مع إطلاق الجيش الليبي عملية عسكرية في المنطقة الغربية نحو تحرير العاصمة "طرابلس" لتطهيرها من الميليشيات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنوات، تحركت تيارات الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" و"الجماعة الليبية المقاتلة" وفي ركبهم دول تدعمهم على غرار تركيا وقطر، في محاولة للتشويش على عمليات الجيش الليبي وعرقلة تقدمه نحو بسط سيطرته واستعادة سلطة الدولة في العاصمة. 

وكانت البداية مع حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان في ليبيا، الذي سارع رئيسه محمد صوان، لادانة تحرك الجيش إلى المنطقة الغربية ووصفها بـ"التحركات التصعيدية". وأكد صوان، أن تلك التحركات تعرقل جهود جميع الأطراف لإيجاد تسوية سياسية والحفاظ على المسار السياسي والتداول السلمي للسلطة، الذي يخنق أنفاس العسكر والدكتاتورية، ويخشاه كل مغامر يطمع في القفز على الحكم من على ظهر دبابة، بحسب قوله. 

وحذر رئيس حزب العدالة والبناء، من أي مغامرات لفرض واقع بقوة السلاح، فيما حاول التنصل من اشتراك عناصر الجماعة في القتال ضد الجيش الليبي بقوله "نحن حزب سياسي؛ عدتنا بطبيعة الحال هي السياسة والتفاوض والحوار، أما من يصر على استخدام السلاح؛ فلا شك أن هناك جهات رسمية ستواجهه بوسائل مكافئة ونحن داعمون لها". 

ومن جهته، دعا القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عبدالرزاق العرادي، الجمعة، إلى الخروج في مظاهرات في العاصمة طرابلس ضد الجيش الليبي. وقال العرادي في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "رسالة ميدان الشهداء اليوم أهم وأقوى الرسائل للداخل والخارج . . لا لإعلان حفتر الحرب على العاصمة". 

محاولات صوان والعرادي لاصباغ السلمية على تحركات "الاخوان"، سرعان ما تكشفت حقيقتها عل لسان عضو المؤتمر الوطني السابق عن حزب العدالة والبناء محمود عبدالعزيز، الذي ظهر في مقطع فيديو مسجل، قائلا إنه لا تفاوض ولا حوار مع قائد الجيش المشير خليفة حفتر، لافتًا إلى أن القتال هو الحل حتى إعادة "رعاع حفتر" إلى السلوم، حسب وصفه. 

وطالب الورفلي الأمازيغ بالمشاركة في العمليات العسكرية الدائرة في طرابلس، مهددًا "إذا لم تنضموا للقتال سأنشر عدد السلاح الذي تملكونه من رزق الليبيين، في أشارة إلى امتلاكهم لأعداد كبيرة من السلاح والدبابات والأسلحة الثقيلة". وقال الورفلي نعلم جيدًا أن هناك مليشيات في طرابلس، إضافة إلى فاسدين وسراق للمال العام، لكن تضل كل هذه الفئات أهون من قوات حفتر، التي تريد بنا العودة إلى حكم العسكر. على حد زعمه. 

أما الصادق الغرياني مفتي ليبيا المعزول والمقرب من جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية المسيطرة على العاصمة "طرابلس"، فقد لبس كعادته ثوب الافتاء ليبيح سفك الدماء بين أبناء الجلدة الواحدة. فمن مستقره في تركيا، دعا الغرياني المقيمين في طرابلس إلى ما سماه "الجهاد" ضد القوات المسلحة. 

وقال الغرياني: "على كل الناس الموجودين الآن في المناطق التي يحدث فيها تحشيد أن يجمعوا أمرهم ويقاوموا هذا الزحف الفاسد الفاجر الذي سوف يأتي على الأخضر واليابس ويفعل بطرابلس ما فعله بمرزق (مدينة في أقصى جنوب ليبيا) ويرون الجثث تلقى في المزابل كما رأوها في بنغازي ودرنة. 

وتنضاف هذه الفتوى الى فتاوى عديدة للغرياني تحرض على القتل في البلد المنقسم منذ العام 2011. وأصدر الغرياني فتاوى داعمة للجماعات المتطرفة، وأباح اقتحام تنظيمي "القاعدة" و"داعش" للمدن الليبية، الأمر الذي جعله يوصف بـ"مفتي الإرهاب"، وتسبب في خلعه من منصبه ليستقر في تركيا أين ظل يحرض على الفتنة والقتل. 

