في إطار حالة الصراع المتصاعد في العاصمة الليبية طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي،تسعى تركيا جاهدة لدعم مليشيات تيار الاسلام السياسي الموالي لها لاستمرار سيطرته على مؤسسات الدولة بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية وتمرير أجنداتها في المنطقة بصفة عامة.

وصعدت حكومة الوفاق ومن ورائها تيار السلام السياسي وعلى راسه جماعة "الاخوان" التي تهيمن على الحكومة في طرابلس من تحركاتهم الرامية الى طلب التدخل التركي في ليبيا.حيث تعددت الزيارات لمسؤولين في الحكومة الى أنقرة والتي تأتي في اطار طلب الدعم التركي لمواجهة الجيش الوطني الليبي.

آخر هذه الزيارات قام بها وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا،الأربعاء،حيث بحث مع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، آفاق التعاون بين البلدين، والتعاون العسكري.كما تضمنت المباحثات أيضا مناقشة عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين الصديقين، حسب بيان داخلية حكومة الوفاق، على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

ويشير مراقبون الى أن الزيارة تأتي بهدف طلب الدعم التركي لمواجهة الجيش الليبي،وكان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المدعومة دوليا، فائز السراج، اعترف في وقت سابق بتلقيه دعما عسكريا من تركيا خلال المعارك في طرابلس، مؤكدا أن حكومته في حالة دفاع عن شرعيتها.بحسب قوله.

ويأتي اعتراف السراج مكملا لتصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام العالم كله، بأن بلاده باعت أسلحة ومعدات عسكرية لحكومة الوفاق.وأوضح أردوغان، في يوليو الماضي، في مؤتمر صحفي، أنه تم بالفعل تقديم مساعدات عسكرية لحكومة الوفاق، بعد أن ظهرت صور الشهر قبل الماضي توضح أن العشرات من العربات التركية المدرعة "كيربي" تم تسليمها إلى قوات الوفاق.

ولم تكتفي أنقرة بارسال سفن السلاح بل دفعت بعناصرها الى ساحة المعركة حيث تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي في أبريل الماضي من القاء القبض على مقاتلين تركيَين اثنين يقاتلان في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في معارك طرابلس ضد الجيش الليبي.ونشرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" جوازات سفر كانت بحوزتهم أثناء إلقاء القبض عليهم.وهو ما كشف بشكل واضح التدخل التركي السافر في الشأن الليبي بما يخدم مصالحها على حساب الليبيين.

ومطلع يونيو الماضي، نشرت "شعبة الإعلام الحربي" التابعة للجيش الوطني الليبي، على حسابها في موقع "فيسبوك"،شريطًا مصورًا يظهر ضابطًا تركيًّا يدرب المسلحين على قيادة مدرعات تركية وصلت أخيرًا إلى العاصمة الليبية، مشيرة إلى أنّ الفيديو عثر عليه في هاتف أحد المقبوض عليهم.كما كشف الجيش الوطني الليبي توصله إلى مسؤولي إدارة العمليات العسكرية لميليشيا طرابلس وحددهم بالأسماء والمناصب والمهام وذكر أنهم يشاركون في توجيه الطائرات التركية المسيّرة بدون طيار، والتي لعبت دورا محوريا في السيطرة على منطقة غريان الاستراتيجية ومعسكر أبو رشادة.

وتأتي زيارة باشاغا بعد حملة جوية أطلقها الجيش الليبي خلال أغسطس الجاري استهدف الطائرات المسيرة وغرف التحكم في قاعدتي معيتيقة ومصراتة غرب ليبيا،وانتهت بسيطرة الجيش على المجال الجوي.وكان سلاح الجو التابع للجيش الليبي أعلن مساء الجمعة أنه يسيطر على كامل الأجواء الجوية الليبية، ويضعها تحت المراقبة المستمرة تحسبا لأي اختراق قد يحدث من طرف مسلحي حكومة الوفاق.

لكن وبعد حوالي أسبوعين على اختفائها عادت الطائرات التركية المسيرة "درونز" للتحليق في أجواء العاصمة الليبية، طرابلس،حيث نفذت الثلاثاء ضربة على منطقة الأصابعة مما أدى إلى مقتل 4 مدنيين.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن مصدر مسؤول في الجيش الليبي،قوله إن "الميليشيت التابعة لحكومة الوفاق تسملت أخيرًا شحنة جديدة من الطائرات التركية المسيرة، مدعومة بضباط أتراك لإنشاء غرف عمليات جديدة للطيران المسيّر".وأضاف المصدر إن "وحدات الجيش رصدت عودة الطيران التركي،الثلاثاء، في الأجواء بعد تحييده ولمدة أكثر من أسبوعين، وفي جميع الجبهات".وأشار إلى أن 'غرفة عمليات الكرامة الرئيسة تأخذ هذا التهديد على محمل الجد، خاصة أنه أوقع خسائر في صفوف المدنيين، وتعمل على تحييده من جديد".

وليست هذه المرة الأولي التي تستهدف فيها طائرات تركيا المسيرة المدنيين في ليبيا،حيث مارست هذه الطائرات التي تجول في الأجواء الليبية بتواطئ من حكومة الوفاق،جرائم كبرى في حق الليبيين وسفكت دماءهم على غرار استهداف احداها لعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود السايح "شيل السايح" ،في الرابع من يوليو الجاري، مخلفة عددًا من القتلى والجرحى.

