباً عن منطقة تلمسان في المجلس التأسيسي.
في 11 إبريل 1963 خلف بوتفليقة محمد خميستي على رأس وزارة الخارجية بعد اغتيال خميستي من قبل شخص مجنون حسب الروايةالرسمية، وحافظ بوتفليقة على منصبه 15 سنة كاملة انتهت مع وفاة هواري بومدين عام 1978 عندما قرأ بوتفليقة تأبينيته الشهيرة لهواري بومدين بنظارات سوداءأخفت حزناً عميقاً لدى الرجل، لكن لدى الحضور وفي أذهان الجزائريين كان بوتفليقة قد ارتدى بذلة الرئيس الذي سيخلف بومدين، لولا رفض رئيس جهاز الاستخبارات حينها الجنرال قاصدي مرباح الذي فرض اسم الشاذلي بن جديد لخلافة بومدين.
تقلد بوتفليقة في أول حكومة للشاذلي بن جديد منصب وزير دولة من دون حقيبة، قبل أن يسحب منه البساط بعد ذلك من المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر. ويقول بوتفليقة عقب انتخابه رئيساً للبلاد في لقاء معال الصحافي الفرنسي جون بيار ألكاباش "كان من المفترض أن أتقلد سدة الحكم في البلاد مباشرة بعد وفاة بومدين، لكن الجيش قام بانقلاب أبيض وفرض شخصية أخرى للرئاسة". وتقول مصادر أخرى إن بوتفليقة تساءل لدى الجنرال خالد نزار قائلاً"لقد اختارني بومدين قبل وفاته خليفة له، وترك وصية مكتوبة في ذلك عند عبد المجيد علاهم - مدير التشريفات بالرئاسة الجزائرية - أود فقط أن أعرف مصير تلك الرسالة، أين هي، لأنني رأيتها بأم عيني."
عودة بوتفليقة القصيرة
اختفى عبد العزيز بوتفليقة بعدها عن الأنظار وعاش بين باريس وسويسرا وسوريا وأبوظبي، قبل أن يعود بعد أحداث الثامن أكتوبر 1988 وينضم لقائمة الـ18 التي طالبت حينها بإصلاح النظام الجزائري، الحدث الذي فتح له باب العودة للساحة السياسية، وانتخب عام 1989 في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير عضواً باللجنة المركزية بعد غياب سنوات.
مع انتهاءعهدة المجلس الأعلى للدولة عام 1994وافق عبد العزيز بوتفليقة على اقتراح أصحاب القرار لخلافة علي كافي، رئيس المجلس على هرم السلطة، قبل أن يختفي فجأة من دون سابق إنذار بعد خلافات مع قادة المؤسسة العسكرية، حيث طالب حينها بدعمهم له علناً،وهو ما تم رفضه حينها من قبل قيادات الجيش التي كانت تخوض حملة بلا هوادة ضد الإرهاب.
بوتفليقة أقل المرشحين سوءاً
توارى عبد العزيز بوتفليقة مرة أخرى عن الأنظار لمدة أربع سنوات، وفي سبتمبر 1998 قرر الرئيس اليامين زروال الاستقالة بعد صراع خفي أثر في سير البلاد بين قائد أركان الجيش محمد العماري ومستشار زروال حينها الجنرال محمد بتدشين، ولجأالنظام مرة أخرى لبوتفليقة كحل جاهز لقيادة البلد باقتراح من الجنرال المرحوم العربي بلخير، حسب مصادر مختلفة.
كانت جنرالات الجزائر في نهاية التسعينات بحاجة ماسة لعلاقات عبد العزيز بوتفليقة الدولية لتصحيح الصورة عن البلد، خاصة عندما بات السؤال:"من يقتل من في الجزائر" يثير مخاوف الجنرالات التي قادت الحرب على الإرهاب، وعندما جرى الاتفاق بين ثناياالصف الأول من قادة الجزائر على اسم عبد العزيز بوتفليقة، لم يصدق الجنرال خالد نزال ما سمع، لكنه وصفه في النهاية بأقل المرشحين سوءاً لرئاسة الجمهورية في كتاب "الجزائر سلطنة بوتفليقة".
وجد بوتفليقة نفسه في مواجهة ستة مرشحين آخرين على رئاسة الجمهورية إبريل عام 1999، هم حسين آيت أحمد، مولود حمروش، طالب الإبراهيمي، مقداد سيفي، يوسف الخطيب، عبد الله جاب الله، وعشية الانتخابات قرر فجأة المرشحون الستة الانسحاب الجماعي تنديداً بماوصف حينها بـ"التزوير الفاضح" في المكاتب المتنقلة والمكاتب الخاصة بالجيش ورجال الأمن.
