بعد أكثر من سبع سنوات مرت على إختطافها من قبل الجماعات الإرهابية ، جاء تحرير درنة ليحدث تحولات إستراتيجية مهمة في المشهد الليبي ، وفي المنطقة العربية عموما، ، فالمدينة التي أطلق عليها إسم قندهار ليبيا ، ومثّلت أول إمارة تابعة لتنظيم القاعدة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، وإعتبرتها قوى الإسلام السياسي بمختلف تفرعاتها ورشة نشاط متعدد الأبعاد ، عادت الى حضن الوطن بعد أن نزعت عنها الرداء الأسود ، وأنهت حقبة مظلمة من تاريخها ، ليكون تحريرها وتطهيرها من دنس الإرهابيين إنتصارا لمشروع الحداثة والمدنية وسيادة الدولة ، وإنكسارا لمشروع التطرف والتكفير والمؤامرات العابرة للحدود
وجاءت عملية تحرير درنة جاء بعد فترة طويلة من العمل على إعتماد الحل السلمي ، وقال القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر : « كنا نأمل أن تنتهى قضية درنة سلميا دون اللجوء إلى استخدام القوة، وقد تواصل معنا العديد من المشايخ والأعيان من درنة وغيرها للوصول إلى حل سلمى يجنب المدينة العمليات الحربية، واستمر هذا التواصل أكثر من ثلاث سنوات ولكن دون جدوى، حتى تبين لنا أنه لا مجال لتحرير درنة إلا بالقوة بسبب عناد القوى الإرهابية التى كانت تسيطر عليها وتمارس أبشع أنواع الظلم والقهر ضد السكان المحليين ، وتعزل المدينة عن باقي البلاد، وتطبق على أهلها قوانين شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، عندما فشلت كل المساعى السلمية لم يبق أمامنا إلا المواجهة المسلحة وإعلان ساعة الصفر لتحريرها بالقوة. درنة مدينة غالية على كل الليبيين أرضا وسكانا ولا يمكن أن نسمح بفصلها عن ليبيا وبقائها فى قبضة الإرهابيين»
وأردف حفتر أن درنة هى آخر معقل للإرهابيين فى الشرق الليبي، وإعلان تحريرها يعنى عودة المدينة التى يتحصن فيها الإرهابيون ويفرضون على سكانها قوانينهم الخاصة إلى حضن الوطن، وفك أسرها وانتهاء سيطرتهم عليها ،مبرزا أن الحرب ضد الإرهاب شاقة وطويلة، وثمنها باهظ التكاليف، وما أن ينتهى الجيش من دوره فى دك معاقل الإرهاب والقضاء على قياداته كما حدث فى بنغازى ودرنة حتى يبدأ دور الأجهزة الأمنية، وهى مهمة شاقة أيضا. وما لم تتوفر الأدوات اللازمة لتلك الأجهزة لأداء مهامها فإن ظهوره من جديد يظل امرا محتملا.
وأكد أن هناك ما يعرف بالخلايا النائمة وتحتاج إلى تكتيك أمنى خاص لتقويضها ومحاصرتها والقضاء عليها، خصوصا وأن هناك من يدعم الإرهاب داخليا وخارجيا، ولا يريد بليبيا والليبيين خيرا، وهذا يحتاج إلى وقفة دولية حازمة لردع أى حكومة أو تنظيم يدعم الإرهاب. المشوار لم ينته بعد، لكننا ماضون فى أداء واجبنا حتى تطهير كامل التراب الليبى من الإرهاب وأعوانه، ومنع عودته من جديد، وفق تعبيره
ويرى المراقبون أن نهاية فصل الإرهاب في درنة ، ستكون لها تأثيرات إستراتيجية بالغة في المشهد الليبي ، كونها نجحت في تحقيق التأمين الكامل لمنطقة الشرق الليبي ، ومن ذلك، تأكيد جدارة الجيش بالدور الذي يقوم به وبالمسؤولية المنوطة بعهدته رغم التشكيك في قدراته من قبل قوى الإسلام السياسي في البلاد وحلفائها الإقليميين والدوليين ، و توفير جانب كبير من المقدرات العسكرية التي كانت موجهة لمحاصرة الإرهابيين في المدينة لمدة أربع سنوات ، والإنطلاق بها نحو خطوات جديدة على درب إعادة الأمن والإستقرار وسيادة الدولة الى كامل الأراضي الليبية
وفي هذا السياق ، أكد عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري أن اعلان تحرير المدينة من الإرهاب بفضل الجيش الليبي، هو انتصار على الإرهاب والداعمين له في الداخل ووالمدافعين عنه ، مشددا على أن تحرير درنة لا يعني الإعلان عن تحرير درنة وبرقة فحسب، بل هو إيذان بتقهقر قوى الإرهاب وتراجعها في كل مناطق ليبيا.
