أظهرت فاشية وباء كورونا، ثغرات واسعة في الأنظمة الصحية لمجموعة من الدول، بالخصوص منها البلدان الإفريقية التي تعاني في مجملها من هشاشة البنية التحتية الصحية. وفي ظل الجدل الدائر حول حجم الآثار الاقتصادية لهذا المرض على دول أفريقيا، فلابد من الاعتراف أن الأزمة الصحية الراهنة فاقمت من تباطؤ الاقتصاد في أفريقيا، إذ معدل النمو سينتقل في إفريقيا من 3.2 إلى حوالي 1.1 في المائة، الأمر الذي سيتسبب في ارتفاع عدد الفقراء على صعيد القارة بنسبة 40 في المائة، والأكيد الذي لا يختلف عليه اثنان أنّ هذا الجائحة كشفت مجموعة من الأمور ذات أهمية في اقتصاديات الدول الأفريقية، منها على سبيل المثال، أولا: الارتباط الوثيق بين اقتصاديات أفريقيا واقتصاديات الدول الكبرى، إلى درجة أنّ أيّة صدمة في دولة ما من تلك الدول الكبرى، تؤدي إلى آثار وخيمة في الدول الإفريقية.
فبمجرد إغلاق الأسواق الصينية بعد إعلان مرض كورونا من اللجنة الوطنية للصحة في الصين شُلَّت التجارة الدولية في أكثر الدول الإفريقية. لقد صدق من قال: (إذا أُصيب اقتصادُهم بالزكام، فإن اقتصاد العالم الإفريقي كلّه يعطس). ثانيا: محاكاة النظام الرأسمالي والعمل به في أكثر الدول الأفريقية، ومع تصاعد كوفيد 19 المستجد اتضح ابتعاد هذا النظام الاقتصادي عن القيم الاجتماعية والإنسانية السامية.
ورغم ما شهدته الكثير من الدول والأقاليم الأفريقية من تعافٍ سريع مع انتشار واضح لحملات التطعيم، يبدو أن الجائحة لن تصل لنهايتها في المدى القريب، وأن الكثير من الدول الأفريقية، لا سيما الهشّة منها، بحاجة إلى بذل جهود أكبر للسيطرة على تفشي الجائحة. وفي هذا السياق، دعت دول أفريقية خلال القمة الأخيرة حول "تمويل الاقتصادات الإفريقية" إلى تحسين الدعم التمويلي من المجتمع الدولي لمساعدة القارة على تجاوز أزمة جائحة كوفيد-19 في أقرب وقت ممكن. وبدوره أشار صندوق النقد الدولي مؤخرا إلى أن الفيروس آخذ في توسعة الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، في ضوء أثرها القوي بشكل خاص على الدول ذات الأبنية الاقتصادية البسيطة التي تعتمد بقوة على السياحة أو الصادرات السلعية، كما أن تنمية الدول الأفريقية تواجه تحديات عسيرة في مقدمتها الوضع العنيف للسيطرة على الجائحة في القارة.
وفيما يصل عدد سكان القارة الأفريقية لبليون نسمة فإنها لم تتحصل بعد إلا على 2 في المائة من إجمالي جرعات التطعيم في العالم. ومع التحول الأخير في الأحداث، ربما لن تكون الهند قادرة على الوفاء بوعودها بتقديم مساعدات التطعيمات لأفريقيا بسبب تجدد انتشار الإصابات داخل الهند، وممارسات احتكار اللقاحات وتأميمها من جانب دول معينة التي أعاقت الوصول وصول الأفارقة للقاحات. ورغم أن الصين كانت تقدم لقاحات لنحو 30 دولة، فإنه ثمة حاجة لبذل دول أخرى جهود لمساعدة القارة على تجاوز الأزمة الصحية، إضافة إلى ذلك فإنَّ الصراعات المحلية تعمّق على نحو متزايد تحديات التنمية أمام الدول الأفريقية، إذ إن السلم والاستقرار هما حجرا الزاوية لأية تنمية، وقد أعاقت الصراعات المسلحة المستمرة داخل الدول الإفريقية احتواء كوفيد-19 وتطور اقتصاداتها، كما أظهرت الدول الغربية رغبة متدنية لتقديم المساعدات للدول الأفريقية، وشهدت العديد من الدول المتقدمة الغربية نموًّا اقتصاديًّا خافتًا، وارتفاعا كبيرا في معدلات البطالة وتزايد حدة الصراعات الاجتماعية في ظل الجائحة، ومع تركيز السياسيين على المشكلات الداخلية، فإن قدرة هذه الدول على تقديم الدعم للدول النامية قد تدهورت بحدة.
وفي مثل هذه الأحوال، فإن توقعات تقديم الصين لمساعدات ارتفعت بقوة، بأي حال فإنها ترى أن زيادة سريعة في المعونات وحدها لا يمكنها تلبية الحاجات الاقتصادية للدول الأفريقية، ولا تعتقد الصين أنه مسارٍ مُجْدٍ.
ومن هنا، ولأجل تعزيز مؤثر لإعادة بناء الدول الأفريقية ما بعد كوفيد-19، فإن الدور التوجيهي لحاجات التعاون المالي يجب أن يُكرّس بالكامل، وأن يتم الإسراع في الربط بين استراتيجيات التنمية لدى الدول الأفريقية مع حاجات مبادرة الحزام والطريق. وفيما يتعلق بتمويل التنمية فإن على الصين أن تُؤسّس جهودا لتحسين تقييم المخاطر من أجل تعزيز تنمية منتظمة وبعيدة المدى للتعاون المالي بين الصين وأفريقيا.
وأول هذه الجهود تقوية توجيه السياسيات رفيعة المستوى عندما يتعلق الأمر بالتعاون المالي. كما يمكن استخدام آليات متعددة الأطراف لتقوية التواصل السياسي ورفع مستوى التحول المؤسساتي للحوارات السياسية الثنائية. وثانيها وجوب متابعة التعاون المالي لقواعد السوق وتفعيل كامل لدور السوق في تخصيص الموارد، وكذلك الدور الرئيس للشركات والأعمال. ثالثها وجوب توجيه الاهتمام لتقوية ضبط مخاطر مشروعات التمويل التعاوني على نحو منتظم وبوفرة على قاعدة منع المخاطر المنتظمة. ومن وجهة نظر الشركات، كهيئات سوقية، فإن هناك ضرورة لالتزام المؤسسات والشركات المالية بقواعد السوق ومخاطر التحكم في الوقت الذي يتم فيه تعزيز الابتكار.