يصنّف الملف الأمني بدرجة بالغة الأهمية إذ يعتبر من أبرز التحديات أمام الإستقرار في المنطقة إلا أن هذ الملف يطرح عديد الإشكالات خاصة في مناخ يتّسم بالصراع وغياب منطق الحوار الحقيقي.
فالتهديد الجهادي ليس جديدًا على بلدان المنطقة، لكن تداعيات أحداث عام 2011 غيرت البيئتين السياسية والأمنية في الدول المغاربية بشكل جذري.
ففي ليبيا وتونس شهدت زيادة في الوفيات نتيجة للهجمات الجهادية، كما شهدت دول أخرى مثل الجزائر والمغرب تأثيرًا أقل.
وبرغم هذه الاختلافات، فإن التهديدات مستمرة وكثيرة، تشمل خلايا جهادية محلية، بعضها خلايا تنشط بشكل راسخ في الشأن الداخلي، وبعضها الآخر يزدهر على شكل مجموعات خارجية تعمل في الساحل، مثل القاعدة في المغرب الإسلامي.
إن انعدام الثقة وقلة التعاون بين البلدان المغربية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب يزيدان من تعقيد مواجهة مثل هذه التهديدات، وهذا من شأنه أن يجعل أمن المنطقة أكثر خطورة مما سبق، وأن يطيل أمد المعركة ضد التطرف.
وحذرت قوى دولية وإقليمية من أن تنظيم داعش الإرهابي قد يتخذ من ليبيا نقطة انطلاق له لتنفيذ موجة جديدة من الهجمات الإرهابية، خاصة في دول شمال إفريقيا ودول الساحل.
وأعرب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، عن مخاوفه من نشاط مستمر وانتشار سريع لتنظيم داعش الإرهابي في مناطق من بينها ليبيا والعراق وسوريا.
وبحسب وكالة أنباء الصين "شينخوا" فقد دعا مندوبها لدى الأمم المتحدة، المجتمع الدولي إلى إيلاء اهتمام كبير للتهديدات الإرهابية التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان.
وأكد أن تنظيم داعش الإرهابي ينتشر بوتيرة أسرع في أجزاء كثيرة من إفريقيا من بينها ليبيا، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يجب عليه مساعدة الدول الإفريقية بقوة لتعزيز بناء القدرة على مكافحة الارهاب والتطرف.
ووفق تقارير صحفية، فإن داعش يريد توسعة نفوذه في منطق الساحل وشمال إفريقيا عن طريق استغلال الفوضى في ليبيا لإعادة تنظيم قواته.
وضربت التقارير مثلا بنيجيريا التي شهدت، مؤخرا، وجودا كبيرا لعناصر تنظيم ولاية غرب إفريقيا التابع لداعش ممن يأتون من ليبيا ويتم دعمهم بأعضاء جماعة "بوكو حرام" الإرهابية.
وتعد ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي الغربي الأكثر أمنا لعناصر داعش نظرا لكثرة ثغراتها الأمنية، وضعف مؤسسات الدولة.
في ذات الصدد،أعلن الجيش الجزائري، السبت، أن قواته تمكنت من القضاء على 7 مسلحين إثر عملية بحث وتمشيط بغابة في محافظة سكيكدة شرق البلاد.
وأوضح الجيش في بيان أنه "في إطار مكافحة الإرهاب ومواصلة لجهود قوات الجيش الوطني الشعبي في اجتثاث ظاهرة الإرهاب من بلادنا، وبفضل الاستغلال الجيد للمعلومات، قضت مفارز للجيش الوطني الشعبي صبيحة يوم السبت 19 فيفري 2022، على 7 إرهابيين إثر عملية بحث وتمشيط بغابة واد الدوار بلدية بني زيد دائرة القل بولاية سكيكدة، بإقليم الناحية العسكرية الخامسة".
