بشكل غير مسبوق ، إختارت أثيوبيا أن تسير بعيدا في تأنيث الشأن العام ، عندما سيدة لرئاسة البلاد ، وأخرى لرئاسة المحكمة الإتحادية العليا ، ومنحت 50 بالمائة من حقائب الحكومة الجديدة الى نساء ، بما في ذلك حقيبة الدفاع ، ووفق المراقبين ، فإن هذه الخطوة ستؤثر في المستقبل السياسي للمرأة الإفريقية ، وستعطيها مجالا أوسع لإحتلال المكاتة اللائقة بها في مستوى المسؤوليات الرسمية والمناصب السيادية 

وكان رئيس الحكومة الأثيوبية الإصلاحي أبي أحمد ( 42 عاما )  أعلن في منتصف أكتوبر الماضي عن تشكيل حكومته الجديدة التي منح نصف حقائبها الى نساء ،وقال :  "ستدحض وزيراتنا القول المأثور القديم الذي لا تستطيع النساء قيادته" مشيرا الى أن  "هذا القرار هو الأول في تاريخ إثيوبيا وربما في أفريقيا".

وبعد أيام صادق البرلمان الإتحادي على إختيار الديبلوماسية سهلي ورق زودي رئيسة للدولة ، وميازا  شينافي رئيسة للمحكمة الإتحادية العليا ، أكبر سلطة قضائية في البلاد 

وكانت سهلي ورق  تتولى منصب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في الاتحاد الأفريقي قبل أن يتم إختيارها رئيسة لأثيوبيا ، وقد ولدت في أديس أبابا ودرست في باريس ، وعملت في وزارة الخارجية ، ونشطت طويلا في المجال الديبلوماسي حيث  عملت سفيرة لبلادها في باريس وجيبوتي ودكار ، وممثلة دائمة لإثيوبيا في السلطة الحكومية للتنمية التابعة للأمم المتحدة من خلال الكتلة الإقليمية لشرق إفريقيا 

وخلال جلسة تنصيبها رئيسة البلاد في الأول من نوفمير الجاري ، عبرت سهلي ورق   أمام البرلمان الأثيوبي عن تقديرها للإصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء أبيي أحمد ومنها  خياره تشكيل حكومة نصف أعضائها من النساء. وتشغل سيدتان منصبي وزيري الدفاع والسلام التي أحدثت مؤخرا ، مشيرة الى  إن "التغييرات التي أنجزت حاليا في إثيوبيا يقوم بها رجال ونساء معا واندفاعهم سيؤدي إلى ولادة إثيوبيا حرة من كل تمييز ديني او اثني او على أساس الجنس".

وأكدت أن "النساء هن الضحايا الأوائل لغياب السلام". وتابعت "خلال ولايتي، سأركز على دور النساء من أجل ضمان السلام وعلى مكاسب السلام للنساء"، داعية "الحكومة إلى القضاء على الفقر بمشاركة كاملة من المرأة، لأنها مصدر لعدم الاستقرار".

وخلال إستقبالها  وكيل الامين العام للامم المتحدة والامينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لافريقيا فيرا سانغوي ، قال الرئيسة الأثيوبية إنها حريصة جدا على تمكين المرأة ، وتابعت : نحن نريد ان نعمل اكثر على كيفية دعم المراة الاثيوبية والافريقية .و نريد ايضا ان نعمل مع النساء اللاتي تم تعيينهن حديثا."

