في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة القتال بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس وسط حديث عن تقدم كبير للأول في عدة مواقع واقترابه من وسط المدينة،تواصل تركيا تحركاتها المشبوهة لدعم حلفائها من تيار الاسلام السياسي المسيطر على العاصمة ومنع سقوط المليشيات الموالية لأنقرة التي تمثل أداتها لمد النفوذ ونهب ثروات البلاد.
في ظل عزلته الدولية وخاصة في أعقاب الاتفاق المشبوه الذي أبرمه مع حكومة الوفاق والذي أثار غضبا أروبيا ورفضا دوليا واسعا،اتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى دول الجوار الليبي،وتحديدا تونس،في محاولة للبحث عن حليف يشاركه مؤامراته على الشعب الليبي التي كشفت عنها تحركاته وتهديداته خلال الفترة الماضية.
ووصل أردوغان، إلى تونس الأربعاء، في زيارة غير معلنة، لإجراء محادثات مع الرئيس التونسي قيس سعيد.ومثّلت الزيارة المفاجئة إلى تونس منطلقا لإثارة الشكوك عن أهدافها، خصوصا أن وفدا أمنيا استخباراتيا كان مرافقا لأردوغان، ما أحال إلى فرضية الصبغة الأمنية الاستخباراتية للزيارة، وأثار مخاوف من استمالة تونس إلى تبني الموقف التركي من الصراع في ليبيا.

مخاوف وشكوك سرعان ما عبرت عنها العديد من الأحزاب التونسية،حيث دعت حركة مشروع تونس رئاسة الجمهورية إلى النأي بتونس عن الاصطفاف لصالح محور تركيا -حكومة الوفاق الليبية مؤكّدة أنّ الموقف المعتدل والمحايد يستوجب دعوة المشير خليفة حفتر ورئيسي مصر واليونان لزيارة تونس.وعبرت الحركة عن رفضها أن تستعمل تونس كمنصّة سياسيّة لمحور دوليّ معيّن "تتناقض مصالحه مع مصالح تونس ومع سلامة علاقاتها العربيّة والدوليّة"، حسب بيان صادر عن الحركة.

ومن جهته عبّر الحزب الدستوري الحرّ عن استغرابه من عدم إعلان هذه الزيارة من قبل المصالح الإعلامية للرئاسة طبقا لما هو معمول به، مستنكرا بلوغ مثل هذه المعلومات المهمة الى الرأي العام عبر وسائل الإعلام التركية.وحذر الدستوري الحر في بيان له من اتخاذ رئاسة الجمهورية أي خطوات أو إصدار أي قرارات باسم الشعب التونسي في علاقة بالملف الليبي من شأنها أن تمثل انحرافا عن ثوابت السياسة الخارجية التونسية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وعدم إقحام تونس في محاور وتجاذبات دولية أو إقليمية قد تمس من السيادة الوطنية والأمن القومي التونسي، بحسب نص البيان.

 كما اعتبرت حركة الشعب أن أي اصطفاف وراء محور تركيا/قطر، يمثّل خطرا حقيقيّا لأمن تونس وسلامة أراضيها.وأكد الحزب أن أي تدخل عسكري تركي دعما للجماعات الإرهابية يمثل تهديدا لأمن بلدنا بما في ذلك ما يسمّى بالاتفاق المشترك بين حكومة فاقدة للشرعيّة الشعبيّة ودولة تبحث عن التوسّع في المنطقة من خلال دعم الجماعات الإرهابيّة وخلق توتّرات مع جيران ليبيا في المنطقة العربيّة وحوض البحر الأبيض المتوسط..

وشددت الحركة على أن الشّعب التّونسي سيتصدى لأي محاولة لاستغلال الأراضي والأجواء والمياه الإقليميّة التونسيّة لتمرير السّلاح والمقاتلين لحكومة الوفاق.محذّرة الجهات الرسميّة من مغبّة السّكوت عن مخطّطات الجهات الأجنبيّة ضد الشّعب الليبي.ونبهت إلى اتخاذ موقف رسمي واضح ورافض من مذكرتي التفاهم اللتين أبرمتهما أنقرة مع حكومة فائز السراج.

وفي ذات السياق،إعتبر حزب العمّال في بيان أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتونس تأتي ''للبحث عن دعم النظام التونسي لتدخل تركي محتمل في ليبيا تحت غطاء مذكرة التفاهم المبرمة بين أردوغان وحاكم طرابلس الإخواني''، وذلك إستناد لتركيبة الوفد '' الأمنية العسكرية الاستخبارية '' المرافق للرئيس التركي حسب نصّ البيان.

واستنكر الحزب استقبال من وصفه بـ ''جلاد الشعب التركي ومرتكب الجرائم على حساب سوريا الشقيقة''، في تونس في هذا الظرف بالذات وحول موضوع ليبيا بالذات، مدينا ما يعتبره عدم التعامل مع الشعب التونسي بشفافية بشأن هذه الزيارة التي وصفها بـ ''الاستفزازية".

وحذّر من ''أي اصطفاف وراء حاكم تركيا أو تسخير بلادنا بأي شكل من الأشكال لخدمة أهدافه في ليبيا وهو الذي لا يخفي أطماعه في استغلال الانقسامات في القطر الشقيق لخلق موطئ قدم فيه لتركيا والسطو على ثرواته من النفط والغاز حتى لو استدعى منه ذلك التدخل عسكريا وتوسيع المواجهات في ليبيا لتشمل أطرافا إقليمية ودولية أخرى مما سيكون له انعكاسات خطيرة على أمن تونس والمنطقة بأسرها".

