لا يزال المشهد السياسي في ليبيا متأزماً ومعقداً رغم الرغبة الشعبية بإجراء إنتخابات وإنهاء التدخلات الغربية في البلاد، الا أن الملف الليبي يشهد نشاطاً أميركياً فاعلاً على المستويين السياسي والاقتصادي، وأكثر من ذلك على المستوى العسكري، في خطوات أميركية لزيادة نفوذها في البلاد الغنية بإحتياطيات النفط والغاز، وفي نفس الوقت، مواجهة النفوذ الروسي الصيني في كِلا شقي ليبيا الشرقي والغربي.

فعلى الصعيد السياسي، تتحرك واشنطن بنشاط في الداخل الليبي عن طريق مبعوثة الأمم المتحدة لدي ليبيا الأمريكية، ستيفاني خوري، التي منذ أن تولت مهامها في آواخر أبريل الماضي، بدأت خوري في عقد اللقاءات والإجتماعات مع جميع الأطراف الليبي شرقاً وغرباً وجنوباً.

وفي هذا السياق  حذر   مراقبون من تغلغل واشنطن في الشأن السياسي الليبي لاسيما بعد لقاء أعضاء مجلسي النواب والدولة في القاهرة وإتفاقهما على تشكيل حكومة جديدة وإجراء الانتخابات، ليسارع رئيس المكتب السياسي في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، ماتيو نوربكي، ويلتقي برئيس لجنة الشؤون السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، الدكتور محمد عبد العزيز حريية.

ناهيك عن عودة هيمنت واشنطن على بعثة الأمم المتحدة، حيث أكد البكوش أن ستيفاني خوري اليوم تعمل على نفس نهج ستيفاني ويليامز، فالأخيرة جاءت للبلاد بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، وخوري اليوم تسعى لعقد ملتقى حوار سياسي ليبي جديد لإطالة أمد الفترة المؤقتة في البلاد الى أجل غير مسمى، وأضافوا أن "وجود ستيفاني خوري، على رأس البعثة الأممية هو وجود لواشنطن في دوائر الأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية الأخرى".

وأشار عدد المختصين بالملف الليبي أنه "يجب على خوري أن تبتعد عن سياسة بلادها لكونها تمثل الأمم المتحدة بدور محايد، ولا تمثل بلادها في هذا المنصب، ويجب عليها العمل بسياسة تفيد الليبيين وليس العكس، والابتعاد عن صراعات الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا والعالم والابتعاد عن حلم الأمريكيين بالسيطرة على العالم، وإلا فإن الشعب الليبي لن يرحب بهذه البعثة".

أما عسكرياً، يبرز الدور الأمريكي في البلاد عبر شركة "أمنتوم" الأمنية الخاصة، التي انتشرت بشكل كبير في العاصمة الليبية طرابلس، حيث أكدت بعض التقارير الاستخباراتية أنه تم خلال الفترة الماضية رصد أكثر من رحلة جوية عسكرية بين قواعد أميركية في المنطقة وقاعدة الوطية الجوية، فيما يقوم أعضاء شركة "أمنتوم" الأمريكية منذ أشهر بتدريب الجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس.

ولم تكتفي واشنطن بهذا فقط، بل قامت بإرسال نائب قائد "أفريكوم" والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا، جيريمي برنت، وقائد قيادة العمليات الخاصة في أفريقيا "سوكاف" الأدميرال، رونالد فوي، والوفد المرافق لهم، لبحث التعاون المشترك مع الجيش الليبي، وتأتي هذه الزيارة بعد يوم من زيارة الوفد العسكري الأميركي إلى طرابلس، واجتماعه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة ووزير دفاعها، عبدالحميد الدبيبة، ورئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، وهذا ما يعكس اهتمام واشنطن الخاص بليبيا.

ويرى مراقبون أن هذه الزيارات من قادة "أفريكوم" ما هي الا خطة أمريكية لتكريس حضورها في ليبيا، وأكد إبراهيم إلى أن الرؤية الأمريكية الجديدة لليبيا تقضي بتوحيد السلطتين السياسية والعسكرية معاً، وهو ما يتم حالياً عبر التوسع الأمريكي عسكرياً في البلاد ولقاءات الوفود العسكرية والأمنية الأمريكية مع الأطراف الليبية. وسيطرة الأمريكيين عسكرياً على الأرض سيضمن لهم التحكم بالوضع السياسي في البلاد، وإتخاذ الإجراءات المناسبة لهم في سياق تمديد أمد الأزمة السياسية، لضمان وضع يدهم على الموارد الليبية.

وتأتي كل هذه التحركات بضوء أخضر من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، السعي الأكبر لخدمة المصالح الأمريكية في ليبيا خاصة في المنطقة الغربية لاسيما أنه يعرف المقابل الذي يحتاج إليه وهو الاستمرار في الحكم إلى ما لانهاية.

مؤكدين أن الولايات المتحدة تحاول مع المبعوثة الأممية ستيفاني خوري تشكيل حكومة جديدة، وتابع الغندور أن واشنطن تطالب بضرورة أن يتخلى الدبيبة عن منصبه لتشكيل الحكومة الجديدة التي ينادي بها مجلس النواب، ويجعل منها شرطا للسير نحو الانتخابات، لكنها ومن وراء الستار، تدعو الدبيبة إلى البقاء في منصبه، وإلى حد الآن ليس هناك شخص مثله يمكن أن يخدم مصالح واشنطن في ليبيا، خاصة وأنه يمثل حاليا مراكز نفوذ مالي واقتصادي، ويحمي شبكات الفساد ويخدم شراكات إقليمية ودولية للاستثمار في مجال الطاقة ببلاده، وفوق كل ذلك يلعب على حبال التناقضات الداخلية والخارجية.