المضطرب نفسيا لايجاد العقيد كورتز (مارلون براندو) والتعامل معه، والذي يشاع انه أقام نفسه كاله في الغابة الكمبودية المحلية...فعلى طول الطريق يلتقي ويلارد مع قذائف النابالم الحارقة، ثم يلتقي مع الكولونيل "كيلغور" (روبرت دوفال بدور خرافي) وهو الشغوف بموسيقى فاجنر، ثم مع هؤلاء المنحرفين اللذين يركبون الأمواج ويتعاطون المخدرات، حيث تتحول العروض الى اعمال شغب يقوم بها جنود صاخبون مع مصور شغوف (دينيس هوبر) يعشق البرية، ويخبر حكايات تبجيل حول جورتز...وبحلول وقت وصول ويلارد نرى بالقرب من مجمع كورتز رؤوسا بشرية مثبتة  على أعمدة...عندئذ يعلم بأن كورتز ربما قد جن تماما وانتهى من حيث كونه انسانا عاقلا، ولكن من غير المؤكد فيما ان كان ويلارد نفسه يوافق الآن على مقولة كورتز المجنون: "القي القنبلة وابيدهم جميعا"! حتى كوبولا نفسه لم يكن على يقين من ذلك: فلقد جرب العديد من النهايات لملحمته السينمائية الحربية هذه في المراحل الأخيرة للانتاج قبل ان يطلق نسخته الأخيرة ذات ال 35 مم...كما تعرض انتاجه للفيلم للفوضى والاغلاق والتعطل بفعل اعصار ساحق دمر معظم التجهيزات والديكورات وقد تلازم مع تعرض الممثل شين لأزمة قلبية...مما ادى تباعا لتضخم ميزانية الفيلم واضطراره أي كوبولا لتغطية النفقات والمبالغ والخسارات من جيبه الخاص...وقد أدى هذا الصداع والشغب والتقطع في الانتاج، الذي وصفه كوبولا بأنه يشبه حرب فيتنام نفسها (كلعنة)، وقد تم التقاط كل هذه الملابسات والتداعيات في فيلم وثائقي مماثل بعنوان "قلوب الظلام": جحيم صناعة الفيلم! وبالرغم من مخاوف الاستدويو والقائمين على الانتاج، وكافة الاستعراضات والمراجعات المتفاوتة للفيلم، فقد حقق نجاحا كبيرا وتم ترشيحه لثماني جوائز اوسكار، بما في ذلك أفضل تصوير واخراج وافضل ممثل مساعد لشخصية "دوفال" كليغور "المضطربة نفسيا: كما أفضل سيناريو، لكنه فاز فقط بجوائز عن التصوير السينمائي والصوت، كما لاقى هذا المشروع "الهيستيري-الفاغنري" قدرا كبيرا من الحماس المتوازن على مستوى العالم، فهو يكاد لا يشبه أبدا أي فيلم آخر تم انتاجه على الاطلاق، حيث تعكس حالة الكوابيس الاستقطاب المفعم بالتوترات والارتباكات التي لازمت عصر فيتنام المضطرب في حينه.  
*فيلم حركة ومغامرات ودراما بطول 153 دقيقة وقد اعيد اصداره بنسخة جديدة بالعام 2001 بواسطة يونايتد آرتيست: يتميز بالاسراف الدرامي المشهدي المعبر لاوبرا فاجنر ومع تشويق وصخب لافت، كما بالتماسك والصدق، ناتجا عن مزج الصور الفنية الحافلة بالعبثية والصوت الصارخ الأجوف مع الموسيقى الصادحة ...وقد قدم دليلا قويا مسبقا على ان الحرب تعني الجحيم فقط، انه بمثابة عمل سينمائي اسطوري يتحدث عن جنون العصر، يحفل بالغموض المسكون، ويمثل حقا نهاية العالم بتصويره المدهش الخارق للنابالم والمروحيات القتالية محققا تكاملا مشهديا كاملا عن الحرب نادرا ما تقدمه السينما.
*يمثل طموحا مثيرا للاعجاب مع بعد سياسي ثقافي سينمائي لكاميرا ال70مم ويبدو متماسكا بشكل جيد حتى يصل لحالة تشويش نهائية، وقد قدم لحظات لا مثيل لها في أفلام الحرب الأمريكية او الاوروبية الأخيرة في القرن الفائت.