وعلى نفس منوال الغرياني، ظهر رئيس الأعلى للدولة الأسبق عبدالرحمن السويحلي داعياً الى توسعة رقعة الحرب والقتال ضد قوات الجيش بقيادة المشير خليقة حفتر، ووصفها بأنها معركة شاملة لا تبقي ولا تذر، وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي"أرادها حفتر حربا فلتكن حربا وسيدفع هو ثمنها وليس المغرر بهم. هذه المرة لابد أن تكون معركة شاملة لاجتثاث مشروع عودة الاستبداد". 

في غضون ذلك، تأتي تحركات قيادات التيار الاسلامي في ليبيا للتحريض ضد الجيش الوطني الليبي ومحاولة تشويهه بالتزامن مع تحركات داعميهم الاقليميين. فدولة قطر، الراعي الرسمي لجماعة "الاخوان"، سارعت للتعبير عن قلقها البالغ مما وصفته بـ"التصعيد العسكري" الأخير في ليبيا، مشيرة إلى أنه يأتي قبيل انعقاد المؤتمر الوطني الجامع. 

وفي دعوة للتدخل الدولي ضد الجيش الليبي، ذكرت قطر بحسب بيان رسمي الفاعلين الإقليميين والدوليين بـ"أن لهذه النقطة الأخيرة تأثيرا كارثيا على المنطقة بأكملها بما فيها محيطها الأوروبي، مما يشكّل اعتبارا إضافيا يستدعي ضرورة إعمال هذه الدول لنفوذها لإيقاف الاعتداءات الأخيرة على غرب ليبيا والتي تعد خرقا واضحا للاتفاق الأممي من قبل القوات المعتدية"، بحسب بيانها. 

من جهتها، وفي موقف مشابه للموقف القطري، دعت تركيا على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، حامي أقصوي، لأهمية الامتناع عن التحركات التي قال بأنها تخل بروح الوفاق الوطني في غرب ليبيا في إشارة منه إلى تحركات الجيش الوطني، مؤكدا رفض التحركات التي يقوم بها الجيش الليبي. وأشار المتحدث، الى دعم تركيا المؤتمر الوطني الليبي الجامع المرتقب، عقده منتصف أبريل الجاري. وفق وكالة الأناضول التركية الرسمية. 

ويشير مراقبون الى أن تركيا تشعر بالقلق من خسارة حلفائها في ليبيا وهو ما سيفقدها امتيازات كبيرة ومصالح ضخمة كانت توفرها لها مليشيات التيار الاسلامي الموالي لها. وتأوي تركيا العديد من الشخصيات التي تحرض على العنف والإرهاب في ليبيا والدول العربية، وتظهر عبر قنوات تمولها تركيا ودول حليفة لها. وكان الجيش الليبي اتهم مرارا وتكرارا تركيا بتقويض الأمن في البلاد، وتزويد الميليشيات بالأسلحة والأموال ، وهو ما أكدته سفن السلاح التي تم ضبطها في أكثر من مناسبة قادمة من تركيا باتجاه الجماعات المسلحة في ليبيا. 

وبالتزامن مع ذلك، لم ينفك الاعلام القطري، بقيادة قناة "الجزيرة"، منذ انطاق عملية تحرير طرابلس عن محاولاتها تزييف انتصارات الجيش الليبي، حيث قادت حربا نفسية وزعمت تراجع قوات الجيش بعد خسائره المتكررة، وفي ذات الوقت روجت لتقدم الميليشيات المؤدلجة في كل محاور القتال جنوب العاصمة. وادعت سقوط قتلى من المدنيين، لتؤكد استمرار نهجها في توفير منبر لعناصر الإخوان لتشويه صورة انتصارات الجيش الليبي. 

وعلى جانب أخر غطت وسائل الإعلام التركية الموالية لإردوغان وتحديدا وكالة الأناضول أحداث العاصمة الليبية بانحياز شديد ناحية الميليشيات الإرهابية وحكومة الوفاق وعناصر الإخوان المسلمين، متجاهلة تماما الرأي الأخر، والأخبار التي تؤكد انتصار الجيش وسيطرته على طرابلس. 

