نظام عربي يتداعى أمام نظام إقليمي أوسع، قيد التشكّل، قادر على استيعابه وتذويبه، ومن خلال فترة الضغط التي تمر بها تلك الدول  لتمرير عددٍ من مشاريع إقليمية شرق أوسطية.  تبدلت مواقع القوة والنفوذ داخل النظام العربي، حيث كانت العناصر “فوق الإقليم العربي” تزداد نفوذًا في توجيه سياسات دول المنطقة، وتعد تلك العناصر  مجتمعة كالدعامة لعمليات انفكاك الدولة العربية عن نظامها الإقليمي، وتفتح الباب واسعًا في كل إتجاه وتطيح بالكثير مما بدا مستقرًا وثابتاً لسنوات عديدة. ولو صحّ هذا التحليل، يؤكد أنّ تغيرًا جذريًا يجري في النظام الإقليمي العربي أشبه ما يكون بالتغيير الجذري الذي حدث للنظام الدولي بُعيد إنتهاء الحرب الباردة.
تغيّر النظام الإقليمي العربي، ولعلّه بدأ بالفعل يخطو خطوات جادّة نحو الانصهار في نظام آخر، وبات الانفكاك واضحا عما سبق للدخول في علاقات ثنائية " مرنة ومؤقتة"، مع تكتلات دولية وإقليمية تمثل القوة والمصالح، وتقود الي بناء نظام إقليمي غير عربي، ومن ضمن تلك المتغيرات ما يلي:-

(1)المتغيرات الإقليمية والدولية والإنعكاسات علي  المنطقة العربية
-    انتقال مركز الأخطار الأمنية من أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
-    التحول الجديد في الإستراتيجية بعد انتهاء الحرب الباردة، وفق إتفاقية واشنطن لعام 1999، والتي بموجبها يستطيع حلف شمال الأطلسي القيام بأعمال ضد أي خطر يهدد هذه المصالح في أي مكان بالعالم.  
-    التغير بالإنتقال من حالة التعامل الثنائي الي التعامل الكتلي (قبل وبعد الحرب الباردة) مع دول المنطقة المتوسطية.
-    تقاسم الأعباء السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية وفق تصالحات أمريكية – أوروبية، بعد إختفاء وتلاشي الخطر الشيوعي لينهي تجاذبات عربية-سوفيتية.
-    التحول في إدراك صانعي القرار العربي لمصادر التهديد الخارجية. فبعد أن كانت معظم الأنظمة العربية تتبنى
سياسة مقاومة الاستعمار الغربي، وتتجنب الانخراط في تحالفات دولية تربطها بالدول الغربية الساعية إلى إدماج اسرائيل بالمنطقة العربية، تغيرت هذه السياسة بعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية، وانطلاق
مؤتمر مدريد للسلام  عام 1991، وتتابعت سلسة من القمم، وكان من أهمها قمة إسطنبول عام 2004 ، وقمة وزراء دفاع الحلف الأطلسي في مدينة نيس عام 2005، ومؤتمر روما بنفس العام  ، وهو ما يرصد توجهات مستحدثة وأدوار قادمة  في منطقة الشرق الأوسط.
-    ضعف دور المنتظمات الإقليمية ومنها الجامعة العربية في القيام بدور سياسي وعسكري فاعل يحفظ أمن أعضائها من أية تهديدات ويقدم حلولا للقضايا العربية والإقليمية الهامة في ظل الانقسام العربي الواضح، خاصة بعد حرب الخليج الثانية. فعلى الرغم من أن ميثاق جامعة الدول العربية بمادته السادسة قد تضمن اتخاذ تدابير جماعية لدفع أي اعتداء يقع على أي عضو من الأعضاء (ميثاق جامعة الدول العربية 1945)، وعلى الرغم أن معاهدة (الدفاع العربي المشترك لعام 1950) قد نصت بموادها الخمس الأولي صراحة  علي وجوب حل المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية، وضرورة اتخاذ الإجراءات الملائمة لصد أي اعتداء يقع على أحد أعضائها، إلا أن الجامعة بقيت عاجزة عن ترجمة هذه الإجراءات إلى واقع ملموس. ولعل ضعف هذا الموقف يظهر في أزمة الكويت 1990، وفي حرب العراق 2003، وفي الموقف من احتلال إيران للجزر الإماراتية، وفي الأزمة الليبية عام 2011، والأزمة السورية  واليمنية منذ 2011 والي الان.