*ادعى كوبولا بانه يريد الوصول الى القضايا الأخلاقية التي تقف وراء جميع الحروب...لكنه توصل فقط للاستنتاج بان حرب فيتنام كانت حربا سيئة بكل المقاييس!
*وفي الوقت الذي كان فيه الكابتن ويلارد (مارتن شين) الى أقص النهر لاغتيال كورتز، فان اعجابه المتزايد بالرجل الغامض، كان يقابله الاشمئزاز من مشاهد الجنون المتمثلة في كل مكان...وسواء كان الأمر سيء ام جيد، نجاح او فشل، فهذا الفيلم يمثل نوعا جديدا اسطوريا من السينما ببعد مشهدي غير مسبوق، وهو شريط مزعج حقا لكنه يمنحنا دراسة شخصية مؤثرة وصور رائعة معبرة لحرب فيتنام.
*حقق فرانسيس كوبولا أربعة من أفضل أفلام القرن العشرين: فيلمي العراب والمحادثة وهذا الشريط نهاية العالم بلا منافس: حيث بدا ثلثي الفيلم الأولين ممتعين اكثر من الثلث الأخير، لكنه بالاجمال فقد كان فيلما مذهلا وربما عبقريا و"منجز جيدا"...بدا فيه مارلون براندو الممتليء حليق الراس مبهرا يتمتع بكاريزما فريدة كظاهرة سينمائية قل مثيلها: ولا يمكن اغفال دور الكاميرا الحارقة ومسار الصوت الدقيق اللذين لعبا دورهما بكفاءة مع الأداء الاسطوري المتناغم لطاقم الممثلين لانجاز عمل ملحمي سينمائي حربي نادر في كل العصور.
*مقولات ذات دلالة ومقتطفات من الفيلم "التحفة":
 
*في انتظار ان يتخلص من الألم، أراد فقط الخروج كجندي، لكن الغابة ارادته ميتا!
*أنت تنظر الان الى الرؤوس المقطوعة!
*كنت اعرف المخاطر، لكن الرغبة بمواجهته كانت أقوى كثيرا من الخوف...
*هناك ألغام في كل مكان واحترس تماما من عضات القرود الملعونة!
*مقولات كوبولا حول الفيلم بعد حوالي أربعين عاما على اخراجه:
*خفض المخرج الدقائق ال49 التي تمت اضافتها لنسخة عام 2001 ثم اعاد وأضافها!
*يعد واحدا من اكثر الأعمال الشاقة والصعبة في تاريخ السينما.
*لقد أمضى عامين كاملين في استعادة وصقل نسخة جديدة للفيلم.
*عندما تبلغ الثمانين من العمر، لا يتعين عليك التحدث عن اي شيء لا تريد التحدث عنه!
*لقد كان بالحق فيلما واقعيا حربيا سيرياليا بامتياز، ولقد اصبح جزء من ثقافة القرن العشرين.
*لقد اضاف 49 دقيقة لنسخة عام 1979 الأصلية...حتى اصبح طوله ساعتين و33 دقيقة.
*ينقل هذا الفيلم رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد لقلب الصراع المحتدم في فيتنام، ولقد اعاد كوبولا كتابة النص الأصلي لجون ميلوس: ولقد كانت النتيجة دراسة وحشية ساخرة عن العبث ومعايير الحرب المزدوجة: حيث سيأمر الملازم بهجوك هليوكوبتر ضد قرية بريئة وضربها بلا هوادة بالنابالم، ثم نرى امراة فيتنامية ترمي بقنبلة على احدى المروحيات فيرد بعنف "هؤلاء الهمج ويبصق باشمئزاز"! ثم يلاحظ كورتز (مارلون براندو): نحن ندرب الشباب على اطلاق النار على الناس، ولكن قادتهم لا يسمحون بالكتابة عن هذا الشيء كما لا يسمحون لهم بكتابة كلمة "فاك" البذيئة على طائراتهم لأنها فاحشة!
*الفيلم المناهض للحرب يفضل أن يكون دراميا: شيء مليء بالحي والسلام والهدؤ والسعادة، لكن هذا الفيلم ليس ضد الحرب بل يمجد الحرب والاستحواذ والجنون!