** القضاء على أخطر بؤرة للإرهاب في ليبيا
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، العميد أحمد المسماري، إن تحرير مدينة درنة بالكامل، من سيطرة المليشيات الإرهابية، يعده نقطة جديدة في تقدم القوات المسلحة لتطهير ليبيا من الإرهاب ، متابعا أن مدينة درنة لها أهمية إستراتيجية كبيرة ، وقد تواجدت بها بؤر لتنظيم القاعدة منذ العام 1990، ما يعني أنها مثلت لأكثر من ربع قرن تهديدا لأمن البلاد وخاصة المنطقة الشرقية ، وكذلك للسكان المحليين الذين لا يختلفون عن بقية الليبيين في إيمانهم بسيادة ومدنية الدولية ، ونبذهم للتطرفبكل أنواعه وأشكاله
وأردف المسماري أن الجيش الليبي دخل منذ تسعينيات القرن الماضي في معارك مع عناصر التنظيم الإرهابي قبل أن تجري ما سميت بالمراجعات الفكرية التي أعلن عنها في العام 2008 وكانت تحت إشراف جماعة الإخوان الإرهابية وما يسمى الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الإرهابي يوسف القرضاوي ، إلا أن التنظيم عاد ليكشر عن أنيابه مع أحداث عام 2011، وليتخذ من المدينة مقرًا له ويطلق عليها إمارة إسلامية، فضلًا عن تحويلها الى مركز لتدريب المقاتلين الأجانب.
وأوضح أن المدينة باتت في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد قاعدة لانطلاق الإرهابيين نحو المدن الليبية الأخرى ودول الجوار، حيث استقبلت مقاتلي تنظيم القاعدة من كل بقاع الأرض منذ عام 2011، وأعادت إطلاق الكثير منهم باتجاه العراق وسوريا وسيناء ودول شمال أفريقيا ، قبل أن ينجح الجيش ق سحق تلك القاعدة ،
وإستطرد المسماري قائلا أن من أبرز الأهداف الإستراتيجية التي حققها تحرير درنة ، هو القضاء على قاعدة الإرهاب في شرق ليبيا ، وتطهير مدينة ليبية مهمة من عصابات تنظيم القاعدة التي كانت تنشط داخلها وحولها لمدة 20 عاما ، قبل أن تسيطر عليها بالكامل منذ فبراير 2011 ، وتدمير البنية التحتية واللوجستية للجماعات الارهابية ، والتأكيد على أن الجيش الليبي قادر على إنجاز مهمته الوطنية في أية منطقة يتجه إليها ، مردفا أن درنة لم تكن تمثل معضلة لليبيين فقط ، وإنما لدول الجوار كذلك
وكانت درنة قد مثّلت خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي ، أهم مركز لتجنيد الإرهابيين المحليين المرتبطين بتنظيم القاعدة ، والمنضوين تحت لواء ما سمي بالجماعة الإسلامية المقاتلة التي شاركت عناصرها يزعامة الإرهابي عبد الحكيم بالحاج في حرب أفغانستان ،ثم في البوسنة ، وقادت تمردا ضد السلطات المركزية في البلاد ، مستفيدة من طبيعة الجغرافيا والتضاريس المحيطة بجزء كبير من المدينة ، وخاصة الجبال والأودية والكهوف بقصد التخفي عن القوات الحكومية التي إلتجأت الى إستعمال سلاح الجو دون أن تنجح في إستئصالهم ، وبعد إحتلال العراق في 2003 تحولت درنة الى أهم مصدر للإنتحاريين الملتحقين بصفوف أبي مصعب الزرقاوي وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ، وفي 