(2)الدور النشط لحلف الناتو في منطقة الشرق الأوسط
إن المفهوم الاستراتيجي للحلف يعني تحريره من أية علاقة مع منظمة الأمم المتحدة، بمعنى، صرف النظر عما جاء بمعاهدة الإنشاء والتأسيس، والتي توجب اطلاع مجلس الامن الدولي  على الاعمال التي يقوم بها الحلف في مجال الدفاع، وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية باعطاء الحلف صلاحية التدخل السريع في الازمات الدولية التي تمس مصالح الدول الأعضاء، وتصب في المصالح الأمريكية لعليا.
ومن ضمن  الأدوار التي تهم بحثنا  ما يلي:-
-    المضمون المباشر وغير المباشر لتدخل حلف الناتو في المنطقة العربية.
-              محاولة إعادة ترتيب الأوضاع في بعض دول المنطقة، مثل ليبيا وسوريا واليمن وغيرها.
- التدخل في دول منطقة الخليج وما يجاورها جغرافيا ، في إطار تحقيق أمن الخليج وأمـن الممـر المائي التجاري المهم، وضمان تدفق النفط من هذه المنطقة إلى دول أوروبا واليابان.
- التدخل للتفتيش على أسلحة كيماوية أو بيولوجية، أو لمنع تدفق الأسلحة لبعض الـدول أو لحرمان بعضها الآخر تحقيقاً للتوازن.

(3)  الإنعكاسات  والآثار علي الأمن القومي العربي،
يمكن إجمال هذه الآثار التي ترتبت على الأمن القومي جراء الترتيبات الأمنية والتسهيلات العـسكرية في المنطقة العربية فيما يأتي:-
- تزايد الاعتماد العربي على الولايات المتحدة الأمركية  في المجالات الأمنية،
- تغير الإدراك لمصادر تهديد الأمن القومي العربي، وتدخل قوى جديدة للمنافسة الإقليمية والدولية،
- تراجع القضايا الأساسية للأمة العربية نتيجة تزعزع الإرادة القومية.
إن المحصلة طبيعية للمتغيرات الجذرية التي طرأت على الوضع الـدولي بعـد انهيار الاتحاد السوفياتي، وللخلل الخطير في ميزان القوى الاستراتيجي علـى الـصعيد العـالمي. حيث تسعي  الولايات المتحدة  الأمريكية إلى تثبيت الواقع الناجم عن هذا الخلل، وتوظيفه في خدمة استراتيجيتها، ولخلق حقائق على الأرض تعيق نهوض الخصم المنهزم وعودته إلـى الاضـطلاع بـدور منافس يعيد بعض التوازن إلى العلاقات الدولية، وهذا يفترض تطويـق روسـيا، وإلغـاء دور الأمـم المتحدة، وجر الدور الأوروبي للمساهمة في تحقيق الاستراتيجية الأمريكية، وإرغـام العـالم علـى القبـول بشرعية الدور الأطلسي- الأمريكي الجديد الذي يطلق الذراع العسكرية للحلف في الزمـان والمكـان المناسبين.
وعلي صعيد المنطقة العربية فإنه ينعكس بشكل سلبي علـى الأمن القومي العربي وعلى المصالح العربية، ويهمش من دور العرب على الساحة الإقليمية والدوليـة، ويحرم الدول العربية مستقبلا ً من وجود حليف دولي أو حتى إقليمي يساعدها على اسـتعادة التـوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية وهو ما يشكل زعزعة إستقرار الأمن لدول الجوار والطوق، كما هو حال المنطقة العربية ككل، ويزيد من عمق الأزمة ترسيخ إشكاليات قائمة في النظام الإقليمي العربي، ومنها اتجاهه نحو "الفوضي"، وليس الإعتماد المتبادل والتكامل الاقتصادي بين دوله، كما ان قولبة مفهوم الأمن القومي ليصب في حماية أمن النظام، وبقائه أولا مع غياب مفهوم الأمن غير التقليدي، وتشبيك التحالف مع الخارج، مقارنة مع الداخل، جعله عرضة للاختراق الخارجي، إزاء كثافة صراعاته البينية، وهشاشة تماسكه، وتعرضه لموجة عاتية من الانقسامات الداخلية.

