سيف الإسلام هو الابن الأكبر للعقيد الراحل من زوجته الثانية صفية فركاش، حصل على بكالوريوس العلوم الهندسية في جامعة الفاتح بطرابلس، ثم أكمل دراسته في فيينا ولندن في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، ويعتقد أن له دائرة علاقات شخصية واسعة على الصعيد الدولي.
تشكّلت شبكة علاقات سيف الإسلام نتيجة لعبه دورا دبلوماسيا في ملفات خارجية عدة، وظهر في صورة الممثل الرسمي لليبيا. ونجحت تحركات المهندس الدبلوماسية في حل بعض القضايا التي ظلت عالقة وعانت ليبيا بسببها، فقد لعب دورا مهما في الإفراج عن الفريق الطبي البلغاري في يوليو 2007، بعدما أمضى 8 سنوات في السجن في ليبيا، وفي إغلاق ملف تعويضات طائرة "لوكيربي" و"أوتا" اللتين اتهمت ليبيا بإسقاطهما.
بعد أحداث فبراير، حاول سيف الإسلام برفقة عدد من رموز نظام القذافي الهرب إلى النيجر بعد اغتيال والده، لكن ألقي القبض عليه في نوفمبر 2011. وقضى القذافي الابن سنوات سجينا في الزنتان غربي ليبيا، وفي عام 2015 حكم عليه بالسجن غيابيا في محكمة في طرابلس. لكن في يونيو 2017، أفرج عن سيف الإسلام بموجب قانون عفو أقره البرلمان الليبي.
ومن مقر إقامته المجهول، أعلن نجل العقيد الراحل عزمه تقديمه ترشحه للانتخابات القادمة رافعا شعار الوحدة الوطنية، لكن الإشكال المطروح هو كيف ينظر الغرب الذي تورطت طائراته في إسقاط والده لهذه الخطوة. هل لازال متمسكا بتمشي "نشر الديمقراطية" و"قيم حقوق الإنسان" وممارسة وصاية الرجل الأبيض الذي أنتج سابقا في العراق دولة فاشلة لغتها الأساسية الدم والسلاح أم تراجع المعسكر الغربي عن هذا التمشي مفضلا طريق الاستقرار كما صرح عديد المسؤولين الغربيين الذين أعربوا عن فشلهم في إسقاط النظام و دعم بعض الأطراف التي لم تتوانى عن إثبات فشلها حتى أصبحت الدولة أو ما تبقى على حافة الإنهيار.
حقيقة لا يمكن الحديث عن موقف غربي موحّد خاصة و أن ليبيا مثلت موضوع صراع دولي جديد، حيث مثل ملف التسوية السياسية الليبية أداة للصراع الغربي خاصة الإيطالي الفرنسي حيث نظمت فرنسا مؤتمرا في باريس في شهر مايو الماضي و جاء بعدها مؤتمر باليرمو في إيطاليا كردّ على التحرك الفرنسي فضلا عن المشادات الكلامية بين الطرفين السنة الماضية دون نسيان الدور الأمريكي الخافت و الغير متشنج فضلا عن الإجراءات الروسية الحثيثة للعب دور محوري في البلد.
باريس لا تعارض عودة سيف الإسلام القذافي حيث تأمل نيل نصيب وافر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المهترئ، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
أنظار فرنسا موجهة إلى الجنوب الليبي الذي يحتوي على احتياطي هائل من النفط والغازويوجد به حقل الشرارة للغاز والنفط فضلاً عن خزانات المياه الجوفية العميقة التي توفر المياه للنهر الصناعي العظيم.
أما روما فإنها لم تخف دعمها لترشح القذافي، حيث أعلنت في أواخر الشهر الماضي أنها لا تعارض مبدئيًا عودة محتملة لسيف الإسلام، للعمل السياسي وقيادة ليبيا في إطار المصالحة والعملية السياسية التي تدعمها إيطاليا بقوة، وذلك بعد يوم واحد على إنهاء رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، زيارة مفاجئة إلى ليبيا.