17 فبراير 2011 ومع بداية الأحداث التي عرفت البلاد ، سيطر الإرهابيون على المدينة و حولوها الى إمارة إسلامية ، وتحولت إذاعتها المحلية الحكومية الى إذاعة تابعة لتنظيم القاعدة ، وبعد ثلاثة أيام ، خرج القذافي في 20 فبراير ليطلب من الليبيين الزحف على درنة وتحرير من أتباع بن لادن والظواهري ، غير أن صوته لم يلق أي صدى ، حيث تم إعتبارهم ثوارا يناضلون من أجل الحرية و الديمقراطية ،
ومنذ ذلك الوقت ، بقيت درنة خاضعة بالنار والحديد لتنظيم القاعدة المتحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية ، كما عرفت المدينة منذ العام 2012 بعث معسكرات لتدريب مسلحين محليين وأجانب ، إنطلق جانب كبير منهم للإنضمام الى جبهة النصرة في سوريا ، والى الجماعات الإرهابية في العراق ، وقام البعض منهم بتنفيذ عمليات إرهابية في مصر وتونس ، وقاتل آخرون في صفوف مسلحي تنظيم أنصار الشريعة ضد الجيش الوطني بمدن كبنغازي وإجدابيا، ما جعل درنة منطلقا أساسيا لتهديدات الإرهاب في داخل ليبيا وخارجها
** تطهير شرق ليبيا نهائيا من الإرهاب
وفي السابع من مايو 2018 أطلق القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر عمليات تحرير مدينة درنة ، وقال "إن الساعة الصفر لتحرير درنة حانت"، مشيرا إلى أن قوات الجيش الليبي تدّك حالياً معاقل الإرهابيين في المدينة ، وأكد أنه أعطى تعليمات لتفادي المدنيين، موضحاً أن جهود السلام في درنة وصلت إلى طريق مسدود.
وفي 29 مايو الماضي ،أعلن حفتر تحرير مدينة درنة من الارهابيين ، وقال في خطاب متلفز "نعلن بكل فخر تحرير مدينة درنة الغالية على نفوس كل الليبيين وعودتها آمنة مطمئنة إلى أحضان الوطن لتعم الفرحة كافة أرجاء ليبيا".واضاف "مع هذه الانتصارات الساحقة والمتلاحقة يتحتم على العالم ان يتقدم لكم بالشكر الجزيل ويعترف لكم بالفضل والجميل في حمايته من الارهاب، لكنه يفرض على جيشنا حظر التسليح ويغض الطرف على ما يتلقاه الارهابيون من دعم بالمال والسلاح".
ويشير المراقبون الى أن إقليم برقة الذي تبلغ مساحته 855٬370 كم2، قد تحرر بالكامل ليس من الجماعات الإرهابية فقط ، وإنما كذلك من الميلشيات الخارجة عن القانون ، ومن كافة تمظهرات الإسلام السياسي ، وهو ما بيّنه عميد بلدية سلوق المجاورة بشير الجرماني الفاخري، الذي قال إنه وبإعلان تحرير مدينة درنة يكون إقليم برقة بالكامل محررا من الإرهاب عقب أربع سنوات من النضال الذي خاضه الجيش والقوات المساندة منذ انطلاق عملية الكرامة سنة 2014،
من جانبه ، أوضح الناطق باسم غرفة عمر المختار عبد الكريم صبرة أن التحرير ساهم في استكمال السيطرة على إقليم برقة وأعطى الدافع والثقة للجنود والعسكريين وكذلك المواطنين في كافة أنحاء ليبيا لمواصلة القتال، كما أنه يمهد لعملية الجنوب الليبي وكذلك العاصمة طرابلس، ويؤكد على أن الجيش الليبي يسعى لأن تكون ليبيا دولة موحدة، وأنه لا فرق بين من في الشرق أو الغرب.
