تبدو الهدنة الهشة المعلنة في ليبيا منذ 12 يناير الماضي، قابلة للاختراق في أية لحظة ، حيث تبدو مقنعة لطرفي الصراع ، ولا للقوى الإقليمية والدولية التي تواجه فشلا كبيرا في إيجاد حل سياسي مناسب للأزمة المتفاقمة منذ تسع سنوات، بينما يراهن أغلبها على أن الحل العسكري وإن كان مرفوضا في العلن، إلا أنه الأقدر على تحديد مسارات العملية السياسية، وهو ما يراه الجيش الوطني المستعد لمواصلة معركته الى حين إنهاء مهمته، وكذلك تنظر إليه ميلشيات السراج المدعومة بالمرتزقة وبالتدخل التركي والتي تسعى الى إعادة القوات المسلحة الى مواقعها لما قبل الرابع من أبريل الماضي.

وفي هذا السياق، أعلن صلاح بادي، قائد ميلشيا “لواء الصمود” بمصراتة، ليل الاثنين، الانقلاب على الهدنة التي التزمت بها الأطراف المتحاربة في مؤتمر برلين حول ليبيا، ويعمل المجتمع الدولي على تعزيزها، ودعا قوات مصراتة إلى الحشد للمعركة القادمة.

وأكد بادي في مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة لقوات الوفاق على مواقع التواصل الاجتماعي، مواصلة العمليات القتالية في منطقة أبو قرين والوشكة الواقعتين بمدينة مصراتة، لاستعادتهما من الجيش الليبي الذي سيطر عليها قبل أسبوع، كما دعا قوات مصراتة إلى الخروج للدفاع عن مدينتهم والحشد للمعركة القادمة.

وتؤكد مصادر مطلعة أن ضباطا أتراكا هم من يتولون التخطيط للهجوم على تمركزات الجيش في جنوب وشرق مدينة مصراتة، والتي تم تجييش آلاف المسلحين لخوضها، وهي لا تهدف فقط لإخراج القوات المسلحة من مناطق الهيشة وأبوقرين وإنما كذلك من مدينة سرت التي يراهن النظام التركي على بسط نفوذه عليها نظرا لأهميتها الإستراتيجية كبوابة غربية للهلال النفطي حيث الحقول والموانئ، وكذلك لاحتوائها على ميناء بحري ومطار وقاعدة عسكرية ومعسكرات مهمة يمكن استعمالها في توسيع مجال التأثير التركي في البلاد.

وبالمقابل، أكد الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة اللواء أحمد المسماري أن قوات الجيش جاهزة وقادرة على الرد على أي تهديد أمني أو خرق للهدنة، وأضاف خلال مؤتمر صحفي مساء أول أمس أن التزام الجيش بوقف إطلاق النار كشف ممارسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداعمة للإرهاب في ليبيا، مشير الى أن قائد الجيش المشير خليفة حفتر استطاع بوقف إطلاق النار استدراج أردوغان إلى فخ رعاية التنظيمات الإرهابية حيث أصبحت ممارساته مكشوفة للعالم.

غير المسماري على أن قوات الجيش جاهزة وقادرة على الرد على أي تهديد أمني أو خرق للهدنة.

وأوضح المسماري أن الأوضاع في مختلف المناطق العسكرية والتي تمثل 90% من مساحة ليبيا جيدة جدا وتعمل بشكل طبيعي رغم الحرب، مشددا على أن “القوات على أهبة الاستعداد” للرد على أي خرق في أي ساعة.

وجاءت تصريحات المسماري وبادي لتكشف عن طبيعة الاستعدادات التي تجرى على الأرض لاستئناف المعارك، خصوصا مع عجز المجتمع الدولي على لجم الاستهتار التركي بمخرجات اجتماع برلين في 19 يناير الماضي، والتي وقع عليها أردوغان قبل أن يتجه الى خرقها بعد ساعات من خلال الاستمرار في نقل المرتزقة من شمال سوريا الى طرابلس، وإنزال الجنود والعتاد بالغرب الليبي في تحد سافر للقرارات الأممية.