أولاً:  الإكتشافات  الطاقوية بحوض شرق البحر المتوسط
 
قدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط، و إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط، ولا تشمل تلك الإحصاءات الكميات المتوقعة بحوض دلتا النيل، وهو دلالة قوية علي الصعيد –جيوبوليتكال – لكونه يمثل 47% من إحتياطي النفط، و41% من إحتياطي الغاز في العالم، وسيدفع لتنافسات وأحياناً صراعات ونزاعات اقليمية واجتذاب  القوى الدولية للتوازنات بين وكلاء الطاقة الدوليين، وإحتمال رفع دول المنطقة كلاعب دولي.لقد قادت  شركة "نوبل إنرجي" الأميركية في اكتشاف حقل تمار في العام 2009 قبالة ساحل إسرائيل، ومع توالي الاكتشافات وهو ما زاد إهتمامات الدول المطلة علي المتوسط  للتنافس وإعادة ترسيم الحدود البحرية للتقيب  والإستكشاف.

  (1)إلعراقيل والإشكالات
- عدم جاهزية البيئة القانونية، والشفافية الدولية، و البنية الإستثمارية، وصعوبة النقل والتصدير، والحصول علي أسواق ذات جدوي.
- تعثر  الاتفاق على ترسيم الحدود وتحديد الحقول بين  الدول المجاورة، حيث  تظل موازين  القوى المؤثر والفاعل الرئيس.
- الصراع علي مد أنابيب الغاز، لتصبح مصر رائداً بعد اكتشاف حقل الظهر واستكمال محطات التسييل الغازي، و بعد توتر العلاقة بين كل من انقرا وتل أبيب عام 2009، واستمرار الخلاف القبرصي التركي.
(2) حسابات القوى الدولية
يدفع الصراع في حوض شرق المتوسط في إتجاهات عديدة ، فعلي الصعيد الدولي هناك ثلاث قوي رئيسية تمثل،
 "الإتحاد الأوربي"، وهو ما سيسهم في تخفيف الإعتماد علي مصادر الغاز الروسي ومن ثم عدم تبعية القرار السياسي بالإضافة الي الإنتعاش الإقتصادي، وذلك بدعم الدول العضو كــ قبرص واليونان.
"الولايات المتحدة الأمريكية"، فهي الحاضرة الدائمة والتي تربط مصالحها  بحماية مصالح اسرائيل، كما سيدعم بقاء وجودها بالشرق الأوسط تمكينا للإنتشار الإقتصادي والعسكري.
"روسيا"، الإستفادة من التوازنات والريادة العالمية الغازية، وتمكين شراكاتها الطاقوية والإستكشافية، وضمان إحتكار الأسواق الأوربية أو الحفاظ عليها.  
(3) حسابات  القوى الإقليمية
- خلافات ترسيم حدودية بحرية بين تركيا  وقبرص اليونانية، حيث أتي الترسيم للمنطقة الإقتصادية الخالصة (EEZ) بشكل أحادي مما ادي الي تداخل بين المناطق المحددة من قبل الطرفين.
-خلافات ترسيم حدود بحرية بين لبنان واسرائيل، بنفس المنهج، تدعي اسرائيل بأن لها حقوقا تصل الي 850 كم2 ، الأمر الذي ترفضه لبنان، وهو ما أثار اشكالات علي  بالمنطقة الإقتصادية الخالصة بين الطرفين.
-خلافات بين لبنان وقبرص، حيث وقع الطرفان إتفاقية ثنائية عام 2007 لترسيم حدودهما وتحديد المنطقة الإقتصادية بينهما، الأمر الذي لم يكتمل بمصادقتها من قبل لبنان، ودفعت قبرص للدخول في اتفاقية مع اسرائيل عام 2010 دون الرجوع الي لبنان، وهو أمر خالف مبادئ الاتفاق الأصل والتشاور وفق الاتفاق المبرم عام 2007 بين كل من لبنان وقبرص.
روابط ذات صلة
- إتفاق ثنائي  بين كل من ايطاليا واليونان في اعادة ترسيم المنطقة الإقتصادية  الخالصة، حيث  أبرمت اليونان وإيطاليا يوم الثلاثاء التاسع من يونيو 2020 اتفاقية دولية لتعيين المنطقة الاقتصادية للدولتين الساحليتين المتقابلتين فى شرق البحر المتوسط، ولأول مرة، بعد أن كانت الدولتان أبرمتا فى عام 1977 اتفاقية تعيين الجرف القارى لهما، وأدى النزاع حول حقوق الصيد للسفن والصيادين الإيطاليين فى مياه الجرز اليونانية إلى تأجيل الاتفاق على الاتفاق النهائى الذى اكتمل  فى العاصمة اليونانية أثينا 2020 بناء علي اتفاقية عام 77، وكان ردا جوهرياً على ما تم التوقيع عليه فى نوفمبر 2019، من قبل تركيا وحكومة الوفاق الليبي.
-فشل المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية  بين ليبيا واليونان عام 2004، وهو ما استمر دون اتفاق رغم استمرار المفاوضات وكان اخرها عام 2012.



