مشهد مفاجئ شهدتها الأحداث الليبية خلال الأيام القليلة الماضية مع تتالي انسحابات الجيش الوطني الليبي من أغلب محاور العاصمة الليبية طرابلس وصولا الى اعلان حكومة الوفاق عن سيطرتها على مدينة ترهونة أبرز قواعد القوات المسلحة.لكن سرعان ما توضحت الرؤية مع اعلان الجيش الليبي انسحابه بناء على ضغوط دولية نحو فتح المجال لعودة العملية السياسية في البلاد.
وأكد المتحدث باسم الجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري،إن القوات المسلحة الليبية، تعرضت لضغوط دولية للرجوع 60 كيلومتر عن تمركزها في طرابلس، والجيش خاطب الجهات الدولية بضرورة الفصل بين السياسة، ومحاربة الإرهاب. وأوضح أن الجيش الليبي رأى أن التمركز داخل ترهونة سيعرضها للقصف، والجيش لا يحتمي بالمدن، فصدرت الأوامر بالتمركز خارج المدينة حتى لا تتعرض للدمار.
وقبل ذلك أعلن الجيش الوطني الليبي إعادة تمركز وحداته خارج طرابلس مع شرط التزام الطرف الآخر بوقف إطلاق النار، محذرا أنه في حالة عدم الالتزام بذلك فإن القيادة العامة سوف تستأنف العمليات و ستعلق مشاركتها في لجنة وقف إطلاق النار 5 + 5.وأكدت القيادة أن القرار جاء بناء على موافقة القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية على استئناف مشاركتها في لجنة وقف إطلاق النار 5 + 5 التي تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وإنجاح أعمالها المرتقبة.


تحرك الجيش هذا سرعان ما أعقبه تحركات لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الليبي في القاهرة حيث التقيا بعدد من المسؤولين المصريين،لتنتهي هذه الاجتماعات باعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي  خلال مؤمر صحفي،عن التوصل لمبادرة شاملة ومشتركة لإنهاء الصراع في ليبيا.
واشتملت المبادرة المصرية على عدد هام من البنود ياتي في مقدمتها  التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو/حزيران الجاري.وارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين.
واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات.وشملت المبادرة، إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني الليبي)، مع تحمل الجيش الوطني مسئولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره.
ومع الاعلان عن المبادرة المصرية تتالت ردود الفعل الدولية المرحبة،حيث أعربت روسيا عن ترحيبها بكل الجهود الرامية إلى تسوية النزاع في ليبيا،وقال بيان للسفارة الروسية بالقاهرة، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"،"نرحب بكل الجهود الرامية إلى تسوية النزاع واستعادة السلام في كافة الأراضي الليبية". وأضافت السفارة "تقدمت مصر اليوم بالمبادرة الهامة لإنهاء الأزمة في ليبيا.
وبدورها،رحبت الولايات المتحدة،بالمبادرة المصرية التي تهدف إلى حل شامل للأزمة الليبية،وقالت السفارة الأمريكية في ليبيا، في بيان على صفحتها على موقع "فيسبوك" اليوم "نرحب بجهود مصر وغيرها من الدول لدعم العودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق النار".
وأضافت "تراقب الولايات المتحدة باهتمام ظهور الأصوات السياسية في شرق ليبيا"، معربة عن تطلعها إلى "رؤية هذه الأصوات منخرطة في حوار سياسي وطني حقيقي فور استئناف محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تستضيفها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشأن وقف إطلاق النار".وأضاف البيان "ندعو جميع الأطراف للمشاركة بحسن نية في وقف القتال والعودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".


وعلى الصعيد الأوروبي،أعلنت فرنسا دعمها للمبادرة بالمبادرة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي لحل الأزمة الليبية.وحسب بيان الخارجية الفرنسية، فقد هنأ وزير الشؤون الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، السبت،نظيره المصري سامح شكري، على الجهود التي بذلتها مصر بشأن الملف الليبي، ورحب بالنتائج التي تحققت اليوم والتي تهدف إلى الوقف الفوري للقتال واستئناف المفاوضات في إطار اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5
كما أعرب عن دعمه لاستئناف العملية السياسية على هذا الأساس تحت إشراف الأمم المتحدة، في إطار المعايير المتفق عليها في مؤتمر برلين.وأشار في هذا السياق إلى أن الأولوية يجب أن تتمثل في الوقف الفوري للأعمال العدائية والتوصل في أسرع وقت ممكن لاتفاق لوقف إطلاق النار يقضي بمغادرة المرتزقة الأجانب للأراضي الليبية.
أما عربيا فقد رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بالمبادرة المصرية،وقال مسؤول بالأمانة العامة للجامعة في تصريحات إعلامية "بأن الأمين العام يرحب بكافة الجهود،وبالذات العربية،الرامية إلى حقن الدماء بين الأشقاء الليبيين وتثبيت وقف شامل لإطلاق النار، داعياً الي إستكمال مفاوضات اللجنة العسكرية المشتركة التي ترعاها البعثة الأممية في ليبيا، وإستئناف الحوار السياسي بين مختلف الأطياف والمكونات الليبية".
ورحبت المملكة العربية السعودية بـ"جهود مصر" الهادفة إلى حل الأزمة الليبية، معربة عن تأييدها دعوة السيسي وقف إطلاق النار في ليبيا اعتبارا من الاثنين 8 يونيو الجاري.وأعربت الرياض عن ترحيبها "بكافة الجهود الدولية الداعية إلى وقف القتال في ليبيا والعودة للمسار السياسي، على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، "إعلان القاهرة" بأنه "إنجاز مهم ومبادرة منسجمة مع المبادرات الدولية، يجب دعمها للتوصل لحل سياسي للأزمة الليبية".فيما ثمنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية "المساعي المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية بحس عربي مسؤول وجهود مثابرة ومقدرة.".


وبدورها رحبت وزارة خارجية مملكة البحرين بمبادرة الرئيس المصري،وعبرت المملكة عن دعمها لجميع الجهود التي تقوم بها جمهورية مصر العربية من أجل حفظ الأمن القومي العربي والدفاع عن المصالح والقضايا العربية، مؤكدة على ضرورة تجاوب جميع الأطراف في دولة ليبيا مع هذه المبادرة، وتغليب الصالح الوطني لتحقيق التنمية والرخاء للشعب الليبي الشقيق، وترسيخ الأمن والاستقرار في دولة ليبيا وضمان وحدة وسلامة أراضيها.
وتمثل المبادرة المصرية فرصة سانحة لاختراق الأزمة الليبية المتنامية منذ العام 2011 وانهاء الانقسامات التي وقفت حائلا أمام توحيد مؤسسات الدولة،كما يمكن أن تعيق هذه المبادرة أطماع وطموحات تركيا التي يرى مراقبون أنها لن تستطيع اعاقة المبادرة في ظل الدعم الدولي الواسع لها وهو ما يمثل ضربة لمخططات أردوغان الساعي لفرض أجنداته في ليبيا عبر أذرعه التي تسعى لتسليمه ثروات البلاد.