وقام الأتراك خلل الفترة الماضية بنصب آليات الدفاع الجوي في طرابلس ومصراتة لشل تحركات سلاح الجو الليبي ، وتجهير مواقع خاصة بإطلاق الطيران المسير ، وتحويل قاعدة معيتيقة الجوية  بالعاصمة الى منطقة عسكرية شبه مغلقة ، والإعداد لتكوين قاعدة عسكرية تركية داخلها ، وفتح مراكز تدريب تحت سيطرة شركة « صادات » الأمنية التركية القريبة من أردوغان والمتخصصة في تدريب المرتزقة ، بكل من طرابلس ومصراتة والزاوية، وتجهيز غرفة عمليات تركية داخل العاصمة الليبية للتنسيق بين الأطراف المتداخلة من ميلشيات ومرتزقة وقوات أمنية وشبه عسكرية ،والتي أصبحت بقرار حكومي تحت سيطرة الأتراك.

ولا يخفي الجيش الوطني استعداده للمواجهة، لكنه لا يعلن عن كل جوانب ذلك الاستعداد، فبعض المعطيات المهمة تبقى سرية، وهي جزء من التفاعل مع استعدادات الطرف المقابل من حيث الإعداد والتجهيز والتسليح وإرسال التعزيزات والتركيز على الجانب الاستخباراتي في ملاحقة خطوات الدخلاء الأتراك.

 كما أعلنت قاعدة الوطية الجوية التابعة للجيش الليبي والواقعة بالقرب من الحدود مع تونس عن استقبالها تعزيزات عسكرية من مدينة الزنتان وصبراتة تنفيذا لتعليمات آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء إدريس مادي.

وقالت ذكرت كتيبة برق النصر، أن أفرادها باشروا مهامهم لتأمين القاعدة التي أوضحت تقارير استخباراتية أن الأتراك يخططون للاستيلاء عليها نظرا لطبيعة موقعها الاستراتيجي في غرب البلاد.

بدوره، أوضح اللواء طيار ركن محمد منفور آمر غرفة عمليات سلاح الجو الرئيسية، إن قوات الجيش الوطني الليبي تستعد لمعركة الحسم بمعنويات مرتفعة وعبر “تجهيزات عسكرية ضخمة”، مؤكدا أن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة.

وتابع في تصريحات صحفية:” نحن كسبنا المعركة سياسيا وقادرون على حسمها عسكريا، نحن نحارب في سبيل الحق وهم يحاربون في غوط الباطل سنسحق كل القتلة الذين تقاطروا علينا من كل حدب وصوب ولن تكون ليبيا إلا قبراً كبيراً لهم.”

وكان الجيش الوطني قد أرسل تعزيزات لجبهات القتال في طرابلس وجنوب وشرق مصراتة، بينما تمركزت قوات أخرى في جنوب مدينة الزاوية، استعدادا للحرب التي يبدو أنها أصبحت على وشك الاندلاع.

تحشيد في طرابلس

ووفق مصادر عسكرية من داخل طرابلس فأن حكومة الوفاق كلفت الجانب التركي بإجراء ترتيبات عسكرية وأمنية في العاصمة، والاستعداد لشن هجومات متزامنة على مواقع تمركز الجيش الوطني، بمشاركة المرتزقة السوريين والجنود الأتراك.

وأضاف المصدر الذي رفص الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية، أن حكومة الوفاق اتخذت قرار الحرب بضغط من الجانب التركي وجماعة الإخوان المتنفذة، وسلمت مقاليد إدارة المعارك لفريق الضباط والخبراء الأتراك المتمركز في قاعدة معتيقية، وأطلقت خلال الأيام الماضية سراح المئات من عناصر تنظيمي داعش والقاعدة من سجونها بعد أن التزامهم بالقتال الى جانب قواتها ضد مواقع الجيش الوطني الليبي.

وتحاول حكومة الوفاق خوض حرب تقول وسائل إعلامها أنها تهدف الى إعادة قوات الجيش الى مواقعه قبل الرابع من أبريل الماضي، لكسب نقاط سياسية في المشاورات القادمة، ولتكريس النفوذ التركي كأمر واقع على الأرض.