منذ أن كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال الشهيدين اليساريين والناشطين السياسيين بتونس شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في 2018، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك حركة النهضة لجهاز سري أمني مواز للدولة، "متورط في الإغتيالات السياسية، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحزب "، بات الملف الذي لم يبتّ فيه جدّيا منذ ذلك الحين أكثر ملفات الحركة الإخوانية خطورة وبداية نهايتها.
بعد قرارات 25 جويلية/ يوليو وحلّ البرلمان التونسي وحتى قبل ذاك التاريخ تعالت الأصوات بإقالة رئيس البرلمان وحركة النهضة وبمحاسبة الحركة وكشف ملفاتها خاصة" ملف الجهاز السري"، من العديد من الأحزاب والناشطين السياسيين والمدنيين.
ومع بداية العام الحالي أذنت وزيرة العدل التونسية ليلى جفّال للوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس لتعهيد وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس بفتح ما يلزم من تتبعات بخصوص ما عرف بـ"الجهاز السري" لحركة النهضة. وقد تلقت الوزيرة شكاية من طرف أحد أعضاء فريق الدفاع في قضيتي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ضد عدد من الأشخاص من أجل جرائم تتعلق بأمن الدولة.
إطلاق سراح مصطفى خذر"رئيس الجهاز السري لحركة النهضة"بعد 8 أعوام من إيقافه
وسط غضب عارم وردود أفعال مشحونة، تم مطلع العام الحالي الإفراج عن رئيس ما يسمى بـ"الجهاز السري" لحركة النهضة، بعد انتهاء العقوبة الصادرة في حقه والقاضية بسجنه مدة 8 أعوام وشهر واحد.
جاء ذلك تزامنا مع الحكم القضائي في مقتل ضابط في الحرس الوطني في ظروف غامضة بعد تصريحه بحيازة وثائق ومعطيات تدين نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري في ملفات فساد والتعامل مع إرهابيين .
وقضت السلطات التونسية بسجن مصطفى خذر لتهم عديدة تعلقت بالاستيلاء على وثائق مودعة بالخزينة وحيازة وثائق تحتاج إلى إثبات المصدر وغيرها من التهم، كما صدر في حقه قضية تحقيقية لدى المحكمة الابتدائية بأريانة بخصوص ما عرف" بالجهاز السري" لحركة النهضة ومحال بشأنها بحالة سراح، مثل إطلاق سراحه نقطة استفهام كبيرة.
كما يواجه مصطفى خذر أيضا اتهامات بـ"التورط في التستر على جريمة الاغتيال وإخفاء معلومات عن قضية اغتيال الناشطين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي".
إيقاف البحيري...
أعلنت وزارة الداخلية التونسية، في شهر يناير 2022 وضع شخصين تحت "الإقامة الجبرية"، بتهمة "تورطهما في تهديد خطير للأمن العام". وقالت الوزارة في بيان رسمي لها أنه "تم وضع شخصين (لم يقع تسميتهما) تحت الإقامة الجبرية، هما القيادي بحركة النهضة ووزير العدل السابق نور الدين البحيري والمسؤول السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي، "تبعا لتوفر معلومات مؤكدة حول شبهة في تهديد خطير للأمن العام، أحدهما مشمول بالبحث في ملف ذي صبغة إرهابية منشور لدى القضاء".
واستندت الوزارة في إجراءها إلى "القانون المنظم لحالة الطوارئ، خاصة الفصل الخامس من الأمر عدد 50 لسنة 1978، المؤرخ في 26 يناير (كانون الثاني) 1978، الذي يخول وضع أي شخص تحت الإقامة الجبرية حفاظا على الأمن والنظام العامين".
تضاربت الآراء والمواقف حول هذه الخطوة "الجريئة"، التي أدانتها حركة النهضة بشدة واعتبرتها "عملية "“اختطاف تمّت خارج كل الإجراءات القانونيّة والقضائيّة" إضافة إلى بعض الأحزاب والشخصيات الداعمة للحركة والمنظمات فيما اعتبرها شق آخر بداية لنهاية حكم الإخوان و"كشف ملفاتهم" خاصة منها "الجهاز السري".
وعلق المحلل السياسي و الباحث رياض الصيداوي عن حادثة إيقاف نور الدين البحري من قبل فرقة مختصة مفيدا أنها "للتحقيق معه في الاغتيالات من شكري بلعيد ومحمد براهمي وغيرهم، قيس سعيد بدأ في فتح الملفات الخارقة ورؤوس كبيرة ستسقط!"، وفق تعبيره.
بينما أفاد الوزير السابق ورئيس حزب الراية الوطنيّة، المبروك كرشيد،ف ي تصريحات إعلامية لموقع حفريات أن قرار إيقاف البحيري هو "قرار إداري يصدره وزير الداخليّة، لدواع أمنية، بناء على ما لديه من معطيات، وهو قرار له سمعة سيئة فى تونس، لاصطدامه أو بالأحرى عدم توافقه مع منظومة الحقوق والحريات".مشدّدا في ذات السياق على ضرورة أن تكون هناك مسائلة جادة وقانونية، عن كافة الجرائم العديدة المرتبطة بحركة النهضة.