وأضاف أن "هذه العملية التي لا تزال متواصلة، مكنت من استرجاع 6 مسدسات رشاشة من نوع كلاشنيكوف وبندقية بمنظار وكميات معتبرة من الذخيرة وأجهزة اتصال بالإضافة إلى ألبسة وأدوية وأغراض أخرى.
وتابع أن "هذه العملية النوعية تأتي لتعزز ديناميكية النتائج الإيجابية التي تحققها مختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي، ولتؤكد، مرة أخرى، مدى اليقظة والاستعداد الدائمين، لدحر كل محاولات المساس بأمن واستقرار البلاد".
وقال بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، إنه "تبعا لعملية البحث والتمشيط المتواصلة بغابة واد الدوار قرب بلدية بني زيد دائرة القل بولاية سكيكدة بالناحية العسكرية الخامسة، التي تم القضاء فيها على 7 إرهابيين فقد أسفرت عملية تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهم" ومعظمهم التحق بالجماعات الإرهابية منذ أكثر من 15 عاماً.
وتعرف مرتفعات شرق ووسط الجزائر على أنها المعاقل التقليدية للجماعات الإرهابية منذ تسعينيات القرن الماضي، ونفذت من خلالها عدة مجازر جماعية و أعمالا إرهابية استهدفت مواطنين عزل.
وكانت وزارة الدفاع الجزائرية قد نعت في بلاغ رسمي لها في موفى يناير الماضي عسكريين سقطوا خلال مواجهات مسلحة مع إرهابيين في وقت أثار ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومسلحيه في عدة مناطق وشنهم لهجمات في ليبيا وسوريا والعراق تساؤلات بشأن ما إذا كان التنظيم سيعود بقوة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر اغتيال قائد تنظيم الدولة الإسلامية أمير محمد سعيد عبدالرحمن المولى الملقب بعبدالله قرداش في محافظة إدلب السورية ليعقب ذلك تصاعد الحديث عن خليفته المحتمل وفرص لملمة التنظيم لصفوفه بعد سنوات من تكبده خسائر فادحة سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو غيرهم.
من ناحيته،دعا رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الأحد، بالقاهرة، إلى ضرورة تكثيف التعاون وتحيين الاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، محذّرا من أن هذه الآفة استطاعت التأقلم مع الإجراءات التي اتخذت لمقاومتها وتجفيف مصادر تمويلها.
وأكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن التطرف والإرهاب لا يزالان في العديد من البلدان، خاصة في القارة الإفريقية. بالرغم من كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي.
وفي رسالة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بصفته منسق الإتحاد الإفريقي للوقاية من الإرهاب والتطرف ومكافحتهما في إفريقيا قرأها عنه نيابة وزير الشؤون الخارجية والجالية بالخارج رمطان لعمامرة. قال الرئيس، أن التهديد الإرهابي أخذ أبعادا تنذر بالخطر، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء. تسبب في خسائر وأضرار فادحة بشرية ومادية.
وأشار الرئيس تبون إلى أن الإعتداءات التي يتم إرتكابها يوميا تؤدي إلى إزهاق أرواح البشر وزرع الرعب في نفوس السكان. وتزيد من عدم الإستقرار وعودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب نتيجة إنهيار الجماعات الإرهابية. ولا سيما في الشرق الأوسط.
إلى ذلك،يرى مراقبون أنه هناك تهديدات أمنية متعددة ومتنوعة للدول الأفريقية وحلفائها في الإقليم وما وراءه، فلاتزال الجماعات المتطرفة تسير على هدي شعار داعش بأنها باقية وتتمدد في العديد من البلدان في المنطقة.
ويتمثل التوقف عن التعامل مع هذه التهديدات على أنها منفصلة أو كأنها بمنزلة جزر معزولة أمر ضروري لإحلال السلم كما يجب أن تستجيب القارة للتحديات التي يفرضها التطرف العنيف والحروب والصراعات المحلية والعابرة للحدود، والبدء في رسم طرق فعالة لمواجهتها من خلال التعامل مع الجذور المسببة لها.