الخطر الذي تمثّله بوكو حرام في منطقة أقصى الشمال الكاميروني، والتي تتقاسم حدودها مع ولاية "بورنو" النيجيرية، معقل المجموعة المسلّحة، لم يعد يقتصر على الهجمات التي تنفّذها على الأراضي الكاميرونية، مستهدفة السكان والرعايا الأجانب فحسب، وإنّما تفاقم الخطر، في الآونة الأخيرة، لتطال أبعاده أكثر من مستوى. فأهداف المجموعة المسلّحة تحوّلت نحو تجنيد الشباب الكاميروني، تحضيرا لعمليات قادمة يقودها أبناء الكاميرون، وبإشراف من بوكو حرام.

في تصريح للأناضول، قال مصدر أمني كاميروني فضل عدم الكشف عن هويته "هجمات بوكو حرام تفاقمت بشكل ملحوظ، وهو ما تسبّب في تدهور الوضع في منطقة أقصى الشمال الكاميروني.. وأكثر ما يثير قلقنا هو احتمال تورّط الكاميرونيين في هذه الهجمات".

احتمال تورّط بعض الشباب الكاميروني في عمليات بوكو حرام كبير يلقى تأكيدا من مصادر متفرّقة في الآونة الأخيرة، حيث أقرّت جميعها بمساعي المجموعة المسلّحة الحثيثة لتجنيد عدد من سكان منطقة أقصى الشمال الكاميروني.

ومن جانبه، قال ضابط في الجيش الكاميروني (لم يذكر اسمه) إنّ "بوكو حرام تقوم بتجنيد شباب كاميرونيين، والمجموعة تستهدف الشباب المنتمي إلى الفئات الفقيرة، وممّن لم تتجاوز أعمارهم الـ 20 سنة".

وأضاف المصدر نفسه "بمجرّد تجنيدهم، يختفي هؤلاء الشباب لفترة من الوقت، قبل أن يعاودوا الظهور في البلدة ومعهم الكثير من الأموال ودراجات نارية.. هم ينتقلون مستخدمين الدراجات النارية، وهو ما يسمح لهم بالتحرك دون إثارة الانتباه".

ويرى عدد من المحلّلين الاستراتيجيين بالجيش الكاميروني أنّ اختفاء هؤلاء الشباب يتزامن مع خضوعهم لفترة "تدريب" في معسكر بوكو حرام.

وأفاد مصدر عسكري آخر فضل أيضا عدم الكشف عن هويته بأنّ القس "سيليستين إيتو"، كاهن أبرشية الشمال الكاميروني الكبير،  قلق حيال الحماس المتزايد في صفوف شباب كنيسته، بشأن الانضمام إلى بوكو حرام".

وأوضح المصدر أنّ "إيتو قال، في اجتماع أمني عقد في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ مبعوثي بوكو حرام يمرّون من بلدة لأخرى لتجنيد الشباب".

وفي حال سمح الأولياء لأبنائهم بالالتحاق ببوكو حرام، يحصلون على مبلغ مليون فرنك افريقي، أي ما يعادل ألفي و200 دولار، وفقا للمصدر نفسه.

وتجهل السلطات الأمنية في الكاميرون تحديدا عدد الكاميرونيين الذين جندتهم المجموعة المسلّحة، غير أنّها على يقين بأنّ الرقم يتجاوز مئات الأشخاص.

وفي السياق ذاته، قال مصدر أمني آخر (لم يكشف عن هويته) "نحن شبه متأكّدين أنّ هؤلاء المجندين شاركوا في الهجمات الأخيرة على الأراضي الكاميرونية. فمن الممكن أن يجتمعوا لتنفيذ هجمة ثم يتفرّقون. وبينما نقوم بتطويق الحدود للقبض على المهاجمين، يعودون هم  بهدوء إلى منازلهم القريبة من تلك التي كانوا بصدد الهجوم عليها".

ولدعم وجهة نظره، استشهد المصدر بحادثة الهجوم المزدوج التي استهدفت منطقة "كولوفاتا" شمالي الكاميرون، والتي جدّت في شهر يوليو/ تموز، واختطفت خلالها زوجة وزير كاميروني، إضافة إلى رئيس بلدية وعائلته.

واعتبر الجيش الكاميروني أن عدد منفّذي هذه الهجمات (بمنطقة كولوفاتا) يناهز الـ 400 شخص. لكن اللافت أنّ أحدا لم يكن قادرا على العثور على آثار المعتدين رغم عمليات التمشيط الواسعة التي شملت المناطق الحدودية.

وأضاف المصدر نفسه قائلا "لا يمكن لـ 400 شخص التبخّر في الهواء، وحتى وإن تفرّقوا ضمن مجموعات صغيرة، فسيكون بالإمكان تحديد الثلث منهم على أقلّ تقدير، وهذا يقودنا إلى حقيقة واحدة، وهي أنّهم بيننا".

حقيقة أخرى تدعم هذا الموقف، وهي أنّ المنطقة الحدودية مع نيجيريا تتألّف من قرى صغيرة يعرف جميع السكان فيها بعضهم البعض، وهذا ما يعني أنّ أيّ غريب أو متسلّل ستتم ملاحظته بيسر كبير.

وتابع المصدر أنّ تحركات بوكو حرام تمنح انطباعا بأنّ هجماتها مخطط لها بشكل محكم، ما يعني أنها تمتلك ما يكفي من المعلومات حول الأشخاص المستهدفين، مؤكّدا، في الآن نفسه، أنّه "لا يمكن توفير هذه المعلومات إلاّ من قبل شخص يعيش في البلدة المستهدفة".

وأعلن الجيش الكاميروني،  خلال شهر مايو/ أيار الماضي، إرساله لحوالي 5 آلاف جندي إلى الحدود مع نيجيريا، للتصدّي  لبوكو حرام، وإجبارها على التراجع عن الأراضي الكاميرونية.

غير أنّ تعزيز القوات على الحدود لم يسفر عن نتائج تذكر، كما لم تفلح في منع الهجمات وعمليات الاختطاف التي تقودها المجموعة المسلّحة في الشمال الكاميروني. نتائج مخيّبة للآمال، دفعت بالمحلّلين الاستراتيجيين صلب الجيش الكاميروني إلى الجزم بأنّ بوكو حرام ليست نيجيرية فقط، وإنما تم تطعيمها بعناصر كاميرونية توفّر الدعم اللوجستي وتشارك في التنفيذ أيضا.