من جانبه أوضح وزير الداخلية التونسية توفيق شرف الدين أن قرار الاقامة الجبرية، (الذي اتخذ في حق نور الدين البحيري)، استند إلى نص قانوني نافذ (الأمر 50 لسنة 1978، الفصل الـ5 منه)، وأن الأمر يتعلق بشبهات جدية وموضوع أبحاث عدلية حول عملية صنع وتقديم جوازات سفر وبطاقات تعريف وطنية ومضامين وجنسية بغير الطرق القانونية والادارية المعمول بها. وأضاف أنه تم تمكين 3 أشخاص من شهادة جنسية بموجب قانون ألغي تماما ولم يعد معمول به، كما تم منح الجنسية التونسية لفتاة سورية لأبوين سوريين وليست لها أي أصول تونسية.
وبيّن أن الملف يتعلق بشبهة ارهاب وتم اعلام النيابة العمومية بذلك وأنه سارع شخصيا بالاتصال بوزيرة العدل، معبر عن وجود تخوفات لتحركات من شأنها أن تعكر الأمن العام.
ليتم فيما بعد رفع الإقامة الجبرية عن نورالدين البحيري وفتحي البلدي، وأوضحت الداخلية، في بيان لها "إنه وبعد تنفيذ قرارين في الإقامة الجبرية يوم الجمعة 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021 ضد شخصين توفرت معلومات بشأنهما حول شبهة تورطهما في تهديد خطير للأمن العام، وتبعا لوجود أبحاث عدلية في الموضوع أُحيلت للقضاء، وتبعا، لا سيما لإرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بتاريخ اليوم 07 مارس 2022، فقد تقرّر في نفس هذا التاريخ إنهاء مفعول قراري الإقامة الجبرية المتخذة ضد الشخصين المعنيين حتى يتولى القضاء إتمام ما يتعين في شأنهما من أبحاث وإجراءات عدلية".
تحجير السفر على الغنوشي و33 متهما في قضية اغتيال بلعيد والبراهمي
قرّر القضاء التونسي يوم 27 ماي/مايو الماضي حظر السفر على 34 متهما في قضية تتعلق باغتيال المعارضين السياسيين والقياديين بحركة العمال بتونس شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وعلى رأسهم رئيس البرلمان المنحل ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي. وأكدت مساعدة وكيل الجمهورية الابتدائية والناطق باسمها فاطمة بوقطاية في تصريحات إعلامية، أنه تم تحجير السفر على جميع المتهمين في
القضية ذاتها، بما فيهم العديد من القياديين بحزب حركة النهضة. فيما نفت حركة النهضة صحة هذا القرار وأفادت بأنّ رئيسها راشد الغنوشي لم يتلق أي إعلام بصدور قرار تحجير السفر في حقه، مبينة ان مكتبها القانوني سيتولى التفاعل مع حقائق الأمور.
وكشفت المتحدثة باسم محكمة ولاية أريانة في تصريحات صحفية لإذاعة موزاييك أفم التونسية أن التهم الموجهة للمعنيين بقضية "الجهاز السري"، تتمثل في "التحصيل بأيّ طريقة كانت على سرّ من أسرار الدفاع الوطني، وإعلام شخص غير ذي صفة بأيّ وجه كان بمناسبة الثورة." مضيفة "تهما أخرى تتعلّق بالقيام بدل الهيئات الحاكمة المكونة بمقتضى القانون واستغلال شخص أو موظف عمومي.. والقبول بنفسه أو بواسطة غيره لعطايا أو وعود بالعطايا أو منافع مهما كانت طبيعتها بدعوى حقوق وامتيازات لفائدة الغير".
وتابعت فاطمة بوقطاية في سرد التهم الموجهة للـ 34 فردا المحجرين من السفر،" إلى جانب معالجة المعطيات الشخصية دون ترخيص وتعمد إحالتها بغاية تحقيق منفعة لنفسه أو لغيره بغاية إلحاق ضرر بالمعني بالأمر طبق مقتضيات الفصول 61 ثالثا و73 و87 من المجلة الجزائية وقانون حماية المعطيات الشخصية".
وتعليقا على هذا القرار قال الصحفي والمدير التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الفاهم بوكدوس، أن القرار القضائي بمنع السفر عن قيادات الجهاز السري بما فيها الغنوشي والباروني لن يكون سوى أول المآلات الطبيعية لمسار شاق ومتعب. واعتبر بوكدوس في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك إن ملف الجهاز السري لم يعد مجرد تسمية إعلامية.
واضاف بوكدوس ، أن هذا المسار "يؤكد كل ما ذهبت إليه هيئة الدفاع من أن اغتيال الشهيدين وأمنيين وعسكريين لم تكن مجرد أحداث عابرة في تاريخ بلادنا، على خطورتها.. وإنما هي بالاساس وراءها ادمغة وأجهزة وادوات تونسية بدأت خيوطها تنكشف في اتجاه مساءلتهاومحاسبتها".
أما الشارع التونسي ومعظم الأحزاب والمنظمات الوطنية فلم تبد بعد آراءها حول هذا القرار، خاصّة مع شح المعطيات الرسمية والإرتباك السياسي الذي تعيشه تونس وسط تراكمات سنوات من الفوضى والحكومات المتعاقبة والبروز اللافت لحركة النهضة وقياديها في العشر سنوات الأخيرة وتمكنها في فترة وجيزة من الوصول إلى مفاصل الدولة وتقلد مناصب كثيرة هامة ليصاحب فترة حكمها أزمات كثيرة ونقاط استفهام عديدة أهمها "جهازها السري" والاغتيالات السياسية للشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.