ثانيا: تداعيات صراعات إستكشاف النفط والغاز بحوض شرق المتوسط، علي الملف الليبي
إلإتفاق التركي-الليبي يرسم خارطة جديدة

 أصبحت دائرة الشك تدور بين أطراف دولية وتخالجها الكثير من عدم الثقة وغموض مستقبل المصالح التجارية والإستراتيجية. فقد راهن الكثير علي الاتفاق السياسي بـ الصخيرات منذ ديسمبر 2015، وبناء عليه قامت تلك الدول المراهنة بدعمها للمجلس الرئاسي والاعتراف بـ حكومة الوفاق التي لم تجني موافقة ومصادقة مجلس النواب الليبي.
 في الوقت ذاته، فإن روسيا بعد تسارع الأحداث في حوض شرق المتوسط، ودخول تركيا في شراكات عسكرية – أمنية – برية وبحرية مع حكومة الوفاق، قد يدفع الروس لتبديل الرهان وتغيير التحالفات، وخصوصاً، فإن تركيا تمثل جوانب رئيسية لتحقيق المصالح الروسية.
كما أن الموقف الأمريكي - الأوربي بمنطقة شرق المتوسط يغلب مصالحه التجارية والاستراتيجية باحثاً عن كل الوسائل لحرمان البلدين...تركيا وروسيا من حق الإنتفاع وتجفيف الموارد الطبيعية، وتحويل الشأن الي دول أخري، ومنها اليونان وايطاليا وقبرص ومصر وغيرها. فالعلاقات الدولية ودينامياتها نستطيع وصفها بالحركة الدائمة، والبحث عن أدوار وفق المصالح والمطامع.
القوة بكل معانيها والاتفاقات والمعاهدات الدولية عنصران اساسيان في تحديد معالم العلاقات بين الدول، وترسيم الحدود سواء البرية او البحرية، وقد ساهمت الإكتشافات الحديثة للثروات الطبيعية عام 2010 في شرق حوض البحر المتوسط الي نشوب النزاعات والصراعات بدلاً من تحقيق الرفاء والتنمية.

