تعد ليبيا إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46. 6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا. لكن ومنذ العام 2011، يتعرض قطاع النفط في ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد، إلى مشاكل وصعوبات متزايدة، جعلت مصدر الدخل الوحيد للبلاد على حافة الإفلاس.

ورغم أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت تحسنا ملحوظا للقطاع النفطي ما أنعش الآمال بتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فإن عودة الاضطرابات والمخاطر المتواصلة والإغلاقات المتكررة للحقول النفطية تهدد بإنتكاسة جديدة، وهو ما يدفع للبحث عن سبيل لتأمين الحقول النفطية والحفاظ على استمرار إنتاج الخام.

تحركات عسكرية

إلى ذلك، يواصل الجيش الوطني الليبي محاولاته لحماية الثروة النفطية من عصابات التهريب والعناصر الإرهابية التي تهدد بإستنزافها. وفي مؤتمر صحفي، قال الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، إن "حرس المنشآت النفطية بدأ اليوم في تأمين الحقول النفطية في الصحراء داعياً المؤسسة الوطنية للنفط إلى دعمه. وأكد المسماري، إن "منطقة الكفرة تعتبر نقطة ساخنة لعمليات التهريب داعياً أهالي المنطقة لمساعدة القوات المسلحة على منعه". مشددا على أن القوات المسلحة في حالة طوارئ مستمرة مشيراً إلى أن العمليات العسكرية لا تستهدف مدينة أو منطقة وأن القوات المسلحة ستواجه الإرهاب أينما وجد مؤكداً أن تحركات الجيش الأخيرة تهدف للقضاء على الإرهاب وبسط الأمن.

وراجت تجارة تهريب الوقود الليبي غير القانونية كثيرا في السنوات الماضية في المدن الساحلية والحدودية الليبية، نتيجة للانفلات الأمني في عموم البلاد.  وأصبحت عملية تهريب النفط واحدة من أكثر طرق التهريب ربحا في الفوضى الليبية، وهو ما أدى الى تكبد الاقتصاد الليبي لخسائر كبيرة. والسبت 15 ديسمبر 2018، دفع الجيش الليبي، بتعزيزات عسكرية إلى منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية، لتعزيز التأمين، بعد رصد تحركات لجماعات إرهابية تخطط لمهاجمة الحقول النفطية الأكبر في ليبيا.

وأظهر مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة للجيش الليبي في موقع "فيسبوك"، عشرات السيارات والآليات العسكرية، تدخل منطقة "بونجيم" الواقعة جنوب غرب مدينة سرت، محمّلة بمختلف الأسلحة الثقيلة والمدفعية الصاروخية. وتعرضت منطقة الهلال النفطي لثلاث هجمات مسلحة، منذ أن تمكن الجيش الليبي من السيطرة عليها قبل عامين، قادتها مجموعات تابعة لإبراهيم الجضران، الذي أدرجه مجلس الأمن في قائمة عقوباته منتصف سبتمبر الماضي، أدّت إلى تخريب عدد من المنشآت النفطية ومقتل عشرات الأشخاص. وتضم منطقة الهلال النفطي التي تبعد 500 كيلومتر شرق العاصمة، وتتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس، المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى وجود أكبر ثلاثة مرافئ لشحن النفط في ليبيا. 

خطة تأمين

من جهتها، وضعت السلطات الليبية التي تدير شؤون الدولة من طرابلس خطة طارئة من أجل فرض طوق على الحقول النفطية للحفاظ على استمرار إنتاج الخام وحتى لا تتعرض لهجمات الجماعات المسلحة. وكشفت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، عن إتفاق بين رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، حول وضع خطة أمنية جديدة لحماية حقل الشرارة النفطي. وذكرت المؤسسة في بيان، الإثنين الماضي، وفقا لوكالة "رويترز" أن "الخطة تتضمن إنشاء 'مناطق خضراء' آمنة داخل الموقع لمنع دخول أي شخص دون تصريح. . .  وإبعاد جميع الأشخاص غير المصرح لهم بالتواجد في الحقل. ونقل البيان عن صنع الله قوله لرئيس الوزراء "إن المؤسسة الوطنية للنفط على استعداد تام لفتح الحقل في حال تم الإشراف بشكل سليم على جهاز حرس المنشآت النفطية".

