مبادرة أممية، وتوافقات داخلية، وزخم اقليمي ودولي، كلها تطورات هامة يشهدها الملف الليبي مؤخرا، تحيي الآمال بامكانية تجاوز الأزمة السياسية في البلاد وانهاء سنوات من الضياع.لكن هذا التفاؤل مازال يصطدم بأخطر الملفات وأكثرها تعقيدا وهو الملف الامني،الذي يشكل العقدة الابرز في طريق استقرار البلاد.
فالفوضى الأمنية تعتبر مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ العام 2011، ومثل إنتشار السلاح في البلاد معظلة كبيرة، خاصة مع وجود الميليشيات المختلفة التي دخلت في صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة،في غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.
الجميع في مرمى الاختطاف
في حادثة جديدة، اختطف مجهولون عضو مجلس النواب الليبي، عن دائرة ترهونة حسن الفرجاني سالم، وإقتادوه إلى جهة غير معلومة. مجلس النواب أدان الحادثة، وطالب في بيان له النائب العام باتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لمعرفة الجناة وتقديمهم للعدالة والإفراج عن النائب، محملا الجهة الخاطفة المسؤولية الكاملة عن سلامته.
وفي التاسع من يناير الماضي تعرض منزل النائبة بمجلس النواب، سارة السويح، لهجوم مسلح في ضاحية "جنزور "غرب العاصمة طرابلس من قبل مجموعة خارجة عن القانون، بحسب بيان لمجلس النواب. وذكر البيان حينها أن الهجوم استخدمت فيه قنابل يدوية وقذائف "آر بي جي" لكن أحداً لم يصب بأذي جراء الهجوم.
استهداف النواب ليس بجديد، فقد شهدت السنوات الماضية وقائع مشابهة لاعتداءات مختلفة طالت النواب، ولعل أبرزها عملية اختطاف النائبة الليبية، سهام سرقيوة، من منزلها في مدينة بنغازي والاعتداء على زوجها وأبنائها في يوليو عام 2019، وبقي مصيرها مجهولا ولغزا غامضا وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية على الجريمة.
ويأتي اختطاف النائب الليبي، بعد يومين من اختطاف مدير أمن شحات السابق محمد فرج الحاسي، على يد مجموعة مسلحة في العاصمة طرابلس، لتعلن بعد ذلك المديرية عبر حسابها على "فيسبوك"،إطلاق سراحه، دون تقديم أي تفاصيل حول عملية الاختطاف والجهة التي قامت بها، والأكثر إثارة للجدل أنها لم تتحدث عن ملاحقة الفاعلين.
عمليات الخطف تطال الجميع، ذلك هو العنوان الذي يمكن ان يصف هذه الجرائم،فقائمة المخطوفين، خلال الأشهر الماضية،ضمت عسكريين، وأمنيين، وصحافيين، ومواطنين بينهم رجال وأطفال، وامتدت أيادي الخاطفين أيضاً إلى الأجانب. ففي منتصف فبراير الماضي، اختطف مجهولون ستة أقباط مصريين في ليبيا وطلبوا فدية للافراج عنهم.
وأثارت الحادثة جدلا كبيرا في الأوساط المصرية، ومخاوف أكبر خاصة وإنها تزامنت مع ذكرى إعدام تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا 21 مصريا في 15 فبراير 2015. وتحركت الديبلوماسية المصرية لبحث الحادثة قبل أن يتم الإعلان عن إطلاق سراح المخطوفين الذين كشفوا لوسائل إعلامية تفاصيل لحظات اختطافهم وأيام الرعب التي عاشوها خلال تلك الفترة وحتى تحريرهم.
لغة الرصاص تسود
ويمثل الاختطاف ظاهرة شائعة في البلد الذي تمزقه الحرب، حيث ينتشر قطّاع الطرق، و"عصابات الحرابة"، فضلاً عن تشكيلات مسلحة بخلفيات دينية وجهوية مختلفة، ليمارسوا شتى أنواع الجرائم مستغلين ضعف دور المؤسسات الأمنية التي يقتصر دورها على استقبال الشكاوى وتوثيق حالات الخطف فيما يفتقر إلى نجاعة الأجراء إلا فيما ندر.
