تشكل الأزمة الليبية أحد أبرز الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، ونظراًلأهمية هذه الأزمة وتداعياتها المختلفة على الأمن والاستقرار في الإقليم، فقد تحولت إلى أولوية قصوى للعديد من الدول وذلك قصد التوصل إلى تسوية تنتشل البلاد من حالة الفوضى وترسي دعائم دولة جديدة.
وتعتبر تونس من أشد الدول تأثرا بما يجري في المشهد الليبي بالنظر إلى الترابط الوثيق بين البلدين على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وهوما يدفعها بصفة متكررة للتدخل في الملف الليبي بهدف إيجاد تسوية شاملة تنعكس إيجاباً ليس على ليبيا فقط وإنما على دول الجوار.
تحركات تونسية-أردنية
وبات الملف الليبي أحد أكثر الملفات حضورا على طاولة المباحثات بين العديد من الدول،وآخرها المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، الجمعة،والتي تطرقت الى الملف الليبي، وفق ما أكدته وزارة الخارجية التونسية.
وأفادت وزارة الخارجية التونسية، في بيان أنَّ الجهيناوي، أكد خلال اللقاء على موقف تونس الداعي للتعجيل بإيجاد تسوية سياسية في ليبيا، بمشاركة كل الفرقاء الليبيين، بما يضمن وحدة البلاد، واستعادة أمنها واستقرارها، مذكرا في هذا السياق بالمبادرة الرئاسية التونسية حول ليبيا.
وتبذل تونس جهودا لحل الأزمة الليبية منذ اندلاعها. وأطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في العام 2016 مبادرة تهدف إلى العمل على التوصل إلى حل سياسي شامل في ليبيا، كما تشارك تونس في اجتماعات دول جوار ليبيا التي تنعقد كل فترة لمحاولة إنهاء الانقسام السياسي في البلد.
ومن جانبه شدد الصفدي على حرص الأردن على مساندة الجهود التي تبذلها تونس لإنجاح القمة العربية القادمة،مؤكداً على تطابق وجهات نظر بلادها مع تونس بشأن سبل حل القضايا العربية الراهنة على غرار الأزمة الليبية.ونوّه وزير الخارجية الأردني إلى أهمية تنسيق الجهود لمكافحة ظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية والاجتماعية والسياسية في إطار مقاربة شاملة متعددة الابعاد.
ومطلع ديسمبر الجاري،أجرى كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، و قبله القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر لقاءات في العاصمة الأردنية.
وتعهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني،بـ"دعم الأردن للجهود الرامية إلى التوصل لحلّ سياسي في ليبيا".وأشار الملك لدى استقباله رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج في قصر الحسينية في عمَّان إلى "استعداد المملكة لتقديم الدعم لليبيين في جميع المجالات، خاصة توفير الخبرات الأردنية للمساعدة في بناء المؤسسات الليبية"، وفق وكالة الأنباء الأردنية.
و قبل زيارة السراج إلى الأردن، كان القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، قد قام بزيارة مماثلة إلى عمَّان.وتحدثت تقارير إعلامية محلية حينها عن امكانية لقاء مرتقب بين رئيس المجلس الرئاسي والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ،وذلك في إطار وساطة أردنية،لكن اللقاء بين الطرفين لم يتم.
أهمية التنسيق
وتكتسي التحركات المتكررة للدول العربية أهمية كبيرة في سبيل التوصل الى تسوية في ليبيا،ويرى مراقبون أن هذه التحركات من شأنها تنسيق المواقف والجهود بين هذه الدول،ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية الرئيسية تمهيدًا لإيجاد تسوية للأزمة المستعصية في البلاد.
و في هذا السياق، أشاد الباحث المختص في الشأن الليبي هاشم حجي بالجهود التونسية الأردنية المبذولة من أجل تقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة الليبية، مؤكّدًا أن تطابق المواقف بين الأردن و تونس حول الأزمة الليبية، قد يحقق ما وصفه بـ"الاختراق المهم" في مسار الأزمة الليبية، و يحقق ما عجزت عنه الدول الأخرى و المؤتمرات الدولية.
ونقلت "إرم نيوز"،عن حجي قوله أن كلًا من تونس والأردن، يتمتعان بمصداقية كبيرة لدى القيادات السياسية الليبية، معتبرًا أن هناك عدة نقاط التقاء بين البلدين يمكن أن تشكل أرضية مهمة لإعادة الثقة بين فرقاء ليبيا.
وأضاف،إن هذه المساعي التونسية الأردنية تأتي من أجل محاولة إنقاذ ليبيا من شبح التقسيم، خاصة أن الجنوب الليبي شهد في الآونة الأخيرة، تحركات مشبوهة تغذيها قوى دولية بهدف خلق حالة من الفوضى والبلبلة والتي تسهل انفصال الجنوب، بحسب قوله.معتبرًا أن تونس والأردن، اللذين سبق لهما التنسيق في القضية الفلسطينية قادران على لعب دور محوري بحل الأزمة الليبية.
وشهدت عدة دول عربية خلال الفترة الماضية،مجموعة من اللقاءات والاجتماعات،ويرى متابعون للشأن الليبي أن بإمكان الدول العربية إقناع الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي بالتنازل لمصلحة الحوار، خاصة أن كلا من هذه الدول تملك علاقات قوية مع أحد أطراف النزاع، فيما يرى آخرون أن هناك معوقات لحل الأزمة، حيث أن هناك اختلافا بين هذه الدول فى وجهات النظر.
وتسعى جامعة الدول العربية إلى إثبات وجودها في الملف الليبي من خلال تنسيق وتأطير المبادرات الفردية للدول الأعضاء، بحيث يتم بحث تلك المبادرات وتنفيذها تحت إشراف الجامعة.وكانت قد أعلنت في نوفمبر 2016،تعيين الدبلوماسي التونسي صلاح الدين الجمالي ليشغل منصب ممثلها في ليبيا.
وتشكل الأزمة الليبية قلقا في دول الجوار الليبي،التي تخشى تسلل متشددين يحاولون الدخول إليها عبر الحدود مع ليبيا،التي مثلت طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد "بؤرة إرهاب"،كما تمثل مصدر قلق دولي خاصة مع استمرار تداعي وتدهور الأوضاع الأمنية فيها حيث تتعثر المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السياسية وتبعاتها الأمنية.