على الرغم من تعرض تونس لعدة عمليات إرهابية في السنوات الأخيرة، فإن تداعيات هجوم "داعش" في بنقردان، تتجاوز ما شهدته البلاد في العمليات السابقة وبخاصة من حيث خطورة العملية وتوقيتها وملابساتها.وهو ما يرجح الرأي القائل بأننا أمام مزيد من التصعيد الإرهابي، الذي سيضرب استقرار دول المنطقة، وربما مصالح الدول الكبرى، من أجل الضغط أكثر، بزرع الفوضى لجعل خيار التدخل الأجنبي في ليبيا، وبعد ذلك في المنطقة ككل، حلا مرا لا بد من تجرعه والقبول به.
وجاء هجوم "بن قردان" في الجنوب الشرقي التونسي، غير بعيد عن الحدود الليبية، ليزيد المخاوف بخصوص تعاظم خطر داعش على تونس ليبيا معا.فتنظيم “داعش” في ليبيا هو مركز عمليات التنظيم في شمال إفريقيا حيث أصبح وجهة للشباب التونسي الراغب في الالتحاق بما يعتبرونه “جهادا في سبيل الله”، ما يجعل خطر داعش على تونس وليبيا كبيرا، حيث أنه يزيد من فرص تمدد التنظيم في ليبيا ويهدد الأمن التونسي بين الفينة والأخرى ويزيد من التوتر بين الجانبين التونسي والليبي من خلال تبادل التهم بخصوص من المسؤول عن تصدير الإرهاب.
وحدة الصف ضرورة
ورغم الأبعاد الخطيرة لهذا الهجوم عمل التونسيون بإمكانياتهم المتواضعة على إحباط مخطط "داعش" لإقامة إمارة بمدينة بن قردان،وقال رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد "ربحنا معركة ولم نربح الحرب ضد الإرهاب"، فالعملية العسكرية لا تزال مستمرة في هذه المدينة التي لا تبعد سوى 25 كم عن الحدود مع ليبيا المضطربة التي أضحت بوابة الإرهابيين والجماعات المسلحة نحو دول الجوار.لكن نصر المعركة الحقيقي كان التفاف الشعب التونسي حول وحدة أرضهم وعلمهم، إذ اصطف الشعب التونسي خلف مؤسساته الأمنية والعسكرية لمواجهة المد الإرهابي الذي فشل في إيجاد موطئ قدم ثابت في تونس حتى الآن، بالرغم من تعدد الهجمات في السنوات الأخيرة.
إلىى ذلك دعا رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصّيد، السبت 12 مارس/آذار، أعضاء الحكومة وأطر الدولة إلى التبرع بيوم عمل لفائدة صندوق مكافحة الإرهاب.وحث الصيد موظفي الدولة وسائر المواطنين على الانخراط في هذه المبادرة دعما للمجهود الوطني في مقاومة الإرهاب.وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد تبرع صباح السبت براتب شهر إلى صندوق مكافحة الإرهاب، وقال إن ما قدمه مشاركة رمزية لدعم المؤسستين الأمنية والعسكرية، حسب ما جاء في بيان للرئاسة.ودعا السبسي كل التونسيين داخل وخارج أرض الوطن لدعم مجهودات الدولة في حربها على الإرهاب.
إجراءات مشددة
شددت تونس،الخميس 10مارس 2016، من إجراءاتها الأمنية وتجري عمليات تمشيط واسعة لمطاردة لعناصر "إرهابية" وسط مدينة بنقردان البلدة الحدودية مع ليبيا.وأفادت وسائل إعلام تونسية، مساء الأحد 13 مارس/آذار، بأن مواجهات جرت بين قوات الأمن والجيش التونسيين وعناصر إرهابية متحصنة بأحد المنازل، قرب حمام معلول بمدينة بنقردان، جنوب تونس.وفي سياق متصل، أفاد مصدر أمني بمحافظة جندوبة، شمال غرب البلاد، بأن قوات الشرطة تمكنت، ليلة 12 إلى 13 مارس/آذار، من الكشف عن خلية إرهابية في مدينة بوسالم، مكونة من ثمانية أفراد ينتمون لتنظيم "داعش" الإرهابي.كما تمكنت فرقة أمنية مختصة، بتاجروين في محافظة الكاف، شمال غرب البلاد، من إلقاء القبض على 3 عناصر يقومون بتسفير الشباب إلى أماكن الصراعات. وقد تم كشف هذه الشبكة بعد إيقاف فتاة تونسية متهمة بالانضمام إلى تنظيم إرهابي، كانت تسللت من الجزائر.
ودفعت السلطات الأمنية التونسية بتعزيزات عسكرية إلى معبر رأس إجدير الحدودي، كما تم منع السيارات والشاحنات من المرور بعد ورود معلومات تفيد بوجود مخطط لاستهداف هذا المعبر.إلى ذلك،قام رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، الأحد 13 مارس/آذار، بزيارة إلى الثكنة العسكرية بمدينة بنقردان،فيما تمكنت القوات التونسية من تصفية 49 مسلحا واعتقال 9 آخرين.ويستمر إغلاق معبر راس جدير الحدودي،كما يستمر تعليق الدروس بالمدارس إلى الأحد، مع إمكانية استئنافها صباح الاثنين، في صورة لعودة الهدوء تدريجيا إلى المنطقة.