وأضاف صبرة أن تحرير درنة ، يعني عودة كامل الشريط الساحلي لشرق ليبيا الى سيادة الدولة ، وغلق المنافذ أمام أية محاولات لإختراق المنطقة الشرقية عن طريق البحر ، كما قضى على آخر موقع لتجمع الإرهابيين في إقليم برقة ، بعد أن كانت المدينة مأوى لمسلحين من الداخل والخارج ، وتحولت منذ العام 2012 الى منطلق لتصدير الإرهابيين سواء الى سوريا والعراق أو لدول الجوار ،وكذلك لإستقبال إرهابيين عرب وأجانب ، وخاصة بعد الإطاحة بنظام الإخوان في مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو في 2013 ، متابعا أن القضاء على الإرهاب في درنة ، أنهى مشروع عصابات الإسلام السياسي في جزء مهم من ليبيا ،وهو المنطقة الشرقية التي كانت سباقة في إعلانها الحرب على تلك العصابات مع بداية معركة الكرامة في مايو 2014
كما أبرز المحلل السياسي وأستاذ التاريخ بالجامعات الليبية المختار الجدال أن من أهم الأبعاد الإستراتيجية لتحرير درنة ، هو نهاية مشروع الإرهاب في كامل المنطقة الشرقية ، وإنتصار سيادة الدولة ، لافتا الى «أن القوات المسلحة نجحت في تدمير وكر من أوكار الجماعات الإسلامية المتطرفة فكريا التي سيطرت على المدينة منذ ثمانينات القرن الماضي» ومؤكدا أن « من راهنوا عل الإبقاء على درنة كبؤرة توتر دائم في المنطقة الشرقية ، وكخنجر في خاصرة الوطن ، وحجر عثرة في طريق سيادة الدولة ، خسروا رهاناتهم ، وتمت الإطاحة نهائيا بمخططاتهم ، وإستطاع الجيش الوطني تطهير كامل منطقة الشرق الليبي من المشروع الإرهابي الإخواني في ملحمة بطولية ما كانت لتحقق هذه الأنتصارات لولا إلتحام الشعب بقواته المسلحة » وفق تعبيره
** الحصول على كنز من المعلومات
وتشير التقارير الأمنية الى أن القبض على مئات الإرهابيين في معركة تحرير درنة ، وفر للسلطات الرسمية ما يمكن إعتباره كنزا من المعلومات حول الخلايا النائمة في المنطقة الشرقية ، وعلاقات ما يسمى مجلس شورى مجاهدي درنة بفاعلين سياسيين في الداخل والخارج ، وبقوى الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة ، وكذلك بالجماعات الإرهابية في مصر وتونس والجزائر ومنطقة الساحل والصحراء في ظل توفر معلومات عن إحتضان المدينة في مناسبات عدة لإرهابيين معروفين مثل المصري هشام عشماوي والجزائري مختار بالمختار والتونسي سيف الله بن حسين المعروف بإسم أبوعياض ، الى جانب الإرهابي الليبي الخطير سفيان بن قمو ، وعدد من المشاركين في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11 سبتمبر 2012 والذي إنتهى بمقتل سفير واشنطن في طرابلس كريستوفر ستيفنز
وأوضح المحلل السياسي التونسي الجمعي القاسمي أن الجهات الأمنية في شرق ليبيا ، تمتلك اليوم خزينة معلومات مهمة حول الدور الذي لعبته أطراف داخلية وخارجية في دعم الإرهاب بالبلاد عبر التمويل والتأطير والإستقطاب والتجنيد ، وكذلك حول الشبكة الإخطبوطية للخلايا النائمة سواء في المنطقة الشرقية أو الوسطى ، وعلاقاتها مع الميلشيات الخارجة عن القانون في المنطقة الغربية ، مضيفا أن هناك من المعلومات ما يتعلق كذلك بالتحالف القائم بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان ، وبالمؤامرات الإرهابية ضد مصر ،
ومن جانبه ، رجح المحلل السياسي الليبي بشير الصويعي أن تكون أطراف غربية وأخرى عربية قد بدأت الإتصال مع الحكومة المؤقتة في شرق البلاد ، للتعاون معها في التحقيق حول جملة من الملفات العالقة ، والتي تورط فيها إرهابيون من داخل درنة مثل الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي ، والعمليات الإرهابية التي شهدتها بعض الدول الأوروبية ،و هجوم الواحات في غرب مصر ، ولغز إختفاء الصحفيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري منذ سبتمبر 2014
وتابع الصويعي أن هناك إعتقادا جازما بأن تكشف التحقيقات عن الدور المحوري الذي كانت تنفذه بعض القوى الاقليمية وعلى رأسها قطر في دعم الإرهاب ، وتسفير المسلحين من درنة الى بؤر القتال ، وفي التحريض ضد الجيش الوطني وقوى المجتمع المدني ، إضافة الى العلاقات التي كانت تربط بين مايسمى مجلس شورى مجاهدي درنة بالتنظيم الدولي للإخوان وذراعه داخل ليبيا ، وحلفائه من قيادات وعناصر الجماعة المقاتلة وبعض الميلشيات الناشطة في غرب ليبيا ،