ويبدو أن الإدراة الإيطالية ترى في سيف الإسلام منافسًا حقيقيًا للعقيد المتقاعد خليفة حفتر الذي يملك عديد المشتركات مع إيطاليا حتى أن مشاركته في مؤتمر باليرمو جاءت بشكل باهت للغاية، لذلك فهي تدعم سيف الإسلام حتى لا تخسر مكانتها في البلاد، فهي تسعى لضمان مصالح اقتصادية وإستراتيجية في ليبيا الغنية بالمواد الطبيعية ومكانها الجغرافي الإستراتيجي المطل على البحر المتوسط.
لم تتجاوز إيطاليا نظرتها الاستعمارية حتى بعد أن قدم رئيس وزرائها سلفيو برلسكوني الاعتذار عن الخراب الذي خلفته بلده في ليبيا. حيث ما فتئ المسؤولون الإيطاليون يؤكدون أحقيتهم بمستعمرتهم السابقة، وضرورة عدم مزاحمتهم عليها، فليبيا بالنسبة إليهم مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون.
من جانب آخر،طرح الإعلان الروسي مؤخرًا عن زيارة مبعوث لنجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام، إلى موسكو، وتسليمه رسالة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تساؤلات عديدة عن موقف موسكو منه في الفترة المقبلة.
ورجح البعض أن روسيا تلعب ورقة دعم سيف الإسلام في ليبيا مردها الأساسي تمهيد الطريق للدخول إلى أفريقيا لاحقًا عبر ليبيا، وذلك لأن من أهم أهداف روسيا الإستراتيجية في الأعوام المائة القادمة، هو الدخول لأفريقيا. ومن الجلي أن روسيا تعي جيدا أن الملف الليبي له وزن ثقيل في إطار كل التسويات الدولية لذلك تحاول أن تمسك بالورقة الليبية لتعزيز موقفها لكونه جزءًا من باقي ملفات المنطقة.
ومازالت موسكو تُلقي بثقلها وراء المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، والذي يسيطر على أغلب مناطق إنتاج النفط في شرق البلاد. ورغم ذلك، تتحرك في هدوء لإقامة علاقات مع جميع الفصائل المتصارعة في البلاد بحسب ما نقلته وكالة "بلومبرج" الأمريكية عن دبلوماسيين أوروبيين اثنين مطلعين على الاستراتيجية الروسية.
ويجعل هذا الوضع روسيا في موقف يتيح لها الاستفادة من التطورات التي تحدث في ليبيان على نحو أكبر من غيرها من القوى الخارجية التي تدعم طرفا واحدا أو آخر في الصراع الليبي.
وبالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أدان الحملة العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي (ناتو) على ليبيا لينهي أربعة عقود من حكم القذافي، واعتبرها "حملة صليبية"، فإن استعادة الدور القوي لموسكو في ليبيا بعد تجربة تدخله الناجح في سوريا، من شأنه أن يعزز مكانة روسيا على حساب الولايات المتحدة.
كما أن هذا السيناريو سيفتح الطريق أمام حصول الشركات الروسية على عقود بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار في ليبيا، مع احتمال إقامة قاعدة بحرية روسية جديدة في البحر المتوسط.
من ناحية أخرى، لم يظهر الأمريكان بنفس حماس بقية المتصارعين حول الملف حيث يبدو أن الأولوية الأمريكية أمست تأمين البيت الداخلي خاصة بعد بداية إجراءات سحب القوات من سوريا. وحتى الشهر الماضي، وفي حين تعمل إدارة ترامب على تطوير استراتيجية جديدة في إفريقيا، فإنها أرسلت القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد للمشاركة في مؤتمر عن ليبيا نظمته الحكومة الإيطالية.
ولم تعلن الولايات المتحدة موقفا رسميا إلى حد الآن من عزم القذافي ترشيح نفسه إلا أنها لن تتخلى بالتأكيد عن لعب دور هناك حتى و لو كان بوكالة إيطاليا إذ أن ليبيا رقم صعب في معادلة صراع الأمم ولا يمكن لواشنطن أن تهمله بأي حال من الأحوال، وربما هي في انتظار إيجاد تسوية معينة مع هذا الطرف أو ذاك لإعلان الدعم الرسمي له.