تطمينات
علي صعيد آخر قال رئيس الحكومة الحبيب الصيد خلال زيارته لبنقردان انه بفضل جهود الوحدات الأمنية والعسكرية و كذلك المواطنين تمكنت تونس من افشال مخطط لتحويل بنقردان إلى امارة داعشية. و أضاف الصيد ان الوحدات الأمنية تصدت بكل قوة للعناصر الإرهابية متوجها في الأن ذاته بالشكر لمختلف الأمنيين والعسكريين والمواطنين ، كما أكد الصيد في كلمة ألقاها بالمناسبة انه اطلع على مختلف النقائص التي تعانيها المنطقة موضحا أن عدد من الزيارات المبرمجة خلال هذه الفترة لعدد من الوزراء سوف تقف عند هذه النقائص.و أعلن رئيس الحكومة عن جملة من المشاريع التنموية التي من المبرمج إنجازها خلال هذه السنة كالمنطقة الحرة ببنقردان و محطة لتحلية المياه و طريق السيارة سيتم الإسراع في انجازها.
من جهته أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية المقدم بلحسن الوسلاتي أن المواجهات التي وقعت في بن قران أدارتها قيادات تونسية بحتة من الجيش الوطني، ومن قوات الأمن الداخلي وفق مخطط دفاعي تمّ وضعه مسبقًا.وكانت صحيفة "ذو ميرور" البريطانية قد ذكرت أن خبراء من القوات المسلحة البريطانية كانوا يساعدون القوات التونسية من خلال تقديم نصائح في التخطيط، واتخاذ إجراءات "تكتيكية" لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.
تحذيرات
في سياق آخر أكّد مسؤول أمني ليبي ،وفق مصادر صحفية الأحد 13 مارس 2016 ، أن الهجوم الذي قام به التنظيم الإرهابي على مدينة بن قردان قد لا يكون الأخير، متوقعا أن يقوم “داعش” بهجوم كبير على تونس بالآلاف من عناصره إذا قامت دول غربية باستهداف مركزه الرئيسي في مدينة سرت ، محذّرا من تداعيات الوضع.وأوضح المسؤول الأمني"حينها سيضطر الآلاف من عناصره إلى الهروب إلى تونس، خاصة وأن 70% من "دواعش" ليبيا من ذوي الجنسية التونسية، دون أن يستبعد هروب فلول داعش إلى الجزائر عبر الحدود، خاصة نقطتي جانت والدبداب ، مضيفا ”إن عشرات “الدواعش” الذين هاجموا بن قردان هم أنفسهم الذين تم استهدافهم في مدينة صبراتة الليبية قبل أسابيع، سواء عبر غارة أمريكية قضت على 50 عنصرا منهم، أو عبر ثوار المنطقة الغربية ” قضوا على 20 عنصرا وأسروا عددا غير معلوم منهم".
هذا وكان وزير الخارجية الفرنسي جام مارك أكد في وقت سابق أن الخلافات الليبية هي السبب بتقدم داعش بليبيا مشيرا الي أن التنظيم يشكل خطرا علي تونس ومصر وأوروبا.من جهتها رجحت "سوفان غروب" أن يكون التنظيم المتشدد يعمل على تطوير خلاياه في تونس "أملا في انهيار الحكومة"، من أجل تنفيذ طموحاته في زعزعة أمن البلاد.وأضافت أن "تونس هي المتنفس المنطقي المقبل لتمدد داعش في شمال أفريقيا".ويقول تحليل مجموعة سوفان غروب، التي يوجد مقرها في نيويورك، "مهما يكن فإن داعش من المرجح أن يستمر في زعزعة استقرار تونس انطلاقا من مواقعه في ليبيا".
عملية "داعش" في بن قردان، والتي قال المسؤولون التونسيون إنها كانت تهدف لإنشاء إمارة محلية، تعد تجسيدا لما سبق وأنه أعلنه التنظيم من رغبة في استهداف تونس، وهو ما أكده عدد سابق لمجلته “الإليكترونية” الناطقة بالإنجليزية، “دابق”، والعمليتين الإرهابيتين في باردو بالعاصمة وشاطئ القنطاوي بسوسة، والتي نفذتها عناصر تونسية تابعة للتنظيم تلقت تدريباتها في ليبيا بحسب ما أكدته الحكومة التونسية.ومع أن تونس شيدت جدارا أمنيا يمتد على أزيد من 200 كلم لحماية نفسها مما تراه خطرا قادما من ليبيا، إلا أن هجوم بن قردان يثبت مدى محدودية هذا الخيار، خصوصا إذا صحت فرضية أن منفذي العملية لم يأتوا من ليبيا.
إلى ذلك فإن استمرار الفوضى في ليبيا يعني فسح المجال أمام التنظيم ليكبر وربما يتمدد فوق التراب الليبي وتهديد الجارة تونس،فالمتأثرون بالدعاية الداعشية لم يعودوا بحاجة إلى التطلع للتنظيم في سوريا والعراق في الوقت الذي ينشط فيه الفرع الليبي على قريبا منهم، وهو ما يجعل البعض يتخوف من أن تكرر قريبا عمليات مشابهة بهجوم بن قردان في مناطق أخرى من تونس.