حراك دولي مكثف،تشهده الساحة الليبية مؤخرا،بعد الاتفاق الأخير الذي أعلن عنه رئيسي مجلسي النواب والدولة الليبيين،الذي يعد اختراقا هاما لجدار الجمود السياسي الذي طغا على البلاد خلال الفترة الماضية،وهو ما مثل أملا وفرصة جديدة لامكانية الوصول الى تسوية شاملة والذهاب الى انتخابات لاقرار سلطة موحدة في البلاد.
واعلن رئيسي مجلس النواب والدولة،في أعقاب اجتماع استضافته القاهرة،إحالة الوثيقة الدستورية المؤدية للانتخابات إلى المجلسين لإقرارها، ووضع خارطة طريق واضحة ومحددة تعلن لاحقا لاستكمال كل الإجراءات اللازمة، لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات.
هذا الاتفاق حمل الكثير من التفاؤل بقرب الوصول الى تسوية شاملة في البلاد،وقوبل بترحيب كبير على الصعيدين المحلي والدولي،وتسارعت التحركات في محاولة لدعم الاتفاق والذهاب نحو خطوات جديدة لتعزيز التوافق والوصول الى الانتخابات التي تمثل بوابة الاستقرار وفق الكثيرين.
باتيلي يكثف تحركاته
ويقود المبعوث الأممي عبد الله باتيلي،لقاءات مع الأطراف الليبية في إطار سعيه لـ"تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة"، ورغبته في "الاستماع إلى آرائهم بخصوص الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية"، بحسب كلمته عند وصوله إلى طرابلس في أكتوبر الماضي.
المبعوث الأممي تلقف الاتفاق الأخير بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، لدعم تحركاته الساعية الى الوصول الى الانتخابات. وفي لقاء جمعه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، صباح الجمعة 13 يناير الجاري، في العاصمة طرابلس، دعا باتيلي، الإسراع لإنجاز الأساس الدستوري والتوافق على قوانين انتخابية لتحقق آمال الليبيين في الوصول إلى انتخابات شفافة تنهي جميع الأزمات.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، دعت مجلسي النواب والأعلى للدولة، الى الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، بما في ذلك حول القضايا الخلافية، بغية استكمال الخطوات الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شاملة ضمن إطار زمني محدد، وجددت تأكيدها على أنه من واجب القادة السياسيين إبداء التزام حقيقي ومتواصل إزاء تحقيق سلام دائم، من خلال البناء على الاتفاقات السابقة لمجلسي النواب والأعلى للدولة، بهدف حل الأزمة السياسية عبر إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
والخميس،التقى المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي،النائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي،حيث استعرض الطرفان ملف تنظيم المؤتمر الجامع لتحقيق المصالحة الوطنية.وثمن باتيلي دور المجلس الرئاسي في إدارة الملف،وجهوده لأجل الوصول إلى ما تحقق اليوم من توافق بين جميع الأطراف.
ويقود المجلس الرئاسي،جهود مكثفة لعقد مؤتمر جامع للمصالحة الوطنية.وجمع المجلس الرئاسي ما بين 8 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، عدداً من ممثلي الأحزاب وزعماء القبائل ومندوبين من دول عربية وأجنبية، في مؤتمر تحضيري للمصالحة.طالب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بالضغط على كل الأجسام السياسية في ليبيا من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة الأطراف.
تحرك أمريكي
وفي اطار التحركات الدولية للدفع نحو تسوية سياسية في ليبيا على وقع التوافقات الأخيرة،دخلت أمريكا على الخط،حيث وصل مدير وكالة المخابرات الأمريكية وليام بيرنز،الى ليبيا أين التقى القائد العام للجيش الوطني، خليفة حفتر،بمقره في الرجمة خارج مدينة بنغازي شرق البلاد، قبل أن ينتقل إلى المنطقة الغربية للاجتماع مع عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة في طرابلس.