** الجيش يثبت جاهزيته
ويعتبر المهتمون بالشأن الليبي أن عملية تحرير مدينة درنة ، كانت نموذجية في التخطيط والتنفيذ ، حيث أصرّ الجيش الوطني على إنجاز المهمة بأدنى خسائر ممكنة في الممتلكات العامة والخاصة ، ودون المساس بسلامة المدنيين ، كما أنه تعامل تعاملا حضاريا مع المستسلمين من العناصر الإرهابية ، وهو ما أشار إليه العميد سالم الرفادي آمر مجموعة عمليات عمر المختار لتحرير درنة ، الذي أكد أن القوات المسلحة خاضت المعركة ، وهي كره لها ، وعملت على أن تعطي درسا في الوطنية والإنسانية ، حتى أن الأعداء أغلقوا أفواهمم ، ولم تجد أبواقهم في الداخل والداخل ما تؤاخذ عليه الجيش ، بعد أن كانت قبل بداية المعركة تتحدث عن الكارثة المنتظرة ، وتروج لما تسميه مأساة المدنيين ، والثأر من الإرهابيين ، وآلاف اللاجئين الفارين من جحيم الحرب ، غير أن كل ذلك كان وهما ، إكتشفوا حقيقته بعد إستقبل السكان المحليون رجال القوات المسلحة بالأغاني والزغاريد وفرح الأطفال
ووفق المحلل السياسي عبد الباسط بن الهامل ، فإن الجيش الوطني الليبي أثبت جاهزيته ، وأكد أنه قادر على تنفيذ أصعب المهمات في وقت وجيز وبأقل الخسائر رغم أن الإرهابيين فرضوا عليه حرب شوارع في مدينة آهلة بالسكان ، موضحا أن القوات المسلحة إستفادت كثيرا من تجاربها السابقة في بنغازي ، وباتت تمثل أهم قوة إستراتيجية يخوض بها الليبيون معركة إستعادة الدولة وسيادتها
وقال القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر في تصريحات صحفية أن « الجيش الذى مرت عليه أشد المحن، لم يستسلم للواقع، ولم يرضخ للقهر، بل واجه كل التحديات والمؤامرات وتغلب عليها، وصمم على شق الطريق الصعب حتى عادت له الحياة، وأثبت وجوده بقوة على الساحة، وقدم من التضحيات ما تعجز لغة الكلام عن وصفه، وحقق من الانتصارات ما عجزت عنه دول عظمى، واكتسب من الخبرة الميدانية سواء فى ميادين القتال أو من خلال التدريب ما منحه ثقة الشعب فى قدرته على الوفاء بالتزاماته وواجباته، وفى فترة وجيزة احتل المكانة رقم 9 بين جيوش القارة الإفريقية كافة حسب التقييم الدولى المحايد»
وتابع حفر أن الليبيين والعالم إقتنعوا« أن الجيش الوطنى الليبى استطاع أن يبنى نفسه، بعد أن كاد يتلاشى بسبب المؤامرات التى حيكت ضده. وفى كل عام تضاف إلى كافة صنوف القوات المسلحة دفعات جديدة من الخريجين من الضباط والجنود بعد تأهيلهم وفقا لأحدث المعايير. كل هذا برغم استمرار حظر التسليح الظالم الذى يفرضه علينا العالم بينما نحن نحارب الإرهاب نيابة عنه، ورغم المعارك الضارية التى نخوضها ضد الإرهاب. الجيش الوطنى الليبى فى تطور مستمر، والطريق لم تكن مفروشة بالورود وما زالت طويلة، لكننا مصممون على أن يكتمل بناء الجيش حسب المعايير العصرية الحديثة ليكون الضامن لبناء الدولة وحفظ سيادتها، وحماية الوطن ومقدرات الشعب»
ويكاد يجمع أغلب المحللين السياسيين على أن الجيش الليبي حقق إعترافا دوليا ساحقا بدوره في التصدي للإرهاب ، لا تشقه سوى مواقف بعض الأطراف الإقليمية الداعمة لقوى الإسلام السياسي مثل قطر وتركيا ،
** الحدود الشرقية مع مصر مؤمنة
يعتبر تأمين الحدود الشرقية الليبية مع مصر من أبرز الأبعاد الإستراتيجية لتحرير درنة ، وفي هذا السياق ، أبرزت دراسة للمركز العربي للبحوث والدراسات ، إن درنة لم تمثّل تهديدا لليبيا فقط ، وإنما كذلك لمصر التي لا يفصلها عنها سوى 200 كم ، والتي تضررت كثيرا من الجماعات الإرهابية المتحصنة في المدينة
وفي مايو 2017، نفذت القوات الجوية المصرية غارات مكثفة على مواقع للجماعات الإرهابية من بينها "كتيبة شهداء أبو سليم" و"مجلس شورى مجاهدي درنة"، المتورطة في الهجوم الإرهابي على مسيحين في محافظة المنيا الذي قتل فيه 29 شخصا و24 جريحا.