هذه الشكوك حول نوايا أردوغان من زيارته الى تركيا سرعان ما تكشفت مع أعلان الرئيس التركي الخميس 26 ديسمبر 2019، أنه إتفق مع تونس على دعم حكومة فائز السراج في ليبيا.وقال أردوغان في تصريحه إن تركيا سترسل قوات عسكرية إلى ليبيا في حال طلبت حكومة السراج ذلك،وأضاف الرئيس التركي: "سنعرض على البرلمان التركي مشروع قانون لإرسال قوات إلى ليبيا عندما يستأنف عمله في جانفي المقبل".

من جهته،قال وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا،خلال مؤتمر صحفي من تونس التي وصلها على عجل في أعقاب زيارة أردوغان،أنه سيكون هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر، مضيفاً "سنكون في حلف واحد وهذا سيخدم شعوبنا واستقرارنا الأمني في المنطقة وإذا سقطت طرابلس ستسقط تونس العصمة والجزائر".على حد زعمه.

وتعليقاً على اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والتونسي قيس سعيّد وتأكيدهما دعم حكومة الوفاق إعتبر أن حكومة الوفاق ترحب بأي مبادرة تكون جامعة لكل الليبيين وكذلك أي مبادرة لا بد أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة.وزعم باشاغا بأنهم سيقاتلون حتى آخر قطرة دك لمنع ما وصفه بـ"عسكرة الدولة وحكم الفرد الاوحد"، معتبراً بأن حكومتهم هي الحكومة الشرعية حسب قوله.

تصريحات أردوغان وباشاغا سرعان ما كذبتها الرئاسة التونسية،التي نفت بشكل قاطع جميع الأحاديث والتأويلات التي صدرت من بعض المسؤولين في حكومة الوفاق ونظيرتها التركية، مكذبة الجميع ومعلنة التزامها الثابت والمحايد من الأزمة الليبية، واصفة ما صدر من تصريحات بـ"التشويه والكذب".

وبحسب بيان رسمي صادر عن الرئاسة التونسية، اليوم الخميس، فإن تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها.وأوضحت أن التصريحات والتأويلات والادعاءات التي وصفتها بـ"الزائفة" التي تتلاحق منذ يوم أمس فهي إمّا أنّها تصدر عن سوء فهم وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من نفس المصادر التي دأبت على الافتراء والتشويه.وتابعت:"إذا كان صدر موقفٌ عَكَسَ هذا من تونس أو من خارجها فهو لا يُلْزمُ إلّا من صرّح به وحدهُ".

ولفت البيان الصادر، إلى أنّ رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحريّة قرارها، وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش، ولا توجد ولن توجد أيّ نيّة للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف.واستطرد البيان قائلا:"على من يريد التشويه والكذب أن يعلم أنّه لا يمكن أن يُلهي الشعب التونسي بمثل هذه الادعاءات لصرف نظره عن قضاياه الحقيقية ومعاناته كلّ يوم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص".

وأكدت المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، الخميس،إن بلادها "لم تنضم لأي تحالف"، خلافا لما ذكره وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا.وأضافت النيفر في تصريح لـموقع  "الصباح نيوز" أن "تونس متمسكة بحيادها في الملف الليبي، على نفس المسافة من مختلف الأطراف، ولم تنضم لأي تحالف".

واستغربت المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية تصريحات الوزير الليبي، مؤكدة أنها لا تعكس، حسب قولها، حقيقة الموقف التونسي.ولفتت النيفر إلى أن ما جرى تداوله حول موافقة السلطات التونسية على فسح المجال الجوي أمام الطيران العسكري التركي للقيام بكل العمليات التي تندرج ضمن دعم السراج، غير دقيق.

ويشير مراقبون الى أن الرئيس التركي حاول خلال زيارته الى تونس يحاول البحث عن شريك له في المؤامرات التي يحضرها للشعب الليبي بهدف مد نفوذه في هذا البلد الغني والذي يمثل جزءا من أحلام أردوغان الاستعمارية وأطماعه التي لم يتواني في كشفها علانية حين اعتبر أن للأتراك حق في ليبيا التي تمثل ارث أجداده العثمانيين على حد زعمه.

ويكتسي توقيت الزيارة أهمية بالغة لعدة اعتبارات تبدأ بالمُتغيرات في المشهد الميداني الليبي الذي يتجه الى صالح الجيش الوطني الليبي في ظل تقدمه المتواصل نحو تحرير العاصمة طرابلس بالكامل،اضافة الى المشهد الإقليمي والدولي الذي لم يعد في صالح حكومة الوفاق خاصة بعد توقيع الاتفاقية بين السراج وأردوغان والتي وضعت الأول في أزمة حقيقية توحي بقرب سحب الشرعية الدولية التي يتستر وراءها تيار الاسلام السياسي ومليشياته المدعومة من المحور القطري-التركي.

ويرى مراقبون أن محاولات الزج بتونس في الصراع الليبي سيكون له تأثيرات كبيرة عليها في اعادة لسيناريو 2011،حيث أدى التدخل الغربي في الأراضي الليبية الى تحويل البلاد الى ساحة للتنظيمات الارهابية والعصابات الاجرامية التي وصل مداها الى دول الجوار.وتعتبر تونس من أشد الدول تأثرا بما يجري في المشهد الليبي،حيث ترتبط مع ليبيا بحدود برية مشتركة تمتد على نحو 500 كلم، الأمر الذي يسهل عملية انتقال المتشددين عبر الحدود، خاصة مع غياب الأمن على الجانب الليبي، جراء الانقسامات الحادة وانتشار سطوة الميليشيات المتشددة.