وحرس المنشآت النفطية جهاز تابع لوزارة الدفاع يتولى مسؤولية تأمين منشآت النفط والغاز في ليبيا، لكن صنع الله انتقد أداءه وطالب بتغيير رئيسه في حقل الشرارة. وأكد الجانبان خلال الاجتماع الذي عُقد بطرابلس، الإثنين، على أنّ سلامة موظفي مؤسسة النفط تعتبر أولوية ملحّة، مشددين على ضرورة إبعاد كل المتورطين في أعمال العنف أو التهديد ضد العاملين عن الحقل. وقال صنع الله، "لا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عن التهديدات التي يتعرّض إليها موظفو المؤسسة، إن المؤسسة الوطنية للنفط على استعداد تام لفتح حقل الشرارة، في حال تم الاشراف بشكل سليم على جهاز حرس المنشآت النفطية وإعادة تكليف وحدات دعم الشركة، وتنفيذ الإصلاحات الرئيسية. وقال صنع الله، "أبلغت السراج بأهمية ضمان سلامة العاملين، التي تأتي على رأس أولوياتي، والحاجة إلى وضع ترتيبات أمنية جديدة في الحقول الموجودة في المناطق الجنوبية.  حيث أن عمال القطاع يقومون ببناء مستقبل هذا البلد العزيز، وأقل ما يمكننا فعله من أجلهم هو ضمان سلامتهم وأمنهم، وأنا مطمئن بأن هذا الأمر هو من أوليات الحكومة أيضا.

الايرادات

وأقدم محتجون شكلوا ما عُرف بــ"حراك غضب فزان"، على إقفال حقل الشرارة النفطي، قرب مدينة أوباري، جنوبي ليبيا، في 8 ديسمبر من الشهر الجاري، وذلك قبل أن تتوسع الاحتجاجات في 12 منطقة في الجنوب، للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والخدمية. وانضمت لحراك فزان الكتيبة 30 التابعة لحرس المنشآت النفطية المكلفة بتأمين حقل الشرارة، وذلك للمطالبة بدفع مستحقاتهم ورواتبهم المتأخرة. وأعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، الأحد 9 ديسمبر/كانون أول الجاري، حالة القوة القاهرة ووقف الإنتاج في حقل الشرارة أكبر حقول البلاد النفطية، والذي سبق أن تعرض لعمليات إغلاق متكررة، الأمر الذي تسبب في خسائر بملايين الدولارات وجراء العراقيل المتكررة تراجعت إيرادات ليبيا من النفط والغاز بنسبة 16. 4% إلى 2. 4 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة مع 2. 87 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، إنه على الرغم من أن إيرادات نوفمبر/تشرين الثاني أقل من الشهر السابق، فإنها "ثالث أعلى عائدات شهرية محققة منذ بداية عام 2018". متوقعة ارتفاع إيرادات العام بالكامل إلى 24. 2 مليار دولار، بزيادة 76% عن العام الماضي.

وعلى الرغم من المشاكل الأمنية الحالية التي أثرت على الإنتاج من حقول النفط الليبية، فإن إيرادات المؤسسة الوطنية للنفط تلقت دعما هذا العام من ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج. وتنتج ليبيا حاليا نحو 1. 15 مليون برميل من النفط يوميا. وقال رئيس المؤسسة، مصطفى صنع الله في بيان "ستواصل المؤسسة الوطنية للنفط بذل قصارى جهدها للنهوض بالاقتصاد الليبي وتوفير الأموال اللازمة لضمان التوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاقتصادية في كافة أرجاء البلاد".

وتعد إيرادات النفط الخام المصدر الرئيس للنقد الأجنبي، من جهة، والمصدر الأول للسيولة المالية لحكومة البلاد من جهة أخرى. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بلغت خسائر ليبيا جراء الانخفاض في إنتاج النفط خلال 4 أعوام الماضية، نحو 50 مليار دولار. وتراجع إنتاج ليبيا النفطي لأقل من 300 ألف برميل في 2013، مع اشتداد التوترات الأمنية في البلاد، قبل أن تبدأ رحلة صعود ثم استقرار خلال العام الجاري