وتعتبر الزيارة الأولى من نوعها،لديبلوماسي أمريكي رفيع المستوى منذ تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدن لمقاليد السلطة.وأكدت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، في بيان لها أنمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية،أكد ضرورة تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين، مشيدا بحالة الاستقرار والنمو التي تشهدها ليبيا.
ويعتبر بيرنز خبيرا في الشأن الليبي،حيث كان أول مسؤول أمريكي يزور ليبيا في 2004 بعد رفع الحصار عنها إبان حكم الزعيم الراحل معمر القذافي.وتولى بيرنيز حينها قيادة الفريق الأمني الليبي الأمريكي المشترك في ملفات الإرهاب والجريمة المنظمة خلال عمله وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بالفترة من 2008 إلى 2011.
ويشير مراقبون،الى أن الملف الليبي بات يمثل أولوية للادارة الامريكية، التي تسعى لاستغلال التوافقات الأخيرة للضغط على الأطراف الليبية بغية انهاء الأزمة. حيث تخشى الولايات المتحدة تأثير الصراعات وعدم الاستقرار في البلد العضو بمنظمة "اوبك"، على امدادات الطاقة العالمية،كما تخشى تمدد الجماعات الارهابية وأبدت قلقها من النفوذ الروسي في المنطقة.
ورفضت الخارجية الامريكية،التعليق على زيارة بيرنز، فيمتا أكد المتحدث باسها نيد برايس، خلال مؤتمر صحفي عقده، الخميس، أن واشنطن منخرطة مع القادة الليبيين وشركائهم الإقليميين من أجل تحديد موعد للانتخابات في ليبيا،استجابة لرغبة 2.5 مليون ليبي سجلوا بياناتهم للتصويت خلال الانتخابات المؤجلة.
وسبق أن أعلن المبعوث الأمريكي الخاص لدى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند،في تغريدات نشرتها السفارة الأمريكية على حسابها الرسمي بموقع "تويتر"، أن واشنطن تشارك كل الليبيين رغبتهم في رؤية القادة الليبيين يتبنون الإجراءات اللازمة بأسرع وقت ممكن للسماح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشروع في تفعيل العملية الانتخابية. "الحاجة إلى وضع تاريخ مبكر لانتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا.
دعم أوروبي
من جهتها، أعلنت دول أوروبية دعمها للتوافق الليبي،وقال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده في أنقرة مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو:"نريد تحقيق الاستقرار وسنعمل معًا لأننا مقتنعان بضرورة إجراء الانتخابات"، مشيرا إلى أن "الاستقرار يعني أيضًا الحد من تدفقات الهجرة" غير النظامية،وفق وكالة الأنباء الإيطالية "آكي".
وأكد تايانيإن إيطاليا "تؤيد كل تلك المبادرات التي تهدف إلى الوصول إلى الانتخابات،مشيرا الى أنه دعا الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي، لزيارة إلى روما، وقال إن "مبادرات الأمم المتحدة التي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق بين الأطراف (الليبية) تسير في الاتجاه الصحيح".
وكانت فرنسا أعلنت في وقت سابق، دعمها لدعوة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باثيلي، لمجلسي النواب والدولة، لوضع اللمسات الأخيرة على القاعدة الدستورية. وقالت السفارة الفرنسية في تغريدة نشرتها عبر حسابها على "تويتر"، إنها تدعم التوصل إلى حل "ليبي-ليبي" لحل الأزمة السياسية، وإجراء الانتخابات وفق إطار زمني محدد.
وتسعى الدول الأوروبية، للوصول الى تسوية سياسية في ليبيا وانهاء حالة الفوضى التي تشهدها البلاد منذ سنوات والتي مثلت اشكالا كبيرا للقارة العجوز، خاصة مع تصاعد موجات الهجرة السرية إلى أراضيها عبر السواحل الليبية، وهو ما بات يمثل كابوساً يؤرق دول أوروبا خاصة مع وقوع هجمات ارهابية على أراضيها في أكثر من مناسبة.