 
*ملابسات اخراج وانتاج الفيلم في ظروف قاسية وكارثية منفرة:
*لقد اصبح تصوير الفيلم الذي تم تصويره في الفيليبين لمدة 238 يوما مادة اسطورية لصناعة الأفلام: فقد اسقط كوبولا رجله القيادي "هارفي كيبل" بعد بضعة أسابيع من اطلاق النار، ليحل محله "مارتين شين"، ثم ليصاب هذا الأخير بنوبة قلبية شبه مميتة، ثم ليدمر اعصار معظم التجهيزات وقد عانى كوبولا تباعا من نوبة صرع، ثم اختفت المروحيات التي استأجرها من الحكومة الفيليبينية مرارا وتكرارا، وذهبت جميعها للمشاركة في قتال حركات التمرد في الجنوب، وكان علينا اعادة طلائها مرتين لتغير ألوانها، ثم عندما ظهر براندو مرة اخرى كان يعاني من زيادة كبيرة في الوزن مع ضعف التحضير والاستعداد وأصر على ان يسمى الكولونيل "ليلي" بدلا من مسمى "كورتز"...وكان الممثل "دينيس هوبر" يسأل عن اوقية من الكوكايين مقابل قيامه بدوره، لكن كوبولا ابتعد شخصيا عن هذا النوع من الفجور والادمان، ولكنه تناول اعشابا لزيادة التركيز.
*تميز النتاج الفيلم بوجود جثث وحدوث نوبات قلبية وصرع مع حفلات برية جامحة وبنجات من الكوكايين وحالات سكر ثم هذيان ونسيان تمثلت بانهيار وعناد براندو وعدم تعاونه لاتمام الفيلم.
*لكن الرؤيا العظيمة واصرار كوبولا على اتمام ملحمته وبقائه مع فريقة لأربعة أسابيع أتت اكلها اخيرا، بالرغم من تآمر عناصر المؤثرات اللوجستية والطقس والكوارث ضد الفيلم، ومنها طرد كوبولا لرجله القيادي في البداية "هارفي كيتيل" واستبدالة بمارتين شين...
*ثم كان عليهم تنظيف مجموعة من المعابد، التي كانت مليئة بالقمامة والرائحة الفظيعة، وقد عانى مصمم الانتاج من وجود فئران ميتة هناك، كما كانت هناك شائعات تتعلق بوجود جثث متعفنة وحديثة ملقاة هنا وهناك!
*لكن براندو فقد حماسه ونسي النص، ثم حلق فجاة شعره عالصفر كما ظهر بالشريط، وتوصل كحل بديل لارتجال المشاهد والسماح لكاميرا كوبولا المثابرة بالتقاط اي شيء خرج من فمه من أصوات وهمهمات...فوافق كوبولا مجبرا على توجيه كاميراته بعيدا وخلال اضاءة ضعيفة...مركزا على "بروفيل" وجه بطله الجانبي ورأسه مبتعدا عن شكله المرتجل الهائل!
*تحول اداء المصور هوبر لحالة استحواذ جنونية ذات لمسات عبقرية.
*ثم خسر كوبولا عدة ملايين  وواجه خرابا ماليا اذ تعذر اكمال الفيلم، كما عانى من انهيار عصبي وأعلن انه كان يعتزم الانتحار...لكن الفيلم تحول اليوم لتحفة فنية تاريخية خالدة (تجاهلها معظم النقاد العرب كالعادة مع انها تعتبر نموذجا فريدا للمعاناة السينمائية الانتاجية تجاه انجاز عمل ملحمي عبقري)، وبعد سنوات وعندما قام "هيكن كوبر" بعمل فيلمه الوثائقي اللافت، كان معظم النجوم والطاقم سعداء بالتحدث عن الفيلم، باستثناء براندو الذي قال: لماذا تقوم بتصوير فيلم عن تلك "اللعنة السمينة"، فكوبولا مدين لي بمبلغ مليوني دولار! وواضح انه كان يعاني مشاكل بطريقة استلام شيكاته الموقعة من كوبولا...كما بدا كعادته متمردا أرعنا وربما لم يعجبه الفيلم ولا دوره فيه!
*كاتب وباحث سينمائي متعمق وشغوف
عضو رابطة الكتاب والاتحاد العربي لكتاب الانترنت