وتواصل التشكيلات المسلحة ممارسة هوايتها في الاقتتال، حيث تشهد مناطق غرب ليبيا اشتباكات متفرقة، كان آخرها تلك التي وقعت، ليل الجمعة، في بوابة النقازة، بين عناصر من وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، وعناصر من قوة الدعم المعروفة بالـ"ماريندا"،فيما يبدو أنه صراع على النفوذ وبسط السيطرة بين الطرفين.
ومنذ أيام قليلة، عاشت مدينة الزاوية غربي ليبيا،على وقع اشتباكات ضارية، استخدمت فيها المليشيات جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. الاشتباكات التي اندلعت بسبب خلاف على مناطق النفوذ أوقعت عددا من القتلى والجرحى بينهم مدنيين، وأدت إلى نزوح عدد من العائلات هربا من جحيم الرصاص والمدافع.
وتشهد المدينة منذ مطلع العام الجاري، توترا أمنيا كبيرا وسط حالات من الاغتيالات،والإختطاف،والجرائم المختلفة.وفي 6 فبراير الماضي، سقط عدد من الضحايا، في اشتباكات عنيفة بمنطقة ضي الهلال، من مدينة الزاوية، ناهيك عن خسائر في البنى التحتية، وممتلكات المواطنين،بحسب بيان أصدرته المنطقة العسكرية بالساحل الغربي.
ورغم الإعلان عن تشكيل غرفة أمنية تضم الأجهزة الأمنية بمدينة الزاوية خلال اجتماع موسع عقد بمديرية أمن الزاوية بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين في غرب ليبيا، في محاولة لبسط الأمن، فإن الوضع يبدو خارجا عن السيطرة في المدينة التي تعتبر من أكثر مدن الغرب الليبي تواجدا للميليشيات المسلحة.
إنتخابات وسط النيران
في الوقت الذي تتصاعد فيه التحركات باتجاه اجراء الانتخابات الليبية،وسط محاولات محلية ودولية لدعم هذا الاستحقاق،فإن الأمر يبدو صعبا في ظل الفوضى الأمنية التي يرسم ملامحها إنتشار السلاح والميليشيات المختلفة مقابل غياب جيش أو شرطة نظاميين وفي ظل عجز حكومي متواصل عن وضع حد لسيطرة المسلحين وفرض سلطة القانون.
منذ أيام قليلة،أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي،في إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن الدولي،عن مبادرة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد خلال عام 2023،لاقتترحيبا ودعما من اطراف محلية ودولية فيما انتقدتها اطراف اخرى.تزامن الأمر مع دعوات وتصريحات بين مختلف الاطراف الليبية لاجراء الانتخابات في توافق يبدو مهما واستثنائيا.
قرار الذهاب الى الانتخابات يمثل الحل الانسب لانهاء صراع الشرعية وارساء حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات،لكن اجراء العملية الانتخابية في وضع تنقسم فيه البلاد بين حكومتين،وتنتشر فيه المجموعات المسلحة المختلفة الولاءات والاهواء،ناهيك عن المرتزقة والعناصر الارهابية،ليس أمرا هينا.ويرى المراقبون ان الوضع سيكون خطيرا على الناخبين والمراكز الانتخابية والمرشحين.
فالجهاز الأمني في ليبيا، يعاني منذ سنوات انقسامات زادت من انهاكه وضعف قدراته،وقد أكدت حوادث متعددة حجم التحدي الذي قد يواجهه تأمين الانتخابات.ففي مناسبات عديدة تعرضت مقرات مفوضية الانتخابات في مناطق مختلفة من البلاد،لاعتداءات بقوة السلاح، بخلاف دعوات التحريض والتهديد التي تتسارع كلما حدد موعد لاجراء الاستحقاق.
. يعقد الليبيون آمالا كبيرة على الانتخابات في إعادة الاستقرار إلى بلادهم، بعد عقد من الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية،وتشير تصريحات المسؤولين الى توافق بين اغلب الاطراف على ضرورة انجاز الاستحقاق، لكن تأمين العملية الانتخابية،سيبقى التساؤل الأكثر الحاحا في المرحلة القادمة وقد تكةن الاجابة عنه المحدد لمستقبل البلاد.