غير أن المعاهدات الدولية تتطلب مصادقة الدول عليها، فهناك دولاً لم توقع علي معاهدة قانون البحار لعام 1982 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وهي اتفاقية دولية عرفية، وحلت محل الإتفاقيات الأربع؛ البحر الإقليمي، والجرف القاري، واعالي البحار، والصيد والمحافظة علي الموارد الحية،  ومن تلك الدول الرافضة، الولايات المتحدة الأمريكية والتي وقعت علي اتفاقية التنفيذ ولم توقع علي القانون نفسه، ومنها دولاً معارضة للإتفاقية بشكل سياسي كـ تركيا في خلافها مع اليونان وقبرص علي سيطرة أثينا علي بحر إيجا، وأزمة الجمهورية التركية لشمال قبرص، كما رفضت  ليبيا وإسرائيل وسوريا لأسباب أخري لسنا هنا بصدد دراستها.
تعتمد كل هذه الدول (الرافضة) علي إجراءات أخري ومعايير مختلفة لرسم حدودها، ومن هنا نأتي الي أنواع متنوعة من الصراع والنزاع الدولي- المحلي، وتضارب المصالح وتداخلها، ليكن العنصر الأول القوة احياناً سيد الموقف كما هو حال إسرائيل-لبنان في خلافهما، ويكن الاتفاق الدولي مميزاً كما هو حال اليونان وتركيا، حيث تعتبر تركيا بأن اتفاقيات رسم الحدود البحرية تنتهك الحدود المائية فيما يتعلق بحدودها وفق ميثاق الأمم المتحدة، كما يتعدي علي حقوق القبارصة الأتراك الذين لا يمتلكون حق الاعتراض علي شطرهم الجنوبي، غير أن تركيا تحاول أن تعزز مكانتها ومحورية موقعها الجغرافي.
(1)تركيا تضغط من أجل الحصول علي ثروات المتوسط من خلال شركات عسكرية وأمنية مع الوفاق الليبي
تراجعت وتنازلت تركيا عام 1923 وفق إتفاقية لوزان عن ملكيتها للجزر المواجهة لليونان، الأمر الذي جعل أنقرا تستورد  75% من إحتياجها الطاقوي من الخارج، فإن تركيا تتطلع لدخول نادي الكبار  مما يدفعها لانتزاع ما تعتبره "الحقوق" بحوض شرق المتوسط، تأميناً لمصادر الطاقة.
حددت تركيا سبع مناطق فى شرق البحر الأبيض المتوسط لإجراء الاستكشافات والتنقيب عن النفط، فى إطار مذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع حكومة الوفاق الليبية، وقيام سفينة الحفر التركية «يافوز» بإجراء استكشاف سابع فى منطقة سيلكوكلو  غرب قبرص، وهذا يعنى أن تركيا ماضية فى فرض سياسية الأمر الواقع ودبلوماسية البوارج، وبغض النظر عن اتساق الإجراءات التركية مع قواعد القانون الدولى للبحار، ودون اعتبار لحقوق الدول الساحلية فى شرق البحر المتوسط المؤسسة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 تستمر المحاولة عبر ليبيا.