كما قصف الطيران التركي مطلع شهر يوليو الماضي منازل مدنيين في مدينة ترهونة، ثاني أكبر المدن التي يسيطر عليها الجيش الليبي، في حادثة وصفت بـ"المجزرة وجريمة الحرب"، بعد سقوط عدد من الضحايا، من بينهم نساء وأطفال.ونشر المجلس البلدي للمدينة على صفحته صورا ومقاطع مصورة تبين آثار الدمار الذي خلفه الاعتداء التركي.

ولا يستبعد مراقبون أن تكون زيارة باشاغا المقرب من تنظيم الإخوان المسلمين إلى أنقرة تهدف إلى إبرام صفقة جديدة لشراء طائرات دون طيار بدلا من تلك التي حطمها الجيش،أوطلب التدخل التركي ضد الجيش الوطني الليبي،وهو أمر ليس بجديد في الساحة الليبية،فجماعة "الاخوان" المهيمنة على حكومة السراج في طرابلس سبق أن طالبت بهذا التدخل من قبل وخاصة في ظل تقدم القوات المسلحة ونجاحها في تحرير أغلب المدن والمناطق الليبية في شرق وجنوب البلاد من التنظيمات الارهابية والمليشيات الموالية لتيار الاسلام السياسي.

ومن جهتها،ن تؤكد قيادات عسكرية في الجيش الليبي إرسال أنقرة لإرهابيين إلى ليبيا لتعزيز صفوف الميليشيات بالمقاتلين.وهو ما أكده مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي العميد خالد المحجوب،بقوله  إن "أنقرة أرسلت دفعة جديدة من المقاتلين الأجانب لدعم الميليشيات، وقد وصلوا الجمعة، إلى مدينة مصراتة شرق العاصمة".وأضاف المحجوب في تصريحات لموقع "الوطن" المصري السبت، أن  "المقاتلين يصلون إلى تونس من تركيا، ومن تونس يتم نقلهم إلى مطار مصراتة، وهو تحرك تركي يأتي في محاولة لإنقاذ الميليشيات في ظل الخسائر التي يواجهونها داخل العاصمة"..

وبدوره كشف نائب رئيس الوزراء الأسبق في عهد العقيد الراحل معمر القذافي،الطيب الصافي عن وجود مقاتلين أجانب كانوا في مدينة إدلب السورية وصلوا إلى ليبيا وهم يقاتلون حاليا في صفوف مجموعات وصفها بـ”الإرهابية” في طرابلس ضد الجيش، داعيا روسيا إلى مساندة ليبيا وجيشها في محاربة الإرهاب.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الصافي قوله،أن "هؤلاء الأجانب يقاتلون مع أعوانهم من بقايا القاعدة وداعش والإخوان المسلمين (تنظيمات وجماعات إرهابية محظورة في روسيا وعدد كبير من الدول) في طرابلس صفاً واحداً".مضيفا أنه يتواجد كذلك ضباط أتراك في غرف العمليات وهذا الأمر معروف ولا يستطيع أحد أن ينكره.

التورط التركي في دعم الجماعات الراديكالية ليس جديداً،فقد انخرطت تركيا في الصراع الليبي منذ سنوات،ولكن معركة طرابلس التي انطلقت في الرابع من ابريل/نيسان الماضي كشفت بوضوح حقيقة الدور المشبوه الذي تلعبه أنقرة في دعم المليشيات.فمن تدفق سفن الموت المحملة بالأسلحة والمعدات العسكرية،مرورا بنقل العناصر الارهابية من سوريا والعراق نحو الأراضي الليبية،وصولا الى الطائرات المسيرة التي تسفك دماء الليبيين وتدمر بلادهم.

وتتزامن زيارة باشاغا إلى أنقرة مع تصاعد الدعوات الأممية والدولية الرامية إلى ضرورة وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية.وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسان سلامة، إن "تطورا مشجعا حدث في قمة الدول السبع الصناعية" بشأن الأزمة الليبية. وحظيت الأزمة الليبية بنصيب من المناقشات خلال القمة، تمثل في الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف المعنية على المستويين المحلي والإقليمي، دون دعوة إلى وقف الحرب.

ووصف سلامة ما صدر عن القمة بـ"التطور الإيجابي" الذي يهدف إلى "ترميم موقف دولي موحد من المسألة الليبية، يسمح للإخوة الليبيين بأن يستعيدوا عافيتهم" معقبا "ويمكّن الدول المجاورة، وتونس على رأسها، من الاستفادة من الاستقرار في ليبيا"، وذلك في تصريحات له عقب لقائه الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر، نشرها اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي.

ويرى مراقبون أن هذا التفاؤل بامكانية حل الأزمة الليبية يتعارض مع الصمت الدولي المحير ازاء التدخلات التركية المفضوحة التي تسعى لاطالة أمد الفوضى في البلاد خدمة للجماعات المتطرفة الموالية لها.ويشير هؤلاء الى أن انهاء فوضى المليشيات في العاصمة الليبية يعد ضروريا لانجاح أي محاولات لانهاء الصراع في البلاد والانطلاق في بناء الدولة من جديد بما يخدم مستقبل الليبيين.