لا يخفى انخراط تركيا في الأزمة الليبية منذ اندلاعها ومساهمتها الكبيرة في إسقاط نظام معمر القذافي من خلال دعم أذرعها في الداخل الليبي،حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.

هذا الدور التركي المثير للقلق  في ليبيا كشف عنه ضبط السلطات الليبية في ميناء الخُمس البحري غرب ليبيا في 17 ديسمبر الماضي، لشحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر قادمة من تركيا. وبحسب بيان للجيش الليبي، فإن عدد الذخائر الواردة في هاتين الشحنتين بلغ 4.2 مليون رصاصة، بما يكفي لقتل قرابة 80 بالمئة من الشعب الليبي، إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق.

ولا تخرج التطلعات التركية باتجاه ليبيا عن إطار التمدد باتجاهات عدة وتدخلات في شؤون العديد من البلدان التي اختارتها حكومة العدالة والتنمية وصارت جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتها.

وتواجه تركيا أيضا اتهامات محليّة بدعم وتمويل الإرهاب في البلاد، خاصة من قبل الجيش الليبي، الذي يتهمها وقطر بدعم هذه الجماعات، حيث لا يخفى أبدا الخطاب التركي المنحاز ضد الجيش الليبي والمصطف إلى جنب الجماعات الإسلامية في ليبيا، وهو خطاب يفضح حقيقة الدور التركي في البلاد المأزومة بانقسام حاد، وهو خطاب بحجم الرهان على هذه الجماعات التي تضمن عدم استقرار وتؤبد حالة الفوضى والدّمار والخراب الذي تستثمر فيه تركيا لربح مشاريع إعادة الإعمار وبيع السلاح وجلب الاستثمارات إلى أسواقها المحلية.

لم تحد تركيا عن هذا التوجّه رغم تورطها أكثر من مرة في دعم الجماعات العنيفة داخل ليبيا حيث أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الليبية، العقيد أحمد المسماري، أن هناك رحلات جوية من تركيا تنقل مقاتلي النصرة السابقين ممن قاتلوا في سوريا باتجاه ليبيا.

وأوضح المسماري، أن تركيا ترسل أسلحة بشكل مباشر باتجاه مصراتة وطرابلس عبر مالطا.

وتابع أن فايز السراج الآن يمنح الأموال للجماعات الإرهابية الهاربة من بنغازي والمنطقة الشرقية، مؤكدًا زيادة أعداد الإرهابيين الأجانب بطرابلس وقيادة طيارين أجانب لطائرات الوفاق في غاراتها على المواقع الليبية.

من جانب آخر،أطلع رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، طلال الميهوب، رئيس مجلس الأمن، كريستوف هيوسغن، على مجريات الأحداث في ليبيا.

وفي رسالة قال الميهوب إن دولتي قطر وتركيا تتدخلان بشكل غير مقبول في شؤون ليبيا، وتدعمان بالسلاح والمال المليشيات وتنظيم الإخوان المسلمين المتحالف مع تنظيمات إرهابية كالجماعة الإسلامية المقاتلة.

كما أكد الميهوب في رسالته أن المجلس الرئاسي غير دستوري، وقد أصبح رهينة للمليشيات والإرهابيين، وأن حكومة الوفاق عاجزة عن فرض الأمن وتوحيد المؤسسات وتقديم الخدمات للمواطنين، كما أكد الميهوب لرئيس مجلس الأمن أن الجيش الوطني الليبي هو مؤسسة عسكرية نظامية منبثقة عن مجلس النواب، وأن محاربة الإرهاب والميلشيات على رأس اهتماماته.

تأوي تركيا العديد من الشخصيات التي تحرض على العنف والإرهاب في الدول العربية، وتظهر عبر قنوات تمولها.

وكان الجيش الليبي اتهم مرارا وتكرارا تركيا بتقويض الأمن في البلاد، وتزويد الميليشيات بالأسلحة والأموال، وهو ما أكدته سفن السلاح التي تم ضبطها في أكثر من مناسبة قادمة من تركيا باتجاه الجماعات المسلحة في ليبيا.

ومن بين من تأويهم تركيا، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الهارب عبدالرزاق العرادي، الذي دعا اليوم الجمعة، أنصاره إلى الخروج في مظاهرات في العاصمة طرابلس ضد الجيش الليبي.

وقال العرادي من إسطنبول في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تعليقا على خروج أعداد قليلة للتظاهر ضد تحركات الجيش في ميدان الشهداء بطرابلس: "رسالة ميدان الشهداء اليوم أهم وأقوى الرسائل للداخل والخارج .. لا لإعلان حفتر الحرب على العاصمة".

يرى مراقبون أنه رغم أن  المتغيرات في الحياة الليبية هي متغيرات داخلية بحتة، إلا أن التدخل التركي يبدو أنه غير آبه بهذا الأمر، فارضا إرادته بأي شكل من الأشكال وبهذا المعنى لا يمكن قراءة الدور التركي في ليبيا، خارج استثمارها المالي في الخراب الليبي، إمّا في اتجاه بحثها عن الأسواق وإعادة الإعمار ودخول أفريقيا، وإما باستقطابها للرساميل الإخوانية والجهاديّة وتدوير المال الليبي المهرّب في اقتصادها المحلّي.