ولم تمر سوى أشهر بعد هجوم المنيا الإرهابي،حتى نفذت الجماعات الإرهابية المتخذة من درنة منطلقا لها، هجوم "الواحات"، في أكتوبر 2017، وراح ضحيته حوالي 16 عنصرا من قوات الأمن وإصابة آخرين، وتبنته جماعة "أنصار الإسلام" وهي خلية من خلايا جماعة "المرابطون" الموالية لتنظيم القاعدة، التي يقودها هشام عشماوي.
وأعلن رئيس الوزراء المصري آنذاك، شريف إسماعيل، أن ضرب قواعد الجماعات الإرهابية خارج مصر يمثل بداية فقط، مؤكدا أن "الأمن القومي لمصر يبدأ خارج الحدود"، وبالفعل استمرت بعض الضربات الجوية لعدة أيام، مع دعم قرار الجيش الوطني الليبي بالسيطرة على المدينة، لتكلل جهود الطرفين لاحقا بتحرير درنة بالكامل رغم الاعتراضات السابقة التي خضعت لتقييمات ومصالح سياسية.
وأكدت مصادر ميدانية من قوات تحرير درنة مقتل القيادي التكفيري المصري عمر رفاعي سرور، الذي يلقب "أبو عبدالله"، وهو مفتي مجلس شورى ثوار درنة"،ويعتبر أحد أخطر ثنائي مصري كان متواجدا في درنة خلال الفترة الماضية، إلى جانب هشام عشماوي، أمير تنظيم "المرابطين" الإرهابي، والقائد العسكري السابق لتنظيم "أنصار بيت المقدس" الإرهابي، المتورط في تنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر.
وفي عام 2015 سافر سرور إلى ليبيا وانضم إلى كتيبة "أبو سليم" وأصبح الحاكم الشرعي العام للكتيبة، حتى أصبح المفتي العام للتنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة فيما بعد.
واستمد سرور قوته في الإفتاء لتنظيم "القاعدة" من خلال والده، الذي كان صديقا لقائد تنظيم "القاعدة" الحالي أيمن الظواهري، حيث دخل السجن معه في قضية تنظيم الجهاد عام 1981، وبايع عمر الرفاعي سرور، حازم صلاح أبو إسماعيل كمرشح للرئاسة خلال جنازة والده في 2012.
وصدر ضد سرور حكم غيابي بالسجن 15 عاما في قضية "خلية مدينة نصر" وهي كانت القضية الأولى للسلفية الجهادية بعد أحداث 2011 في مصر، وهرب بعدها وانضم لتنظيم "بيت المقدس" في سيناء حتى انتقاله إلى ليبيا برفقة هشام عشماوي وانضموا إلى كتائب درنة التابعة لتنظيم "القاعدة"، التي كانت تتهيأ للتصدي لعناصر تنظيم "داعش" في محاولهم الهجوم على المدينة، وبالفعل نجح "عشماوي" ورفاقه في التصدي لعناصر التنظيم ما أكسبهم مكانة كبيرة في درنة.
بعد تحرير درنة ، وتسليمها الى قوات الأمن الداخلي ، يتجه الجيش الوطني الليبي بكامل قواه الى تحصين الحدود الجنوبية من التدخلات الأجنبية ، وتطهير إقليم فزان من فلول داعش والقاعدة والمرتزقة الأجانب وشبكات الإتجار بالبشر ، وفي 30 يونيو الماضي أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية استعداد قوات الجيش للتصدي إلى أي محاولة لانتهاك السيادة الليبية، مشيرةً إلى أن سعي بعض الأطراف الدولية لإنشاء قوات عسكرية في الجنوب الليبي.بينما أكد المتحدث باسمها أحمد المسماري، استعداد الجيش للتصدي لأي "محاولة لانتهاك السيادة الليبية"، مشددا على أن الجيش والبرلمان سيقومان باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال أي تدخل، وفق تعبيره