لقد منحت الاتفاقية الثنائية لترسيم الحدود البحرية بين كل من المجلس الرئاسي المتمثل في الوفاق وتركيا فرصة للطرفين – رغم عدم قانونيته-،، في المقابل فإن تركيا تجد بأن هذا الاتفاق قد يدفع بالضغط علي دول اوربية بحوض شرق المتوسط وبالأخص إيطاليا واليونان ودول عربية كـ مصر لإعادة تفعيل الدور التركي ومنحه حصة من تلك الثروات الطبيعية، كما سيدفع أيضا لتوازن الثقل الاقتصادي عبر الاتفاق الممنوح في مواجهة القانون الأمريكي "شراكة الأمن والطاقة شرق البحر المتوسط"، والتحالفات العربية الغربية ومنتدي (غاز شرق البحر المتوسط) الـ جيو-اقتصادي.
كما تعتبر ايضاً مصر البديل الإستراتيجي للدور التركي، بحكم علاقتها المتوازنة والمميزة مع قبرص واليونان وباقي دول الإتحاد الأوربي، علاوة علي ظهور اكتشافات فعلية بحوض ظُهر، كما أن بإمكانها استخدام محطات التسييل من خلال سواحلها ومن ثم نقله لأوروبا.
(2)  الإتفاقية التركية – الليبية (الوفاق)
تم توقيع الإتفاق بين كل من الوفاق الليبي  والحكومة التركية في 27 نوفمبر عام 2019، بموافقة البرلمان التركي في 2 يناير 2020، ورفض البرلمان الليبي ومن ثم عدم المصادقة عليها، بالتزامن مع رفض كافة الدول لهذا الإتفاق، والذي يشمل الإتفاق الأمني والعسكري، ويتجه ويتسع لمجالات أخري لم تكشفها الإتفاقية بشكل صريح، وهو  ترسيم الحدود البحرية بحوض شرق المتوسط.
شملت الإتفاقية في أصلها التعاون بين الطرفين في مجالات عديدة ومجالات لم تظهر كل تفاصيلها للعلن، لتصبح غامضة وسرية وفق ما نصت عليه المادة الثالثة "المعلومات  والمواد السرية"، وخالفت بنود الإتفاقية قرارات مجلس الأمن بشكل صريح، خصوصاً تلك المتعلقة بحظر الأسلحة في نصوص عديدة، ومنها علي سبيل المثال ما نصت عليه المادة الخامسة (مبادئ التنفيذ والتعاون) بالفقرة (2) حيث تنص علي "تبادل الذخائر، أنظمة الأسلحة، المعدات الخاصة العسكرية..."، كما منح الإتفاق دخول الطرفين في إتفاقات متممة، وهو ما حدث فعلياً بالدخول في إعادة ترسيم الحدود البحرية المتوسطية.

 (3) السيناريوهات
-السيناريو الأول، احتدام الصراع، رفع وتيرة التوتر والنزاع والصراع في كافة مناطق شرق المتوسط، وذلك لحساسية المواقف وابعادها وأهميتها.
-السيناريو الثاني، عودة شاملة للمفاوضات والتفاوضات بشأن ترسيم كامل للحدود البحرية لتقاسم المنافع الإقتصادية، وفق فرضية خطورة التصعيد.


(4) مأسسة المعالجات
نذهب الي مساقات  ثلاثة لوضع أطر لمعالجات الأزمة واقتراح الحلول، حيث  نؤسس المعالجات وفقا للمرتكزات  التالية:-
-     الإلتزام بالإتفاقيات الدولية ومنها معاهدة أعالي البحار عام 1982،
-    الإلتزام بالتشاوررات مع دول الطوق والملاصقة حدوديا والمقابلة جغرافياً.
-    تقديم الجانب السلمي والتوفيقي والتحكيمي في كل القضايا المتعلقة بالترسيم الحدودي وغيره.
(5) التوصيات
حيث لا جدوي اطلاقا في دخولنا للصراع غير المباشر في حوض شرق المتوسط، فأبعاد الصراع الإقتصادي المنفعي بين الدول المتشاطئة سيكون أكثر نفعا لليبيا دون الدخول في انحيازات قد تؤثر سلبا في علاقات دولية وأخري اقتصادية قد تضر بالمستقبل النفطي والغازي  الحالي. كما أنه يستوجب رفض إتفاق الترسيم الحدودي البحري بين انقرا والوفاق بشكل نهائي، للعديد من الأسباب وأهمها:
-    عدم اعتراف الدولة الليبية (الوطنية) بحكومة الوفاق، برغم شرعنتها دولياً.
-    عدم شرعية وقانونية الإتفاق المبرم بين تركيا والوفاق الليبي، حيث خالف بنود الإتفاق السياسي بالصخيرات بمادته الثامنة والتي تنص صراحة على أن يتم اعتماد  المعاهدات الدولية ومصادقتها من مجلس النواب الليبي. وبهذا منح من لا يملك من لا يستحق.
-    تأزم الحالة العامة من النواحي العسكرية والأمنية لليبيا، حيث منح الإتفاق هيكل شبه قانوني للتدخل في السيادة الليبية في ظل الإنقسام والتشظي.
-    منح الإتفاق ممراً امناً لدخول المعدات والأسلحة والذخائر والمرتزقة.
-    يدفع الإتفاق الأزمة الليبية لمنعطفات خطرة ومنها حرب أهلية ويفتح سيناريوهات حرب الهلال النفطي مما سيؤثر في مستقبل وأمن الطاقة.
يستوجب (حرصاً) إتخاذ إجراءات كافية  من خلال سلات ثلاث وهي:-
السلة الأولي (اتفاقات ثنائية)
تفعيل الإتفاقات الثنائية أو مذكرات تفاهم بين مجلس النواب الليبي من خلال لجنة الخارجية به والدبلوماسية الليبية،  مع  دول منتدي حوض شرق  المتوسط، (مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، والأردن)، حيث أنه في ظل المقاطعة الإسرائيلية لا يمكن لليبيا الدخول في شراكة كاملة بالمنتدي، ولذا توجب عقد إتفاقات مساندة للدول الموقعة والمنخرطة بالإتفاق بشكل ثنائي.


السلة الثانية (تفعيل اليات قانون أعالي البحار  عام 1982)
بصفة ليبيا مراقبا بالإتفاقية المشار اليها اعلاه، يستوجب ايداع كافة الوثائق بشأن حقوق ليبيا في ترسيم الحدود البحرية، فإن عرض المياه الإقليمية الليبية هو 12 ميل بحري. كما أعلنت ايضا ليبيا بأن  منطقة حماية مصايد الأسماك بعرض 62 ميل، بداية من الحد الخارجي للبحار الإقليمية، في 1 أبريل 2005، وأودعت اعلانها بالأمم المتحدة.  وفي 27 مايو 2009، أعلن المؤتمر الشعبي العام منطقة اقتصادية خالصة بالاتساق مع الاتفاقات الدولية الحاكمة وأودع الإعلان لدى الأمم المتحدة عام  2009، وكما كان الحال عندما كسبت الدولة الليبية قضاياها (الجرف القاري) ضد كل من مالطا وتونس.
السلة الثالثة (التقاضي والتحكيم)
يستوجب الأمر أيضا احالة الإتفاق التركي مع الوفاق الليبي غير الشرعي، وايضا الإتفاق اليوناني الإيطالي المجحف بالحقوق البحرية الليبية، وما سيتخذه أطرافاً أخري في وقت قريب  لمحكمة العدل الدولية تماشياً مع القانون الدولي العام وقانون أعالي البحار والإتفاقات الثنائية المزمع تنفيذها، في الوقت نفسه التأكيد التام علي أن بنود الإتفاقية المبرمة بين تركيا والوفاق  يتعارض مع توصيات مجلس الأمن الدولي المنتظم الدولي "الأمم المتحدة ومساعيها الحميدة لإرساء السلم والأمن الدوليين  وقراريها بشأن ليبيا 1970 و 1973.  


المراجع:
-    بحث محكم تحت عنوان "النظام العالمي الجديد وتغير مفهوم الحماية الدولية، إنعكاسات علي سيادة الدول والأمن القومي العربي" د. محسن ونيس.
-    مقال تحت عنوان "قراءة قانونية في الاتفاقية الإيطالية اليونانية لتعيين حدودهما البحرية
-    د. أيمن سلامه.
-    مذكرة التفاهم التركية-الليبية للتعاون الأمني والعسكري، الرابط: https://www.turkpress.co/node/67004
-    تقرير تحت عنوان "كنز في ماء المتوسط.. من يربح حرب الغاز القادمة؟
-    الإتفاق السياسي النص الكامل بالصخيرات ديسمبر 2015.
-    مقال تحت عنوان "صراعات استكشاف النفط والغاز شرق المتوسط... التداعيات والإنعكاسات علي الملف الليبي"   د. محسن ونيس، الرابط: https://www.afrigatenews.net/o/2042
-    دراسة تحت عنوان "الإتفاقية الليبية التركية وانعكاساتها علي مشهد الصراع في ليبيا"، مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية.
-    دراسة تحت عنوان "هل يعيد الإتفاق التركي الليبي رسم خارطة النفوذ في شرق المتوسط"، مركز الفخر الإستراتيجي للدراسات.
-    تقرير تحت عنوان "5 أسئلة تشرح لك كل شئ عن إتفاقية تركيا وليبيا"، ساسة SAS.