وتحتضن تركيا عدة قنوات ومواقع إلكترونية، تعمل على التحريض ضد الجيش الليبي والدعوة للاقتتال على غرار قناة "التناصح" الليبية التي تأسست عام 2014، وهي إحدى أبرز الأذرع الإعلامية للتنظيمات والجماعات المتطرفة المنتشرة في البلاد ومنها جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، والميليشيات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة أو القريبة منه مثل مجلس شورى الثوار، وسرايا الدفاع عن بنغازي، وجماعة فجر ليبيا. 

وتعمل "التناصح "على تشجيع الإرهاب والفوضى والانقسام، إضافة إلى تغذية التطرف، وكان المركز الليبي لحرية الصحافة، أكد في تقرير له نهاية العام الماضي بعنوان "رصد خطاب الكراهية في القنوات التلفزيونية"، أن قناة التناصح أخلت بتغطية النزاعات المسلحة والإرهاب، وتجاوزته إلى تصدير خطاب الكراهية والتحريض بنسبة بلغت 41%. وأدرج مجلس النواب الليبي، قناة "التناصح" على قائمة الإرهاب، فيما وضعتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب مع مشرفها العام الصادق الغرياني على قائمة العناصر والكيانات المتطرفة عام 2016، لما تنشره من رسائل تحريضية تشوش على عمليات الجيش الليبي. 

وكان الناطق الرسمي باسم قوات الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، وجه الأحد، نداء لليبيين لأخذ الحيطة والحذر من حملة تضليل إعلامي على وسائل إعلام معادية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة، تستهدف تشويه عملية طرابلس وقلب الحقائق على الأرض، مؤكدا في الوقت ذاته أن "قطر تشن حملة إعلامية لتشويه العملية العسكرية ضد الإرهابيين في طرابلس". كما أشار إلى "اجتماعات للقاعدة والإخوان في قطر وتركيا تهدف لتوحيد صفوفهم. 

وقال المسماري في مؤتمر صحفي "على أبناء الشعب الليبي أن ينتبهوا لعمليات التضليل الإعلامي التي تمارس عبر وسائل الإعلام المعادية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة والانتباه بشكل كبير جدا لفايسبوك وتويتر وحتى الإذاعات مثل الجزيرة التي تمارس التضليل الإعلامي". 

واتهم قناة الجزيرة القطرية بممارسة الكذب، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام المعادية "أصبحت لديها خبرة في تمرير هذا التضليل على أنه حقيقة". وقال المسماري إنها ليست المرة الأولى التي توجه فيها القوات المسلحة الليبية نداءات تحذير للشعب الليبي لأخذ الحيطة والحذر من وسائل الإعلام التي تروج للأكاذيب". 

كما أوضح أن هناك علاقة واضحة بين المجلس الرئاسي في طرابلس وبين جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في مصر والإمارات والسعودية، قائلًا: "علاقة المجلس الرئاسي بالإخوان وجماعات متطرفة تتكشف بوضوح". وتحدث الناطق باسم القوات الليبية عن عملية طرابلس، مؤكدا أنها تسير وفقا للخطة المرسومة، مضيفا أن المعركة من الجانب الآخر (طرابلس) يقودها متطرفون من القاعدة. 

وتزايد ارتباك جماعة الاخوان أمام انتصارات الجيش الوطني الليبي المتتالية وتحريره للمنطقة الشرقية بالكامل من قبضة التنظيمات المتطرفة برغم الدعم الذي كانت تتلقاه هذه التنظيمات من جماعة الاخوان. ولم تكفّ الجماعة عن محاولات عرقلة تقدم الجيش الليبي في معركة تطهيره للجنوب خلال الأشهر الماضية، من الارهاب والعصابات الاجرامية. 

ويعول "اخوان" ليبيا على الدعم التركي في تسليح المليشيات وتوفير الغطاء السياسي لها، ووصل بهم ها الارتباط الى حد طلب التدخل التركي ضد الجيش الليبي. ففي يوليو الماضي، طالب عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم، عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر. 

ويرى الكثير من المتابعين للشأن الليبي، أن وقوف تيار الاسلام السياسي، وفي مقدمته جماعة "الاخوان"، ضد انتصارات الجيش الليبي، كشف النوايا المشبوهة لهذه الفئة ودعمها للتنظيمات الارهابية التي تنشر الفوضى في البلاد. وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة.