وسط الإنقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية،التي أدخلت البلاد فى دائرة مفرغة من الفوضى كرست لإنتشار الميليشيات المسلحة وتفشى الفساد وإستنزاف موارد الدولة،تفاقمت المشكلات الاقتصادية في ليبيا،مع إرتفاع حدة الأوضاع المعيشية المزرية في مختلف أنحاء البلاد بسبب توالي أزمات التي تثقل كاهل المواطن.  الأوضاع المعيشية الصعبة كانت السبب في اندلاع الاحتجاجات في عدد من المدن الليبية،التي شهدت،الجمعة 27 يوليو 2018، مظاهرات سلمية، احتجاجا على ارتفاع الأسعار، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتدني الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، والانقطاع المتواصل للكهرباء لساعات طويلة.

ففي ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس،تجمّع متظاهرون احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة من اليوم، وكذلك ارتفاع أسعار الخبز، وحمل المتظاهرون شعارات من بينها "لا في ضي ولا سيولة.. هذي عيشة مش معقولة" و"حي العار.. حي العار.. الخبزة ولت بدينار". وامتدّت الاحتجاجات إلى مدن أخرى، حيث قام مواطنون بحرق الإطارات وأقاموا المتاريس في مناطق باطن الجبل غرب ليبيا،كما إمتدت إلى مدينة صرمان وصبراتة والزنتان نتيجة لتفاقم أزمات المواطنين ومعاناتهم في ظل تردي الأوضاع المعيشية ونقص السيولة النقدية وإنقطاع الكهرباء الذي تزامن مع تسجيل درجات حرارة مرتفعه في البلاد.بحسب تقارير إعلامية.

وبدورها نظمت مؤسسات المجتمع المدني بمختلف مناطق وادي عتبة كل من تساوة وأقار عتبة والمقطع ومرحبا والسبيطات وقفات احتجاجية حول سوء وضع شبكة الكهرباء وارتفاع ساعات طرح الأحمال.وطالب المحتجون بتفعيل محطة أوباري الغازية وإقامة مؤتمر صحفي لمعرفة أسباب توقف العمل بالمحطة، مؤكدين أن احتجاجاتهم ستستمر إلى حين استجابة المسؤولين لها.

بين الكهرباء والخبز

وتشهد ليبيا منذ أسابيع أزمة كهرباء خانقة أدت إلى انقطاع التيار عن المدن لساعات طويلة وسط أجواء حارة أشد ما يكون فيها المواطن بحاجة إلى الكهرباء.فيما تتواصل تبريرات المسؤولين في الشركة العامة للكهرباء،التي تتلخص في الاعتداءات على خطوط النقل ومحطات التحويل وسرقتها، أو عزوف الشركات الأجنبية عن إكمال مشروعات محطات التوليد المتوقفة بسبب الأوضاع الأمنية، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة. من جانبه،انتقد عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، تدهور الأوضاع المعيشية في ليبيا وتفاقم أزمة القمامة و طرح الأحمال الكهربائية.وقال الشاطر في تغريدة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، "عندما تتكدس القمامة والعجز في تطبيق طرح الأحمال ولا حل في الأفق للسيولة و تتفاقم المختنقات الأخرى يبادر رئيس الحكومة التخلص من القمامة وبعض الأحمال في وزارته لحل المشاكل، لم يحدث هذا بقيت القمامة ولم تطرح الأحمال بعدالة لبقائهما في الحكومة، السبب والنتيجة".

كما تتواصل منذ أسابيع معاناة الليبيين إتفاع قياسي لأسعار الخبز، الغذاء الرئيسي في ليبيا، لتفاقم الأعباء المالية لليبيين، الذين يكافح كثيرون منهم بالفعل لتوفير احتياجات أُسرهم.وعلى رغم أن الخبز سلعة أساسية للأسر الليبية، إلا أن المخابز في العاصمة طرابلس أغلقت في شكل مفاجئ منذ أسابيع، عازية ذلك إلى ارتفاع أسعار الطحين (الدقيق) والوقود. وعندما فتحت مجدداً، اعتذرت للمواطنين ورفعت سعر الخبز بشكل كبير.

وقال مراسلو "بوابة افريقيا الإخبارية" في تاجوراء، القره بوللي، غنمية، قصر خيار، الخمس، إن المخابز في هذه المدن قامت،الجمعة برفع سعر رغيف الخبز (الفردة) لتصبح 500 درهم للرغيف الواحد، وسط توقعات بأن يصبح سعر الرغيف ديناراً خلال أقل من شهر.ونقل المراسلون عن أصحاب المخابز،أن قنطار الدقيق بلغ 275 دينارا ليبيا في السوق الموازي، بعد عجز حكومة الوفاق عن توفيره بالسعر الرسمي. وتتقلب أسعار السلع الأساسية تمشيا مع التقلبات الحادة في قيمة الدينار الليبي في السوق الموازية.وكانت ليبيا تنفق ملياري دولار سنوياً لدعم الدقيق والأرز والسكر والشاي وسلع أخرى، لكنها رفعت الدعم السلعي منذ عام 2015 من دون توفير دعم نقدي للمواطنين، فأصبحت السلع الأساسية بمعظمها تُستورد عبر صندوق موازنة الأسعار (مؤسسة عامة) وتُباع للمواطن بسعر الكلفة بدلاً من الدعم السلعي.

تقارير أممية

وبالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية،أعلنت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا "ماريا ريبيرو"، أن نحو مليون ومائة ألف شخص في ليبيا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بسبب انتشار الفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما ذكرت بأن 75% من أطفال ليبيا محرومون من الحصول علي مادة الحليب والشكولاطة التي هي من أهم احتياجاتهم اليومية. وأكدت ريبيرو، في إحاطتها حول الوضع الإنساني في البلاد خلال اجتماع بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، أن الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا أثرت بشكل كبير على الوضع الإنساني للمواطنين.وأشارت إلى أن الوصول إلى مناطق الصراع في ليبيا يمثل مصدر قلق كبير بالنسبة للممثلين الإنسانيين. كما حذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا،من مشكلة تفاوت الوضع المعيشي بين سكان ليبيا،مؤكدة بأن الطبقية أصبحت واضحة بين أفراد المجتمع الليبي. هذا وقد طالبت من المجتمع الدولي ضرورة رفع سقف الإغاثة المخصصة لدولة ليبيا.

وفي أبريل الماضي،قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن "إن مليونا ومائة ألف ليبي، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية"، من نازحين ولاجئين، إضافة إلى العائلات المتضررة من الاشتباكات المسلحة في البلاد.وكشفت المنظمة أنها في حاجة إلى 85 مليون دولار، لتنفيذ برامج وتقديم المساعدة الإنسانية والإحاطة باللاجئين والنازحين. وتفاقمت الأزمات المعيشية لليبيين خلال السنوات الست الماضية، على خلفية الاضطرابات الأمنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية،وتحدث البنك الدولي مرارا عن تراجع هائل في القدرة الشرائية للمواطنين مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وكان آخرها الخبز، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى مستوى تاريخي بلغ 30 بالمئة.

إتهامات متبادلة

وأمام تفاقم الأزمة الإقتصادية في البلاد،تتواصل سلسلة الإتهامات المتبادلة بين الأطراف الليبية.ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية،عن وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة في شرق البلاد، منير علي عصر، قوله إن "مصرف ليبيا المركزي في طرابلس أفسد الحياة الاقتصادية بهيمنته على السياسة التجارية للبلاد وتناسى دوره والمهام المطلوبة منه كونه المسؤول عن السياسة النقدية. وأكد أن الاقتصاد الليبي ليس اقتصادا معقدا وأن المتطلبات واضحة، لكن المركزي استهدف المواطنين بالأزمات من خلال سياسات محاسبية عقيمة، فحجم الاعتمادات الممنوحة لا يتناسب مع حجم السلع المتوفرة.وأضاف: "الوضع ليس مثالي ولولا تدخل علي الحبري لكان الوضع كارثي، لقد قام المركزي في البيضاء بكل ما في وسعه وانقد جزء كبير من البلاد من أزمات مفتعلة بالرغم من عدم حصوله على سنت واحد من إيرادات النفط.

ومن جانبه،قال الصديق الكبير، محافظ المركزي في طرابلس، في لقاء مع محطة "ليبيا" الرسمية الأسبوع الماضي، "لقد طالبنا منذ 2012 بتنويع مصادر الدخل، بتهيئة مناخ أعمال للقطاع الخاص حتى ينمو وعدم الاعتماد على النفط لكن الصراعات السياسية منعت القيام بذلك".وألقى باللوم على أطراف نافذة في الدولة، لم يسمّها، تريد السيطرة على المركزي من خلال ممارسة الضغوط على مجلس الإدارة. وقال إن "المصرف تعرض لمضايقات كثيرة منذ 2011 أربكت نشاطه". وأوضح أن توقف الإنتاج وإغلاق حقول النفط منذ بداية الأزمة كبّدا ليبيا خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر بحوالي 160 مليار دولار.مشيرا إلى أن عوائد النفط بلغت في 2012 نحو 52.2 مليار دولار، لكنها تراجعت في 2016 بشكل كبير لتبلغ 4.8 مليار دولار فقط.

وكانت ليبيا، الغنية بالنفط، سابقاً إحدى أغنى الدول في المنطقة،ومنذ العام 2011،أثّرت عوامل كثيرة بشكل مباشر على كافة جوانب حياة المواطن الليبي، بدءا بشح المعروض من السلع الاستهلاكية الضرورية وارتفاع أسعارها الجنوني في الأسواق وفقدانها أحيانا، وصولا إلى صعوبة الحصول على مرتب شهر واحد من البنوك التي تشكو من أزمة تزداد حدتها يما بعد آخر. وتعيش ليبيا على وقع أزمة إقتصادية خانقة زاد في حدتها العراقيل التي يعاني منها قطاع النفط الذي يمثل نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلي الإجمالي.فرغم التحسن الذي شهدها القطاع خلال الفترة الماضية إلا أنه مازال مهددا بالتراجع في ظل تواصل الإغلاقات المتكررة للحقول النفطية التي تتسبب في خسائر كبيرة.