استهلّ قطاع الثقافة التابع لأخبار اليوم، سلسلة الرّوائع بإشراف الرّوائي عزّت القمحاوي، أوّل إصدارات السلسلة الجديدة «كتاب الجيب» بكتاب «المذكرات» 2015 للشّاعر بيرم التونسي، حسب صحيفة العرب.

وفي مقدّمة الكتاب، التي جاءت كتعريف بالكاتب، أن محمود بيرم التونسي، أدق تعريف له هو كلمة «الغريب» التي تلخص رحلة حياته بين مصر التي ولد وعاش فيها تونسيا، وفرنسا التي اُعتبر فيها مجرد أجنبي غامض وتونس التي عومل فيها على أنّه مصري وأحيانا تركيّ.

ليس التنوّع في النسب هو ما يميّز محمود بيرم التونسيّ وإنما أيضا مواقفه فهو معارض للملك فؤاد ومحبّ لابنه فاروق، ووله بالوفد وزعيمه سعد زغلول، وفي ذات الوقت مخذول من سعد وخليفته النحاس، إذ لم يتوان الأخير عن إبلاغ الشرطة عنه واتهامه بمحاولة اغتياله.

ومع هذه الغربة إلا أنّ الشّاعر لم يشعر باغتراب في داخله في أيّ من هذه الأماكن، بل كانت عاملا مساعدا ليتوهّج كزجّال لاذع وصحفي لا يشق له غبار وكاتب مسرح أيضا.

الجزء الأوّل من المذكرات بعنوان «مذكرات المنفى» وطبيعة النص تميل إلى الكتابة السيرية، حيث يسرد فيها غربته في فرنسا وأيام الشّقاء وقد نشرت على شكل مقالات صحفيّة في جريدتي الشّباب والسردوك عام 1936. ويقتفي فيها بيرم طابع أدب الرّحلات، حيث يسجّل مشاهداته وما يعجبه وما لا يعجبه وهو يسير على غرار الطهطاوي في مشاهداته إبّان عمله كإمام للبعثة المصرية في الفترة ما بين (1926ـ1931).

يبدو النصّ في الجزء الثاني «مرسيليا» أشبه بسيرة وصفية للمكان الذي لجأ إليه هاربا من تونس، إلا أن الكتابة تأخذ منحى تأريخ وتسجيل للمكان، فيحدّد هدفه من الكتابة بأنّ هذه المدينة لا يعرفها السّائح الأجنبي جيدا، خاصّة أنّ تسعة أعشار المدينة مجهولة بالنسبة إليه.

مستطردا بذكر كتاب الرّحالة محمود رشاد «مشاهد الممالك» كتدليل واضح لنهجه الذي سينحو إليه، فيقدّم وصفا لهذه المدينة متوجّها بحديثه لهذا القارئ أو السائح الذي سيتخذها مكانا لتنزهه.

 وبطبيعة عين الرحالة يرصد عادات الشرقيين عندما يهلون على المدينة، وعن الأعياد التي يحتفل بها الفرنسيون والتي تصل إلى عشرين عيدا منها ما هو دينيّ كجان دارك والقيامة ومما هو غير دينيّ كعيد الهدنة و14 يوليو، وأيضا مظاهر الاحتفال بالعيد في الميدان وما يقام من ألعاب وأراجيح ومزلقانات.

الجزء الثالث، جاء بعنوان «مذكراتي ما بعد العودة من المنفى 1961»، وهو نصّ سيري بامتياز، يتحدّث فيه بيرم التونسي عن نشأته ومولده في حي الأنفوشي بالإسكندرية بالسّيالة عام 1893، وعن عائلته ووالده وعمّه محمود، وشراكة الاثنين في مصنع نسج للحرير، وعن أثر والده عليه خاصّة أنه كان يستأجر شعراء الرّبابة لينشدوا أمامه طول اليوم الشعر البدوي القديم وقصص أبي زيد الهلالي سلامة والزير سالم، ويقدّم شطرا آخر من حياة الشقاء والبؤس التي عاشها بعد موت أبيه ثم أمه، وعن معاشرته لطلبة العلم الدينيّ، وتقدّمه في العلم، ثم احترافه مهنة يتكسّب منها العيش وهي الصيد متجاريّا مع أهل الحي. ثمّ بداية مناوشاته الشّعرية عندما كتب قصيدة منتقدا مجلس البلدية وهي أوّل قصيدة تنشر باسمه.

ويتحدث عن تونس حيث راح يبحث عن أصل العائلة التي ينتمي إليها، وهناك روّجوا إلى أنّه من أصل تركي، رغم أنّه كان أحد الثائرين في مصر على الاحتلال التركي، وبسبب الشعور بالغربة والمهانة سافر إلى فرنسا، ورحلة معاناته في فرنسا إلى عودته إلى مصر مرة ثانية ومرافقته سيد درويش وابتعاده عن السياسية بالفن، وصدمته في سعد زغلول حين مرّ بباريس وعرض عليه أن يساعده للعودة إلى مصر ولكن لم يستجب له رغم حبه لسعد وقصائد المدح فيه والتي كان يعلمها سعد ذاته، وقد تكررت الخيبة مع النحاس باشا الذي خذله أيضا واتهامه له بأنه يريد اغتياله.

وصولا إلى تركه فرنسا إلى تونس وتأسيس جريدة بعنوان "الزمان" والتي صارت ملتقى الأحرار في شمال أفريقيا، وهو الأمر الذي لم يرق للسلطات الفرنسية التي كانت تحكم فقرّرت إرساله إلى بلد غير عربي في غرب أفريقيا.

ما يميّز مذكرات المنفى هو روح الفكاهة والسّخريّة التي يتميّز بها نظم ونثر بيرم، وسهولة الأسلوب وحداثته، مقارنة بنص مذكراتي التي على حد المشرف والمعّد لها القمحاوي أنها جاءت متجهمة، وتبرز أهمية هذه المذكرات إلى جانب كونها تسجيلا دقيقا لأيام المحنة التي مرّ بها بيرم التونسي.