وقال  المحلل السياسي الأثيوبي جمدا سوتي ل« البيان » أن هذا التوجه جاء ضمن المشروع الإصلاحي الذي يقوده رئيس الوزراء آبي أحمد منذ توليه السلطة في مارس 2018 ،وهو مشروع أخذ أبعادا إقليمية بإعلان الصلح مع دول الجوار وخاصة إريتريا بعد 20 عاما من القطيعة والصراع المسلح ، والإتفاق على إحلال السلام في منطقة القرن الإفريقي ، وإتخذا إبعادا داخلية من بين مؤشراتها العمل على طي صفحات الماضي ،وإنعاش الإقتصاد ، وتمكين المرأة من حقها في المساواة الكاملة مع الرجل ، وهو ما تجسد بالخصوص في حصول  النساء على 50 بالمائة من الحقائب الوزارية

وتابع سوتي أن المرأة الأثيوبية لها مكانة كبيرة في تاريخ البلاد القديم كحاكمة ومحاربة وصاحبة قرار ، ثم كانت مقاومة ضد الإستعمار والعنصرية ، وناضلت في سبيل أن يكون لها موقعها الذي هي جديرة به ، وحافظت على أسرتها أيام الحروب والصراعات رالديكتاتورية  وعندما هاجر نصف الرجال الى خارج البلاد ، وهاهي اليوم تحتل الصدارة في المشهد السياسي ، لتقدم أثيوبيا من خلالها رسالة الى العالم بأن هناك تحولا حقيقيا تعرفه البلاد ، ينسجم مع طموحها في التقدم والحرية والديمقراطية  وتحقيق الرفاه لشعبها الذي طالما عانى من الفساد والإستبداد 

وأردف أن تمكين المرأة في أثيوبيا يندرج ضمن إصلاحات شاملة هدفها الإنطلاق نحو المستقبل الأفضل سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا ، وسيكون لها تأثيرها الكبير على مستوى القارة الإفريقية قاطبة حيث لا تزال المرأة تناضل من أجل أن تحتل الموقف الذي تستحقه 

وأبرز سوتي أن هناك أمرا مهما يمكن النظر إليه بعمق ، وهو أن المرأة الإثيوبية لا تزال تواجه صعوبات شتى في أغلب المناطق ، وخاصة بسبب الظروف الإقتصادية أو بسبب التقاليد المتوارثة ، ولكن وجود نساء بهذا الحجم وهذا المستوى في قيادة البلاد ، سيكون ملهما للمجتمع ، ودافعا مهما لدعم المشروع الإصلاحي في بعده الإجتماعي ، وخاصة فيما يعلق بحقوق المرأة في التعليم والعمل والحرية والمساواة الكاملة مع الرجل 

ولأول مرة في تاريخ أثيوبيا والقارة الإفريقية ، يتم تشكيل حكومة نصفها من النساء ، وكان لافتا إسناد حقيبة الدفاع الى عائشة محمد موسى هي رئيسة مجلس النواب السابقة ، وتكليف  مفرحات كامل بحقيبة  السلام المنشأة حديثا والتي يتلاءم إحداثها من التحولات المهمة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي بعد المصالحات بين دوله ، والتي يردها المراقبون الى جهود رئيس الوزراء الأثيوبي الشاب آبي أحمد

كما شهدت الحكومة التي تم تخفيض أعضائها من 24 الى 20 وزيرا ، تمكين النساء من  كل من وزارة الموارد، وزارة التجارة والصناعة، وزارة المواصلات، وزارة العلوم والتعليم العالي، وزارة المرأة والطفولة ، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وزارة الثقافة والسياحة، ووزارة التخطيط ومفوضية التنمية.

ووفقا للكاتب الأثيوبي  شيميليس كاسا ،لم تكن قضية مشاركة المرأة في السياسة في وضع جيد لفترة طويلة ،وإنما كان تمثيل المرأة ضعيفا ومشاركتها في الحياة السياسية  منخفضة المستوى ،وقد  كان  ذلك اتجاهاً مستمراً في إثيوبيا.حيث ورغم أن النساء يشكلن نحو 51 في المائة من السكان ، فإن البلاد كانت تعاني من  الافتقار إلى الالتزام بزيادة مشاركة المرأة وغياب المعرفة السياسية الكافية حول تمثيل المرأة مشاكل لمشاركة المرأة الفقيرة في السياسة  

وتشير صبا جبريميدين ، المديرة التنفيذية لشبكة المنظمات النسائية الإثيوبية ، الى أن  دستور البلاد يعترف  بحقوق المرأة المتساوية مع الرجل في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.حيث يؤكد أن  للمرأة الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة ، مباشرة ومن خلال ممثلين منتخبين بحرية ، ولها الحق في التصويت والترشح لأي مستوى من المسؤوليات الحكومية ، وأن تكون عضوا في أي منظمة سياسية ،أو نقابة عمالية ، أو منظمة تجارية.