لم تتراجع السلطات،وقررت إبقاء الانتخابات في التاريخ نفسه، ولم تصدر مديرية حملة عبد العزيز بوتفليقة أي ردة فعل تجاه قرار المرشحين الستة، وبقي في مقر مؤسسة محمد بوضياف ينتظر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية.
مع منتصف الليل يقول الصحافي الكاتب محمد بن شيكو إن بوتفليقة هدد بالانسحاب عندما علم أن أصحاب القرار منحوه نسبة تأييد تقارب 53 في المئة فقط، ويضيف أن بوتفليقة رفض تقلد الحكم بنسبة أقل من نسبة تأييد سابقه الرئيس اليامين زروال.
في اليوم الموالي، أعلنت النتائج لكن بتغيير كبير، حيث منح بوتفليقة بعد تدخل جهاز الاستخبارات وقيادات فاعلة في البلاد نسبة 73,79 في المئة، ليكون بوتفليقة سادس رئيس للجمهورية وينتصر على "قدره" من جديد.
الولاية الأولى
أول ولاية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 1999 كانت الأحفل على الإطلاق في مسيرة حكمه، نجح مسعى الوئام المدني في استرجاع الجزائر لعافيتها،ونجحت الإصلاحات الاقتصادية على قلةالإمكانيات المالية حينها في تحقيق نتائج مرضية في الجانب الاقتصادي، وبدأت الجزائر تستعيد مكانتهاعلى الساحة الدولية شيئاً فشيئاً.
مع نهاية الولاية الأولى، انقسم النظام الجزائري نصفين، بعضه اختار البقاء إلى صف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبعضه الآخر ذهب لصالح رئيس حكومته السابق علي بن فليس الذي انشق على الرئيس ودخل الانتخابات الرئاسيةعام2004 منافساً له، وكادت الجزائر تدخل مرحلة لا استقرار جديدة بعد الشرخ الذي قسم النظام قسمين .
الولاية الثانية
في الـ8 إبريل ألفين وأربعة،انتخب بوتفليقة من جديد رئيساً للبلاد بعد حملة انتخابية شرسة ضد منافسه علي بن فليس، حاز فيها في الأخير بوتفليقة على نسبة كبيرة قاربت الـ85 في المئة من أصوات الجزائريين، مقابل أقل من 7 في المئة لمنافسه علي بن فليس.
بادر بوتفليقة ثانية بمسعى جديد لبسط الأمن في البلاد من خلال المصالحة الوطنيةالتي عرضها على الشعب للاستفتاء في 29 سبتمبر 2005، قبل أن ينقل بوتفليقة في 26 نوفمبر 2005 على جناح السرعة إلى مستشفى فال دوغراس بباريس إثر إصابته بنزيف في قرحة المعدة.
بعد عودته للبلاد لم يعد بوتفليقة نفس الرجل الذي كان يحكم البلد قبل المرض،ولكن في المقابل لم تتناقص رغبته في الحكم حينما عدل الدستور الجزائري في 12 نوفمبر 2005ومنح نفسه سلطة الحكم مدى الحياة.
الولاية الثالثة
في التاسع إبريل 2009انتخب عبد العزيز بوتفليقة لولاية ثالثة بنسبة90,24 في المئة من الأصوات، لكن ولايته الثالثة كانت بمثابة العبء الإضافي على الجزائر يقول الكاتب الصحافي أحمد منصر، حيث كان قليل النشاط والتحركات وحتى الزيارات الدولية.
في 27 إبريل 2013أصيب بوتفليقة بجلطة دماغية،أعلن في البداية أنها جلطة عابرة، لكنها لم تكن كذلك، مكث الرئيس الجزائري 82 يوماً بين مستشفى فال دوغراس ومركز لي زانفاليد،بينما تعالت الأصوات في الجزائر لسحب الثقة منه لدواعٍ صحية وتطبيق المادة88 من الدستور الجزائري.
عاد الرئيس الجزائري للبلاد في 16 جويلية على كرسي متحرك وفي صمت رهيب إلى مطار بوفاريك العسكري، عكس عودته من المرض في ولايته الثانية التي استقبل فيها بطولياً في شوارع العاصمة الجزائر.
لم يدم صمت الرئيس طويلاً قبل أن يشرع في حركة واسعة داخل جهاز الاستخبارات القوي،وقام بتعديل وزاري جديد قُرئ في البلاد على أن الرئيس بوتفليقة يفكر جدياً في ولاية رابعة، خاصة بعد ضغطه لانتخاب عمار سعداني أميناً عاماً لجبهة التحرير الوطني.
الحزب الحاكم لم يتأخر كثيراً قبل أن يعلن ترشيحه لعبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة،وسط ذهول في الشارع وتساؤلات لدى السياسيين حول مقدرته على قيادة البلد ومستقبل البلد في حد ذاته.