مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للموعد الذي كان مقرّرا لإجراء انتخابات ليبية (24 ديسمبر/كانون الأول 2021) تقتضي تنحّي عبد الحميد الدبيبة من منصبه وفسح المجال لحكومة جديدة تدير البلاد وتضع حدّا للصراع والإنقسامات، لكن الدبيبة ورغم تصريحاته الأخيرة لازال "يصنع حلفا قويا مع تركيا لتركيز قيادته وتوسيع نفوذه".
خاطب عبد الحميد الدبيبة، في كلمة له، الأسبوع الماضي، "الطبقة السياسية البائسة المهيمنة على المشهد في العشر سنوات الماضية"، قائلا "لا تستهينوا بشعبكم، ولا تقللوا من شأنه، واحذروا غضب الحليم، تأكدوا أن الشعب الليبي لا يريد اليوم إلا الانتخابات". وأضاف "لا لعودةٍ الحرب مرة أخرى، ولا لقبول استمرار من هم في السلطة وأنا أولهم". خطوة وخطاب اعتبره الخبراء والمحلّلون استباقا لسلسلة الاجتماعات المرتقبة بين رئيسي مجلس النواب ومجلس الدولة عقيلة صالح وخالد المشري.
وأكّد الدبيبة في ذات السياق أنه "لا مرحلة انتقالية أخرى، ولا حكومة ثالثة أو رابعة أو خامسة" مشدّدا على على أن "الحكومة الحالية هي آخر حكومة قبل الانتخابات" موضّحا أن" تلك هي إرادة الشعب الليبي، ولن نتخلى عنها" و أن "الأجسام الحالية ليس بمقدورها أن تُمثل إرادة الشعب الليبي".
ومع ذلك، فإن التضارب بين كلمات الدبببة تجاوزت تصريحاته إلى أفعاله ومخططاته خاصة الصفقات الكثيرة الأخيرة المبرمة مع تركيا والتي تؤكّد حسب المراقبين سعي الدبيبة لتوسيع نفوذه وتثبيت سلطته في ليبيا.
من جانب آخر، يخدم تعرقل محادثات المجلسين النواب والرئاسي مصالح الدبيبة، فرغم الاتفاق على إبرام اجتماعات بينهما لبحث حلول دستورية للأزمة السياسية تمهيدا للإنتخابات، في خضم خلافات حول القاعدة الدستورية والقانون الانتخابي والمناصب السيادية. خاصّة مع وجود حكومة فتحي باشاغا في واجهة الأحداث كحكومة مصادق عليها من مجلس النواب الليبي. ما يقتضي مصالحة وطنية شاملة وحوار سياسيا جدّيا يجمع كل الأطراف الليبية وفق ما دعا إليه مجلس النواب الليبي وبعض القوى المحلية والإقليمية ليكون الحل ليبيا ليبيا بعيدا عن أي تدخّل خارجي.
وفي هذا السياق، أكّد الاتحاد الأفريقي على ضرورة المضي قدما لقيادة المصالحة ومحاولة فتح الطريق أمام الحل السياسي لتنفيذ عملية انتخابية ديمقراطية ناجعة. وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، إنهم يحظون بدعم المجتمع الدولي وأن "هناك زخما جديدا لعملية سياسية في ليبيا تشمل عدة مراحل". معتبرا أن أي خيار يتم اتخاذه في سياق انتخابات افتراضية سيكون محكوما عليه بالفشل إذا تم اتخاذه دون وساطة مسبقة للتوفيق بين الفرقاء. وذلك وسط مخاوف إفريقية بأن النتائج لن يتم احترامها من قبل الطرف المهزوم ما يؤكّد أن "مرحلة المصالحة الوطنية هي الأساس".
وفي هذا السياق تتحدّث تقارير ومصادر متنوعة عن الاستعداد لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الليبية تحت إشراف الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، تتمثل أبرز أهدافه في وضع الخلافات القديمة جانبا، بدءا بالإفراج عن السجناء السياسيين. وكشفت مصادر إعلامية في تقارير خاصة" أن الاستعدادات لعقد هذا الاجتماع جارية بالفعل، إذا من المتوقع أن يعقد خلال النصف الثاني من جانفي/ يناير 2023. ومن المتوقع أن يساهم مؤتمر المصالحة الوطنية في إحراز تقدم في تفكيك الميليشيات وسحب الأسلحة، إضافة إلى توحيد المؤسسة العسكرية وستشارك فيه جميع الأطراف السياسية والاجتماعية الليبية.
ومع ذلك، يؤكّد الخبراء أن هناك عامل "معرقل"،واحد يقف في طريق نوايا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبعض الأطراف الليبية، وهي عبد الحميد الدبيبة، ليس بسبب وجوده على رأس حكومة الوحدة الوطنية، التي كان يجب أن تنتهي مهامها قبل عام، ولكن بسبب المناورات التي تقرّب طرابلس من أنقرة. ففي غضون أشهر، وقعت ليبيا وتركيا عدة مذكرات عزّزت الوجود العثماني في ليبيا. وأحدثها المصادقة على جزء من "بروتوكول التدريب على الطيران بين جمهورية تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية".
ذلك بالإضافة إلى الاتفاق الذي تم توقيعه في 3 أكتوبر/تشرين الأول في اسطنبول والمتعلّق بالطاقة والأمن، والذي لاقى انتقادا واسعا في ليبيا، حيث يمكن البلدين من ممارسة أنشطة التنقيب عن النفط والغاز واستغلالهما بشكل مشترك داخل الحدود البحرية المشتركة بين البلدين. وهي اتفاقيات فاقدة "للشرعية" تغذي الاضطرابات والانقسامات داخل ليبيا لأنها صادرة عن طرف ليبي واحد لم يقع عليه إقرار جماعي ومتمثل في شخص رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة.
تحركات الدبيبة و"استراتيجية الهيمنة" التي يعتمدها تتطلّب تسريع جهوده للمصالحة في البلاد بهدف الوصول إلى انتخابات تشريعية ليبية تستجيب لإرادة الشعب الليبي.