وفي خطوة إستثنائية ، صادق البرلمان الأثيوبي على تعيين سيدة  كرئيسة للمحكمة  الإتحادية العليا ، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة ، عملية كقاضية  في المحكمة العليا في إثيوبيا من عام 1989 إلى عام 1992 ، ثم مستشارة  للجنة كتابة الدستور الجديد. كما أسّست جمعية المحاميات الإثيوبيات وساعدت في تأسيس أول بنك  إينات أول بنك نسائي في البلاد ،

وعرفت ميازا شينافي من خلال  فيلم « مختلف » الذي روجته نجمة هوليوود أنجلينا جولي بإعتبارها منتجدته التنفيذية  وحاز على جائزة الجمهور في مهرجان صاندانس السينمائي لعام 2014.

ويستند الفيلم إلى قضية عرضت على المحكمة برئاسة ميازة ،و أدت إلى حظر تقليد خطف الفتيات لإجبارهن على الزواج في إثيوبيا.

وتعود أطوار القضية الى  عام 1996 ، عندما اختُطفت أبراش بيكيلي ، البالغة من العمر 14 عاماً ، وهو في طريقها من المدرسة الى المنزل على يد رجل كان ينوي الزواج بها ، إلا أنها عثرت على بندقية كان يمتلكها وأطلقت عليه النار ،  ثم اتهمت بالقتل.لكن القاضية ميازا نجحت  في إسقاط التهم  على الطفلة أبراش وفي إطلاق نقاش عام حول التقاليد القديمة في إثيوبيا المتثملة في الاختطاف بغرض الزواج.

وبعد حصولها على ثقة البرلمان ، قالت رئيسة المحكمة الإتحاد العليا أنها بادرت بتشكيل لجنة للبحث عن كيفية إثلاح النظام القضائي والقانوني ، وأن غايتها هي أن كسب ثقة الشعب في القضاء ، وأضافت :« أنا متأكدة من أن هناك العديد من المجالات التي تحتاج إلى بناء القدرات وسنعمل مع الحكومة وشركاء التنمية لسد هذه الفجوة» 

وزارة السلام وخارطة طريق لعشر سنوات

الى ذلك ، أعلنت  وزيرة السلام مفرحات كامل عن خطتها لتوفير جائزة السلام على الصعيد الوطني للافراد الذين لديهم انشطة جديرة بالثناء في بناء السلام ،وقالت  ان الوزارة  أطلقت  سلسلة من البرامج  إبتداء من 10 نوفمبر الجاري وحتى آخر العام  لفائدة  الاثيوبيين والرعايا الاجانب من اصل اثيوبي الذين يعيشون في الداخل والخارج  وذهب بهدف إستقطابهم للمساهمة  في العمل من اجل السلام.

وتابعت ان جهود بناء السلام ينبغي الا تترك لكيان حكومي واحد ، بل أنه  من الضروري ان يقوم الشعب ، صاحب المصلحة في السلام ،  بدور نشط في دعم الجهود التي تبذلها الحكومة لضمان السلام 

وحددت  الوزارة ثماني مجالات  إستراتيجية ،وتتولى الإعداد لخارطة طريق لمدة عشر سنوات ، يشرف على تنفيذها موظفون أكفاء بهدف تحقيق طموحات الشعب الأثيوبي في السلام 

وفيما يتعلق بالاضطرابات الاخيرة في بعض منايق البلاد  قالت الوزيرة ان الحكومة بصدد إتخاذ  تدابير وفقا للقانون لضمان السلام والاستقراروهي تدعو الافراد الذين لديهم افكار مبتكرة لدعم مشاركة الوزارة في بناء السلام.